الخميس، 25 ديسمبر 2008

نساء من النقب يحوّلن الموروثات الشعبية من قيود إلى مصدر رزق

النقب (جنوب فلسطين) - وليد ياسين الحياة - 25/12/08//
حُسن ونعمة الصانع تعرضان نتاجهما (الحياة)تعتبر أوضاع المرأة البدوية في النقب، جنوب فلسطين، مثلاً حيّاً عن أوضاع غيرها من النساء في أي مجتمع عربي يسيطر عليه مبدأ «الذكورية» الذي يجعل من الرجل الآمر الناهي في مختلف نواحي الحياة، ويترك المرأة مهمشة على الأصعدة كافة. ولا تزال النظرة العامة إلى المرأة البدوية أسيرة تقليد اجتماعي خاطئ يحصرها في أمور التدبير المنزلي والدور الاجتماعي «الاستغلالي» الذي رسمته لها التقاليد والآراء المسبقة. وتحرم المرأة البدوية من التعليم والعمل، وتتعرض إلى القمع إذا ما تجرأت على الخروج عن الإطار المحدد لها، بذرائع يحددها المجتمع الذكوري تحت عناوين مختلفة، مرة باسم الدين ومرّة باسم العادات والتقاليد، ومرّة باسم الحفاظ على الشرف!
هذه الصورة عملت مجموعة كبيرة من الفتيات والنساء اللواتي ابتسمت لهن الحياة وخرجن لنهل العلم والعمل وتعرفن الى حقوقهن من خلال جمعيات حقوق الإنسان المختلفة، على تغييرها، كما على تغيير النظرة إلى المرأة في صحراء النقب، حيث لم تعد البدوية معزولة عن العالم.
و«جمعية النهوض بثقافة المرأة البدوية في النقب»، واحدة من الجمعيات الفاعلة بين النساء البدويات في النقب، تأسست قبل نحو عشر سنوات، ونفّذت العديد من البرامج لدعم الطالبات البدويات وزيادة فرص التحاقهن بالتعليم الأكاديمي، والمساهمة برفع مكانة المرأة في المجتمع.
وفي حين اهتمت جمعية النهوض بالجانب التعليمي للمرأة البدوية، ركزت جمعيات اخرى على الجانب الاقتصادي وخرجت بمبادرات عززت دور المرأة في العمل والمشاركة في إعالة أسرتها أسوة بالرجل، بل جعلتها في بعض المواقع المعيل الأول للأسرة، خاصة في ظل أوضاع البطالة المتفشية فلسطينيي الداخل عامة، وفي المجتمع البدوي خاصة.
من بين هذه الجمعيات، «جمعية تحسين مكانة المرأة» في قرية اللقية التي أدركت المحفزات الاقتصادية الهائلة الكامنة في فن التطريز البدوي وحوّلته إلى مصدر اقتصادي بات يُعيل عشرات العائلات البدوية في القرية.
نعمة الصانع، التي أسست هذه الجمعية مع حُسن الصانع، أجادت فن التطريز منذ نعومة أظافرها، وتقول إنها كانت تتبارى مع صديقاتها في أعمال التطريز، وقررت استغلال هذا الفن لتحقيق مردود اقتصادي. وهكذا بدأ المشروع الذي حمل اسم «تطريز الصحراء» بست عاملات، أما اليوم فتعمل فيه 165 امرأة من مختلف القبائل في القرية.
وتقول نعمة: «غالبية النساء يعملن في منازلهن وفي أوقات الفراغ، ويشمل ذلك أعمال التطريز الوسائد، شراشف للطاولات، أعمال تطريز لتزيين الجدران، حقائب ومحافظ، أوشحة، وحتى بطاقات التهنئة». وترى ان أعمال التطريز هذه تشكل مصدر تعبير بالنسبة للمرأة البدوية: «من خلال شكل العمل الذي تبدعه المرأة يمكن معرفة ما إذا كانت سعيدة في حياتها أثناء العمل أو تعيش في ضائقة».
وعلى رغم الدور الذي بدأت تلعبه المرأة، واستفادة الرجال اقتصادياً من المردود المالي لمثل هذا المشروع، لا يزال بعضهم يرفض فكرة مشاركة المرأة في إعالة الأسرة. وتقول نعمة وحُسن إن مصنع التطريز تعرض قبل أكثر من سنة إلى حريق كان كما يبدو متعمداً. وتضيف نعمة: «المجتمع العربي ما زال يعاني من عقدة الذكورية، وليس من السهل عليه تقبل قيام المرأة ومطالبتها بالتعلم والعمل والتقدم». وتتابع: «نحن لا نسعى إلى الخروج على التقاليد ولكننا نطالب بالمساواة وبالتعليم لأن التعليم يمنح المرأة والرجل أدوات جديدة وطرقاً جديدة للتقدم».
وتقوم النساء بتطوير مهاراتهن من دون الخروج من البيئة التي يعملن داخلها... ووجدت بدرية في احد الموروثات الشعبية، وتحديداً في أعشاب الصحراء، مصدر رزق، فاستغلّت خبرتها ومعرفتها بميزات هذه الأعشاب لتأسيس مصنع «أصالة»، الذي يشكّل اليوم مصدر معيشة للعديد من العائلات في قرية اللقية.
من منتجات «تطريز الصحراء» وكانت علاقة بدرية بالأعشاب «الطبية» بدأت منذ طفولتها، حين كانت تخرج مع جدتها لجمع الأعشاب واستخدامها كدواء وغذاء يومي. ومع الوقت أدركت بدرية أهمية هذه الأعشاب، ففي أسرتها، كما تقول، تشكل الأعشاب الطبية وسيلة وحيدة للعلاج من أمراض كثيرة. وعندما قررت بدرية البحث عن مصدر رزق تساعد من خلالها في إعالة أسرتها، كانت الأعشاب الطبية مصدر الهام لها، فبحثت عن شريكات يتفقن معها في الرأي وقررن معاً الاستدانة من المصارف للنهوض بمشروعهن على رغم معارضة الرجال في أسرهن. «عندما قلت لزوجي إنني سأستدين من البنك لبناء المشروع لم يتقبل الأمر لكنني آمنت بالمشروع وقلت إنني إذا فشلت فيه فسأعمل في التنظيف في سبيل إعادة القرض للبنك، لكنني لست مستعدة للتنازل»، توضح بدرية. وبقوة الإصرار خرجت النساء الشريكات في المشروع إلى الصحراء وبدأن بجمع الأعشاب الطبية. وقبل سنة ونصف السنة أقمن مصنع «أصالة» الذي حقق نجاحاً كبيراً في إنتاج 11 نوعاً من مواد التجميل والعلاج الطبيعي، حصلت كلها على مصادقة وزارة الصحة الإسرائيلية.
بالإضافة إلى نعمة وحسن وبدرية، هناك العديد من النساء البدويات اللواتي لجأن إلى الموروث الشعبي البدوي للنهوض بأسرهن. ومن بين هؤلاء، أيضاً، ناهدة العقبي التي أسست جمعية «ابنة الصحراء» للنهوض بالمرأة البدوية وتثقيفها وتدعيمها من خلال مشاريع عديدة، احدها مشروع تطريز الأزياء البدوية في قرية حورة. وهناك أيضاً مصنع «سجّاد اللقية» الذي أنشأته جمعية «سدرة» للنهوض بمكانة المرأة البدوية، وكذلك العديد من المشاريع السياحية التي تعتمد كلها على الموروث الشعبي والتقاليد التي أجادت المرأة البدوية في النقب استخدامها لتحقيق الانطلاقة والنهوض الاقتصادي.

الاثنين، 1 ديسمبر 2008

مفهوم «الذكورية» ... يهدد كيان الأسرة

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 01/12/08//
يوم وقفت فيحاء على منصة الشرف لتتسلم شهادة التقدير العالية التي حصلت عليها لقاء بحثها الأكاديمي، انهمرت الدموع من عيون والديها الجالسَين في القاعة مع جمهرة من الحضور. لقد حققت الابنة حلم والديها وغمرتهما بالفرح حين حققت الإنجاز الذي استحقت عليه هذه الشهادة. بعد خروجهما برفقة ابنتهما من قاعة الاحتفال، التقاهم صديق الأب، سامي، الذي جاء هو الآخر من أجل المشاركة في حضور الحفلة برفقة ابنه الفائز بشهادة مماثلة. وبدل أن يصافح هذا الصديق ابنة صديقه ويهنئها على تميزها واستحقاقها، قال موجهاً حديثه إلى والدها، أحمد، من دون أي مراعاة لمشاعرها: «كنت أتمنى لو كان ابنك ادهم هو الفائز بهذه الشهادة، لكن معلش، خيرها بغيرها!».
أدرك أحمد مدى الاهانة التي لحقت بابنته لدى سماعها «أمنية» صديقه، وشعر بالاهانة الشخصية أيضاً من أقوال سامي التي تلمّس منها «معايرته» بفشل ابنه ادهم في الدراسة، فقرر الأب كيل الصاع صاعين لصديقه، فاحتضن ابنته ونظر إلى صديقه نظرة تحد واضحة وقال: «فيحاء تساوي ألف أدهم فاشل».
لم يكن هذا الصدام بين الصديقين مجرد صدفة، ولم يأت من فراغ، فقد جاء احمد وسامي من عائلتين اختلف فيهما أسلوب التربية والتعامل مع الأبناء. صحيح ان احمد جاء من عائلة فقيرة معدمة، لم تتح له ظروف عائلته الاقتصادية مواصلة تعليمه الجامعي والحصول على الشهادات، الا ان أسرته حرصت على تربية أولادها على الاحترام والمساواة بين الأشقاء ذكوراً وإناثاً، خلافاً لصديقه سامي الذي ينحدر من عائلة ثرية، وفّرت له كل الإمكانات المادية لمواصلة دراسته والحصول على «أعلى» الشهادات الجامعية، لكنه تربى على النزعة الذكورية التي تقوّم الذكر على الأنثى وتجعل من الابن متسلطاً وصاحب الرأي الصائب في مختلف الحالات.
على رغم خصوصية حالة أحمد وسامي، إلاّ أنها تؤكد أن في المجتمع أناساً لم تنغرس في نفوسهم النزعة الذكورية، وربوا أولادهم على المساواة والتفاهم والاحترام المتبادل. من جهة أخرى، تساهم التقاليد والأعراف في المجتمع في إعلاء شأن الذكر على الأنثى، حيث نجد الذكور لا يحترمون أخواتهم البنات ويتعاملون معهن بفوقية وخشونة وتسلط. والمعروف ان هذه النزعة ليست وليدة عصرنا ولا تتوقف على مجتمعنا الشرقي فحسب، بل سادت مختلف المجتمعات في الغرب، أيضاً، حيث عوملت المرأة، قبل هبوب رياح التحرر، على أنها الضلع القاصر وخلقت لخدمة الرجل وإشباع رغباته وغرائزه.
ومن المعروف في مجتمعنا الشرقي ان ولادة الأنثى كانت تعتبر عاراً في المجتمع الجاهلي، وان الإسلام حارب هذه الظاهرة واعتبرها من الكبائر وقضى عليها. الا ان المجتمعين، الشرقي والغربي، واصلا التعامل مع الأنثى بمنظار فوقي يجعل الولد ينظر إلى أخته على أنها مخلوق أدنى منه، بل غرس في نفوس نسبة كبيرة من الإناث، إلى حد ما، الشعور بأنهن أدنى من اشقائهن، وقد استغل الذكور هذه النزعة لفرض سيطرتهم وهيبتهم في غياب التربية الصحيحة أو تغليب الوالدين للذكر على الأنثى.
ويرى علم الاجتماع ان تسلط الابن على شقيقته يزداد مع انشغال الأبوين عن الاهتمام بتربية أولادهم، أو ايلاء محبتهما الزائدة للابن، فعندها يشعر الأخ انه رجل البيت في غياب والده، وأحياناً في حضوره، وأن أوامره يجب ان تطاع من شقيقاته، بل وأحياناً من أمه، لاعتقاده انه يمتلك امتيازات اكبر. وغالباً ما يمارس الابن سلطته بنوع من الاستبداد، فيفرض القيود على شقيقاته حتى لو كنّ اكبر منه سناً وأكثر وعياً، وعلى الأبوين ان يدركا أن عدم تدخلهما لكف تماديه من شأنه تعميق نزعة التسلط هذه في نفسه ومن ثم نقلها إلى أولاده مستقبلاً.

الخميس، 27 نوفمبر 2008

عنف المعلمين مع طلاب فلسطينيين يقارب «التعذيب»

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 27/11/08//
ما زال الغموض يكتنف ظروف سقوط الطالب الفلسطيني عرفات رأفت الصواف، من الطابق الثالث في مدرسة الإمام الشافعي الثانوية بمدينة غزة، في وقت يؤكد عدد من شهود العيان ووالد الطالب أن عرفات، الذي يرقد حالياً في حالة موت سريري، في احد المستشفيات الإسرائيلية، تعرض للضرب العنيف على يد مدرس الرياضيات، وسقط من الطابق الثالث، أثناء محاولته الهرب من عصا معلمه.وفي التفاصيل، التي تناقلتها مؤسسات حقوقية فلسطينية، كان عرفات يحاول الهرب من مدرسه، لحظة خروجه من فصله الدراسي في الطابق الثاني، إثر تعرضه للضرب بسبب سلوك سلبي. ثم شوهد عرفات وهو يصعد إلى شبك الحماية الحديدي المحيط بسلالم الطابق الثالث. علقت ساقاه واختل توازنه فهوى. إلاّ أن والد الطالب يتهم المعلم مباشرة بالتسبب بسقوط ابنه، ويقول ان المدرس ضربه بالعصا وهو معلق على السلالم، ما أدى إلى سقوطه.وصف الناطق الإعلامي لدى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، الحادث بأنه «عرضي»، في حين طالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بنشر نتائج التحقيق في الحادثة، وبحماية حق الأطفال في التعليم وتعزيزه، ومكافحة مظاهر العنف في المدارس. وتزامن ذلك مع صدور بيان لمؤسسة «الضمير» ومركز «الميزان» لحقوق الإنسان، يؤكد تزايد الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون، بسبب التصاعد المستمر لاستخدام العنف في مدارس قطاع غزة. واعتبر البيان استخدام العنف في المدارس تعبيراً فظاً عن عجز من يستخدمون العنف وقصور إمكاناتهم وأدواتهم التربوية، إضافة إلى انتهاكهم معايير حقوق الإنسان والقانون الفلسطيني الذي يحظر استخدام العنف في المدارس.وفي متابعة لحادثة الطالب عرفات الصواف، يتضح ان العنف في المدارس الفلسطينية يستشري، ولا يتوقف على المدارس الحكومية فحسب، بل يتغلغل في مدارس «اونروا» التي يبدو أنها تحاول التستر على ما سماه أحد نشطاء حقوق الإنسان بـ «التعذيب داخل المدارس»، من خلال المبادرة إلى حملة لمكافحة العنف في المجتمع الفلسطيني ومدارسه.وحاول مسؤول في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، التقليل من حدة ظاهرة العنف في المدارس، بوصف مبادرة «مدارس بلا عنف» بأنها «تطبيق ملموس لترسيخ قواعد ثابتة في نشر الاحترام المتبادل والقيم الاجتماعية والانضباط السلوكي لدى الطلبة»، بينما نشر الباحث الفلسطيني في مجال حقوق الإنسان، مصطفى إبراهيم، تقريراً، يتهم فيه إدارات المدارس بممارسة «التعذيب ضد الطلبة». ومن ممارسات التعذيب التي كشفها تقريره، قيام بعض المعلمين برش الرمل على رؤوس الطلاب الذين يضعون «الجلْ» على الشعر، وإجبار الطلاب الذين يتأخرون في الوصول إلى المدرسة على ممارسة رياضة عنيفة، تشمل تمارين «عسكرية»، كما ذكر بعض الطلاب. ويقول هؤلاء إن المعلمين يفرضون عليهم إجراء تمارين الضغط والزحف على الأرض، والقرفصة على أصابع القدمين والسير مسافة طويلة تحت الضرب بالعصي. ويمارَس الضرب الجماعي بالعصي على الطلاب المعاقبين، اذ يجتمع عدد من المعلمين حول الطالب، وينهالون ضرباً على كل أنحاء جسمه. وشهد هؤلاء الطلاب ان أحد زملائهم في الثانوية العامة، أدخل المستشفى من شدة الألم إثر «فلقة» على قدميه. وأكد طالب في الصف الأول الإعدادي في إحدى المدارس التابعة لوكالة «أونروا» أن المعلمين هناك يمارسون السلوك نفسه، بل ويضيف انه إذا سقط طفل من شدة العياء، يُضرب بالعصي ويُجبر على إكمال التمرين.ويقول مصطفى: «نسمع عن عنف يمارسه طلاب المدارس، إلا أننا في قطاع غزة أصبحنا نسمع ونشاهد العنف الذي يمارسه المعلمون المناط بهم تربية الأجيال الصاعدة وتنشئتهم».من جهتها، قالت وكالة «أونروا» في بيان، إنها تسعى إلى إيجاد أفضل بيئة تعليمية ممكنة لطلابها، وإنها تنفذ نشاطات مختلفة لتزويد المعلمين والطلاب بمهارات تهدف إلى نشوء بيئة مدرسية تربي على التسامح والاحترام والتواصل، وتحرّم العنف في المدارس.وأضافت أن 20 مدرسة تبنّت مبادرة خاصة لمكافحة العنف، وان فريقاً شُكّل على أعلى المستويات، من دائرة التعليم بالوكالة، والجامعات المحلية، والاختصاصيين لوضع الخطط والنشاطات الضرورية، تمهيداً لتعميم التجربة على كل المدارس مستقبلا،ً وأن هناك تعليمات مشددة تحظر استخدام العنف في شتى صوره في مدارس الوكالة.وبحسب مصطفى، لم تتلق أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان حتى الآن، رداً على البيانات والشكاوى التي رُفعت بخصوص سقوط الطالب الصواف، ولم يُكشف عن تحقيقات في شكاوى كثيرة تقدم بها طلاب وذووهم، ضد بعض المعلمين في المدارس التي تمارس العنف الجسدي والنفسي والمعنوي على طلابها. ولم تأخذ الوزارة تلك الممارسات بجدية.

الاثنين، 24 نوفمبر 2008

دراسة تشير إلى قصور واضح في معالجتها ... 17 في المئة من الشبان الإسرائيليين «في ضائقة»

شفاعمرو (فلسطين المحتلة) - وليد ياسين الحياة - 24/11/08//
أصبح مصطلح YOUTH AT RISK أو «الشباب في ضائقة»، احد المصطلحات الأكثر شيوعاً في المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، بفعل ازدياد حوادث العنف والإهمال التي تعانيها نسبة كبيرة من الفتية والشبان الإسرائيليين.وبموجب التعريف الرسمي لـ «الشبان في ضائقة»، فإنها مجموعة الشباب الذين ترواح أعمارهم بين 14 و18سنة ، والتي تواجه أو يحتمل مواجهتها ضائقة وأخطار جسدية، نفسية أو روحانية. وبحسب المعطيات التي نشرتها جمعية «عيلم» الإسرائيلية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أي عشية الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الطفل، بلغ عدد الفتية والشبان الإسرائيليين الذين ينطبق عليهم هذا التعريف 330 ألفاً، ويشكلون ما نسبته 17 في المئة من مجموع الفتية والشبان، فيما تتحدث معطيات نشرتها جمعيات أخرى تكافح العنف ضد الأطفال والفتية والشباب، عن 350 ألف ضحية للعنف والإهمال، سواء من العائلة أم من المؤسسات الرسمية.ويتضح من معطيات جمعية «عيلم» ان قرابة 40 في المئة من هؤلاء الفتية والشبان يتعرضون للعنف العائلي و34 في المئة يتعرضون للعنف اللفظي، و18 في المئة يعانون من العنف الجسدي، فيما قال 5 في المئة إنهم تعرضوا للاعتداء الجنسي. وتشير هذه المعطيات، التي نشرتها لجنة رسمية شكلتها الحكومة لمعالجة أوضاع الفتية والشبان الذين يواجهون الضائقة، ان قرابة 165 ألف فتى وشاب لا يحصلون على أي مساعدة لمواجهة «الضائقة» التي يعانونها، فيما يعيش قرابة 135 ألفاً في عائلات تعاني من العنف الجسدي، و144 ألفاً يعانون من الإهمال، و49 ألفاً يتعرضون للتنكيل، و22 ألف فتى يعيشون في كنف عائلات تورط أفرادها في نشاط إجرامي.ويرى مختصون بمعالجة هذه الظاهرة ان مسببات الضائقة تكمن في العوامل التي تؤثر في نمو الفتية والشبان في شكل سلبي، وهي الفقر والبيئة الإجرامية والعائلات التي لا تقوم بواجباتها. ويقول احد الباحثين الاجتماعيين ان «دلائل الضائقة تنعكس في السلوكيات السلبية للشبان التي تتزايد بفعل هذه المسببات. ومن الظواهر البارزة التي تؤثر في سلوك هؤلاء الشبان ونموهم: التسرب من المدارس، الهرب من البيت، والتورط في أعمال جنائية كالاغتصاب والعنف، وممارسة الجنس في سن مبكرة، والتدخين، وتعاطي الكحول والمخدرات، والتورط مع عصابات إجرامية.ويظهر من دراسة أعدّتها أربعة معاهد فاعلة في إسرائيل ان نسبة الشبان العرب الذين يتسربون من مدارسهم تصل إلى 30 في المئة مقابل 10 في المئة في الوسط اليهودي، بينما تبلغ نسبة الفتية الذين يعيشون في عائلات فقيرة 30 في المئة من مجموع الفتية في إسرائيل، أما الفتية الذين يعيشون في عائلات أحادية الوالدين، بسبب الطلاق أو الإنجاب غير الشرعي، فتصل إلى 8 في المئة. ويقول معدو الدراسة ان الفتية الذين يعيشون في ظلّ ضوائق خطيرة داخل الأسرة، يفقدون القدرة على نيل حقوقهم التي حددتها المعاهدة الدولية لحقوق الطفل في العديد من المجالات، أبرزها: فقدان الانتماء العائلي، فقدان المقدرة على العيش والنمو الطبيعي، القصور في التحصيل العلمي والمهني، فقدان الراحة والثقة بالنفس، فقدان الانتماء الاجتماعي وعدم المقدرة على حماية أنفسهم من الآخرين ومن ذاتهم.وتضيف الدراسة التي أُجريت على نزلاء مؤسسة للأولاد في ضائقة في إحدى المدن الرئيسة في إسرائيل ان الفتيان الذين يعانون الضائقة ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي، وجاؤوا من مختلف أنحاء البلاد. فبين هؤلاء يوجد أبناء عائلات يهودية وعربية، يهود من قدامى المستوطنين الإسرائيليين ومن المهاجرين الجدد، أبناء أحياء فقيرة وأبناء أحياء ثرية، وكلهم يجمعهم عامل مشترك هو الشعور بالغربة في مجتمعاتهم وممارسة سلوكيات غير أخلاقية، كالتشرد، الإجرام، الإدمان على المخدرات والكحول وممارسة العنف والفوضى وغيرها.ومن المعطيات المثيرة التي خرجت بها الدراسة يبرز العدد الكبير للفتيان الذين تم تحويلهم على رعاية سلطة الرفاه نتيجة إهمالهم من عائلاتهم، اذ بلغ عددهم 52 ألف فتى، فيما بلغ عدد الفتية الذين ترعاهم السلطة نتيجة تعرضهم إلى التنكيل قرابة 16 ألفاً.ويتضح من هذه المعطيات، أيضاً، ان نسبة كبيرة من الفتيات اللواتي تتم معالجتهن من سلطة الرفاه، وصلن إلى هناك جرّاء مواجهتهن أوضاعاً نفسية بالغة الصعوبة (57 في المئة)، كما ان هناك نسبة كبيرة ممن حاولن الانتحار (24 في المئة). وأما نسبة اللواتي مارسن الزنا فتصل إلى 5 في المئة، فيما وصلت نسبة الفتيات اللواتي مارسن الجنس في شكل غير مراقب إلى 36 في المئة. ووصلت نسبة المتورطات في أعمال جنائية إلى 48 في المئة، ونسبة متعاطيات السموم إلى 34 في المئة.وعلى رغم قيام السلطات الإسرائيلية بخطوات عملية للحد من ظاهرة الشبان في ضائقة، إلا أن الدراسة تشير إلى قصور واضح في معالجة هذه الظاهرة في مجالات عدة. وعلى سبيل المثال، تشير الدراسة إلى عدم الاهتمام بتوفير الأطر الكافية لمعالجة هذه الظاهرة، وتقلص نوعية الخدمات المطلوب توافرها لمعالجة الشرائح الاجتماعية كافة، وعدم الاهتمام بتقديم الخدمات كاملة للمحتاجين. ويبرز هذا القصور في شكل خاص في الدوائر التي تعالج هذه الشريحة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل وفي أوساط المهاجرين الروس والأثيوبيين.

الخميس، 20 نوفمبر 2008

يدمر أسس الحياة الأسرية... عنف الوالدين يخلّف ضحية ... وجلاداً

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 20/11/08//
وقف سعيد مشدوهاً أمام ابنة شقيقته سماح وهي تصرخ في وجه والديها أنها تتمنى الموت على مواصلة العيش معهما، في هذا الجحيم. كانت سماح عادت لتوها من عملها. وما إن فتحت الباب حتى أطلقت صرختها الطويلة تلك التي شعر في أثنائها خالها، سعيد، وكأن سكيناً تمزق جسد الشابة. لم تكن في حاجة إلى الاستفسار عما يحدث، فقد ألفت مشاهد العنف اليومية بين والديها.
حضر سعيد إلى منزل شقيقته بعد أن استدعاه أحد جيرانها لفض اشتباك جديد بينها وبين زوجها. وحين دخل إلى البيت كان المشهد مرعباً: شقيقته تنزف دماً بسبب ضربة وجهها إليها زوجها بزجاجة شجت رأسها. وفي الزاوية، كانت فرائص أطفالهما الأربعة ترتعد، من دون أن يأبه والداهما بهم، أو بما سبباه لهم من فزع غمر عيونهم بالدمع.
عشرون عاماً مضت منذ تزوجت شقيقة سعيد، ويكاد لا يتذكر أسبوعاً واحداً مضى، من دون أن يتكرر مشهد عنف في منزلها. وغدا سعيد العنوان الوحيد الذي يرجع إليه الجيران كلما سمعوا صراخاً ينبعث من بيت شقيقته. ولقد كان صديقاً لزوجها قبل قرانه بشقيقته سهى.
طوال السنوات العشرين، حاول مراراً وتكراراً إفهام الزوجين بأن الخلافات بينهما تنطوي على أخطار جسيمة على أطفالهما، لكن أحداً منهما لم يفهم قصده، حتى وهما يعايشان الآثار السلبية لخلافاتهما: انطواء وخوف وعنف متبادل.
في ذلك المساء، وبعد أن فشل سعيد في تهدئة الزوجين، وأدرك ان المشاكل لن تتوقف، رافق شقيقته وأولادها إلى منزله، عازماً على وضع حد للمعاناة. وبعد أشهر من التداول في قضيتهما أمام المحكمة الشرعية، تم تطليقهما. وانتقلت سهى وأولادها للعيش في منزل خاص. وعلى رغم شعور الأطفال للمرة الأولى، بأنهم بدأوا يعيشون حياتهم، وبدا ذلك واضحاً من «انتعاشهم» الجسدي والعقلي، لم يتخلوا عن والدهم. وبتشجيع من أخوالهم كانوا يزورونه مرة في الأسبوع. وبعد أشهر من الفراق، عادت الأسرة والتحمت من جديد، بعد تدخل متكرر من أهل الخير.
العاملة الاجتماعية ناريمان التي تابعت ملف الزوجين تنظر بارتياح إلى أوضاع الأسرة اليوم، وتتمنى ان يكون الزوج تلقن الدرس فعلاً، وتوقف عن ممارسة العنف بحق أسرته. وتقول: «أثناء متابعتي ملف الأسرة، وقفت على الآثار العميقة التي خلفها الشجار المتواصل بين الوالدين، في نفوس أطفالهما. فقد ترك الشجار والجدال الدائم المصحوب بالاهانة والعنف، تأثيراً سلبياً على نمو الأطفال وعلى صحتهم النفسية. الطفل لا يحتاج إلى الطعام والشراب والتعليم فحسب، بل أيضاً إلى الاستقرار والهدوء النفسي، لأن من دون ذلك يفقد قدراته، ولا يتمكن من صقل شخصية ايجابية. ومعايشته الشجار اليومي بين والديه، له انعكاسات على سلوكه في المدى البعيد».
وأجرت ناريمان لقاءات مع الوالدين، على انفراد في البداية ومن ثم معاً. وشرحت لهما أبعاد الآثار السلبية لتصرفاتهما على نفسيات أطفالهما. وتذكر كم تألّمت حين التقت الأطفال في عيادتها، وشاهدت الولد الأصغر، كيف يتصرف مع شقيقاته. «اعتقد بأن ممارسة العنف على أمه تركت آثاراً مدمرة على نفسيته، وبات يتصرف مثل والده تماماً، بتسلط ذكوري يعتقد أنه يمنحه الحق بأن يكون الآمر الناهي»، كما تقول.
وترى ناريمان أن على رغم عودة الأسرة إلى حياتها المشتركة، سيمضي وقت طويل قبل أن يتعود هذا الطفل على أنه لا يملك الحق في التحكم بشقيقاته ومعاملتهن وكأنهن خادمات له.
وهي تعتبر أن الخلافات الزوجية أمام الأطفال مسألة طبيعية، تحدث بين كل البشر، «ولكنْ ما ليس طبيعياً أن تتحول مشهداً يومياً مرعباً، مثلما كان يحصل داخل أسرة سهى». وتعتقد ان التفريق بين أفراد الأسرة مدة طويلة، ساهم في تهدئة الزوج، وإفهامه بأنه إذا أراد مواصلة بناء أسرة معافاة ومستقرة عليه ان يتغير كلياً. ومن خلال متابعتها أوضاع الأسرة بعد «لمّ الشمل»، لاحظت أن الوالدين يدركان ان عليهما السعي الى منع تطور الاختلاف بالرأي ومسائل «النزاع» بينهما، إلى صراع لا طائل منه غير إلحاق الأذى بالأبناء والبنات... وحتى الجيران والأقارب.
الخبير في علم النفس، أيمن مصطفى، يرى انه يتحتم على الوالدين، ليس الانضباط أمام أطفالهما فحسب، بل أيضاً العمل على نشر روح التربية السليمة في الأسرة، من خلال عدم التفريق بين الجنسين، وجعل الولد (الصبي) يعي أنه لا يختلف عن شقيقته (البنت)، وأنه لا يستحق رعاية واهتماماً متميّزين، وأن يدرك أن مفهوم البنت خادمة للصبي، خاطئ أو باطل. «وعلى الصبيان والبنات أن يفهموا أن حياتهم المشتركة تحتم التعاون بينهم. وبهذه الطريقة، تنمو لديهم روح المشاركة الأسرية. وأنا أؤمن بأن طفلاً يتربى على هذه الروح سيغرس المحبة في أسرته مستقبلاً، واستبعد أن يمارس العنف بحق أفرادها»، كما يقول.

الاثنين، 17 نوفمبر 2008

مجتمع يغوص في مستنقع العسكرة والاهتزاز الاجتماعي والأخلاقي ... قلق إسرائيلي من ظاهرة الانتحار بين الشباب

شفا عمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 17/11/08//
إلى جانب الأزمات الخطرة التي يواجهها الشباب في إسرائيل، وفي مقدمها تفشي ظواهر العنف والإدمان على المخدرات والكحول، يستدل من معطيات تناقلتها جهات رسمية وتنظيمات أهلية تتابع أوضاع هذه الشريحة الاجتماعية، ان نسبة اليأس من الحياة والميل إلى الانتحار باتت تشكل ظاهرة مقلقة في مجتمع يغوص من يوم الى آخر في مستنقع العسكرة والفساد الاجتماعي والأخلاقي، إلى حد أجبر دارسي هذه الظاهرة على الاعتراف بأن إسرائيل باتت تنافس الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية في هذا المجال.
وتفيد آخر الدراسات التي تناولت ظاهرة الانتحار بين الشباب في المجتمع الاسرائيلي أن 8 في المئة منهم حاولوا الانتحار بين عامي 2003 و2006، مؤكدة أن على رغم أن نسبة الانتحار في سن البلوغ ليست الأعلى مقارنة بنسبتها في أعمار أخرى، إلا أن التفكير بالانتحار ومحاولات الإقدام عليه تبرز في شكل كبير في هذا الجيل.
وجاء في تقرير قدمه الباحثان رون تكفا ونعمي مي عامي، إلى لجنة حقوق الطفل في البرلمان الاسرائيلي أن ارتفاع هذه الظاهرة في أوساط الشبان، في سن البلوغ، يعود إلى ما يرافق هذه المرحلة الحياتية من صراعات نفسية واجتماعية ودخول الشبان في حالات شديدة من التوتر والضغط ومصاعب المعيشة والدراسة. ويضيفان ان البالغين يحاولون مواجهة هذه المصاعب بطرق مختلفة: إظهار العدوانية، التمرد، الانطواء، الهروب من البيت، وفي أقصى الحالات محاولة الانتحار.
وبحسب التقرير، فإن ظاهرة الانتحار في أوساط الشباب كانت تعتبر مسألة ذاتية يحاول المجتمع التستر عليها، لكنها أضحت مشكلة يواجهها المجتمع بكل مركباته، إعلامياً، أكاديمياً ورسمياً. وهناك هيئات إسرائيلية تعالج هذه المشكلة سواء على مستوى العمل الأهلي أم على المستوى الحكومي والبرلماني.
ويستدل من معطيات أبحاث أن محاولات الانتحار تعتبر نادرة قبل سن الـ12 سنة، وأن الذكور يميلون إلى الانتحار أكثر من الإناث، لكن نسبة الإناث اللواتي حاولن الانتحار تفوق نسبة الذكور. ومن العوامل الاجتماعية البارزة التي تشير إليها هذه الأبحاث كمسببات أساسية لمحاولة الانتحار، انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة، وانخفاض مستوى ثقافة الوالدين.
تستر عائلي
ويؤكد باحثون مواجهتهم مصاعب لدى محاولتهم إحصاء حالات الانتحار في أوساط الشبان الإسرائيليين، لأن العائلات غالباً ما تحاول التستر على حصول محاولات كهذه في أوساطها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقاصرين، وثانياً لأن المستشفيات لا تلتزم دائماً توثيق محاولات الانتحار في السجلات الطبية للمرضى، بل وتخفيها أحياناً نزولاً عند رغبة الأهالي الذين يعتبرون محاولة الانتحار في أسرهم بمثابة وصمة يحاولون طمسها. فضلاً عن أن الباحثين لم يتمكنوا من إحصاء نسبة المنتحرين الذين لم يصلوا إلى المستشفيات.
لكن التقرير الذي قدّم إلى اللجنة البرلمانية لحقوق الطفل، يشير استناداً الى معطيات الوفيات في أوساط الشبيبة كما وردت في سجل الإحصاء المركزي، إلى أن نسبة الشبان، في سن الـ15-24 سنة، الذين أقدموا على الانتحار بين 1981 و2000، تصل إلى 22 في المئة من المجموع العام للمنتحرين. وتعتبر هذه النسبة مقلقة لأنها تفوق عملياً نسبة الشبان في المجتمع الاسرائيلي ككل، والتي وصلت في الفترة ذاتها إلى 18 في المئة.
وبحسب تقرير لوزارة الصحة، بلغ معدل محاولات الانتحار سنوياً، بين 2001 و2003، نحو 370 شخصاً، بينهم 70 شاباً. كما يستدل من الأرقام أن نسبة الشبان الذين أقدموا على الانتحار في العام 2000 وصلت إلى 6.9 من بين كل 100 ألف شخص، غالبيتهم من الذكور. أما محاولات الانتحار التي باءت بالفشل، فوصلت إلى 5 في المئة، غالبية من أقدم عليها من الذكور أيضاً.
وتؤكد هذه المعطيات ان نسبة الشبان الفلسطينيين في “منطقة 48” الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها، كانت عالية في هذا الجيل، أيضاً (بين سن 15 و24 سنة)، لكن نسبة الشبان اليهود الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها تضاعفت مرتين.
وفي ضوء معطيات المجلس القومي لسلامة الطفل، فإن عدد الأولاد والفتية الذين أقدموا على الانتحار خلال عامي 1990 و2000، تراوح بين 9 و15 فتى سنوياً. لكن الأرقام المثيرة للقلق في تقرير للمجلس تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الأولاد الذين يحاولون الانتحار. وعلى سبيل المثال أقدم 939 فتى تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، على الانتحار في العام 2004. وبلغت نسبة الإناث بينهم نحو 80 في المئة.
وعلى رغم كون هذه المعطيات تزيد بكثير عن معطيات وزارة الصحة للعام ذاته (نحو 500 محاولة)، الا أن المعطيات أثارت قلقاً كبيراً لدى المؤسسة الحاكمة التي سارعت إلى طلب تقرير مفصّل يوضح أسباب هذه الظاهرة وحجمها وسبل معالجتها.
ويستدل من ذلك التقرير أن المسببات الأساسية لمحاولات الانتحار خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تتلخص في المتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الاسرائيلي، ومن أبرزها: ارتفاع نسبة البطالة، ارتفاع نسبة الطلاق، التأثير الاجتماعي لوباء الايدز، ارتفاع نسبة ادمان الكحول والسموم، اتساع استخدام الانترنت والانكشاف من خلاله على ظواهر الانتحار والعنف وعلى مواقع تشرّع الانتحار وتحض على التخلص من الحياة، فضلاً عن ازدياد سبل الوصول إلى وسائل الانتحار كالحبوب المخدرة والسيارات والمسدسات.
وبحسب التقرير، فإن إقدام الشبان على ابتلاع كميات من الحبوب المخدرة يعتبر من المسببات الأساسية للانتحار. كما يشير التقرير إلى تفشي الأمراض النفسية في أوساط الشبان الإسرائيليين، لا سيما الإحباط النفسي الذي يصيب نسبة عالية منهم. كما يشير التقرير إلى حالات التجويع الإرادي (الحمية القاتلة) كأحد المسببات، وكذلك شعور الشبان بأن مشاكلهم الحياتية غير قابلة للحل، وأيضاً، تفشي ظواهر غير أخلاقية كاللواط، والاعتداءات الجنسية وغيرها.
أما عن سبل معالجة هذه الظاهرة، فينصح الباحثون بضرورة اعتماد خطط أميركية ثبتت نجاعتها، وتشمل: سنّ قوانين تلزم الحكومة تخصيص موارد مالية لمحاربة الظاهرة عبر البرامج التعليمية، تأهيل مرشدين لتشخيص مخاطر الظاهرة والعمل لمنعها، دمج المعلمين في برامج تأهيل خاصة والربط بين برامج لمكافحة ظاهرة الانتحار وبرامج مكافحة العنف والسموم، وكذلك تخصيص موازنات لإجراء أبحاث متواصلة حول الظاهرة وسبل مكافحتها.

الخميس، 13 نوفمبر 2008

«بيت الموسيقى» يوسّع الآفاق لأطفال فلسطين... غرباً

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 13/11/08//
عندما تدخل منزل المواطن زهر الدين سعد، في قرية المغار،في منطقة 48، تخال نفسك عند مدخل دار للاوركسترا أو معهد موسيقي صغير. أبناء زهر الدين الأربعة، عمر (13 سنة) ومصطفى (11 سنة) وطيبة (10 سنوات) وغاندي (9 سنوات)، وهبهم الله نعمة عشق الموسيقى وملأ صدورهم بأشجانها، فاختار كل واحد منهم آلته المحببة، وانطلقوا جميعاً يعزفون مقطوعات موسيقية تجعلك تنتشي طرباً على أنغام الآلات التي استسلمت لأنامل الأشقاء الأربعة.
والأربعة يدرسون العزف في «بيت الموسيقى» القائم في مدينة شفاعمرو، التي تبعد مسافة سفر ساعة على الأقل من قريتهم. ومع ذلك، تجدهم يبكرون في الاستيقاظ صباح كل احد، ليتوجهوا إلى المعهد، بشغف العاشق «لتلقي مزيد من رشفات الحب»، كما يقول والدهم، مضيفاً: «أصبحت الموسيقى تشكل الغذاء الروحي لأبنائي. الله أنعم علي بأربعة موهوبين أتوقع لهم مستقبلاً مشرقاً».
ويعتز سعد بتميز ابنه مصطفى في العزف على الآلات الوترية، وهو حائز «جائزة مارسيل خليفة» لأبناء جيله، في المسابقة التي نظمها «معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى» في القدس، في تموز (يوليو) الماضي. ويكاد مصطفى يطير فرحاً وهو يتحدث عن مشاركته بعد فوزه بالجائزة، في الحفلة التي أقيمت في «قصر الثقافة» في رام الله، لتوزيع الجوائز على الفائزين، وقدم معزوفة.
ويذكر الفتى أنه عشق الموسيقى منذ طفولته، ووجد تجاوباً كبيراً من والديه، ما شجعه على مواصلة الطريق. وهو يحلم بتحقيق «مجد» في عالم الموسيقى ويؤمن بأن الموسيقى، ستشكل مصدر رزق له ولأشقائه.
وبحماسة مصطفى، يتحدث الطالب الجامعي سعيد سلباق، من مدينة شفاعمرو، الذي تخرج من بيت الموسيقى والتحق بمعهد عال للموسيقى لاستكمال دراسته الجامعية. بدأ سعيد دراسة الموسيقى، منذ كان في السادسة من عمره. وحين بلغ الثالثة عشرة التحق بـ «بيت الموسيقى» واستمر فيه، حتى اجتاز امتحانات الشهادة التوجيهية. ويقول: «منذ صغري، كنت اعزف على البيانو قبل دراسة أصول العزف. وحين التحقت ببيت الموسيقى، توسّعت آفاقي، وتعزّز حسي الموسيقي. ويمكنني أن أقول اليوم إنني لا أطيق العيش من دون موسيقى».
يلفت سعيد إلى أن عائلته دعمته بكل قواها، وهي تواكب مسيرته باهتمام كبير، «لا بل حين كانوا يشعرون بأنني أميل إلى التخلي، كانوا يدفعونني إلى المواصلة». وهو ينتقد بشدة قلة الاهتمام بالموسيقى في المنهاج التعليمي الرسمي، الذي ينقطع بعد الصف السادس ابتدائي.
ويقول انه يتحتم على المدارس العربية بخاصة، ان تعمل على تقريب الطلاب من الموسيقى، فناً وعلماً، من خلال منهاج دراسي، أو على الأقل، من خلال نشاطات موسيقية. ولا يخاف الشاب من المستقبل المهني، بل يصرّ على أن ما لمسه من اهتمام بالموسيقيين الشبان أمثاله، وان كان ليس كافياً، يجعله يثابر وينشد التعمق في هذا المضمار.
جمعيّة «بيت الموسيقى» تأسست في مدينة شفاعمرو، في 1999، بمبادرة من الموسيقي عامر نخلة ومجموعة موسيقيّين محترفين جمعهم السعي إلى خلق إطار مهني لتعليم الموسيقى. وذلك بهدف سدّ الفراغ في هذا المجال الفني، داخل المجتمع الفلسطيني في منطقة 48.
ويُعتبر المعهد الإطار الموسيقي الأكاديمي الوحيد الخاص بالأقليّة الفلسطينيّة في الداخل. وهو المعهد العربي الأوّل الذي حصل على اعتراف رسمي من وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية.
ويعتز عامر نخلة بمساهمة معهده في تغيير نظرة المجتمع إلى الموسيقى وفنونها، وبانتزاعه اعترافاً محلياً ودولياً، جعل منه مركزاً حيوياً نابضاً بالنشاطات. ويقول: «المعهد نجح في إدخال الموسيقى إلى المجتمع الفلسطيني بمفهومها العلمي، فلم تعد مجرد هواية يلجأ إليها الطالب في ساعات الفراغ، وإنما باتت موضوعاً علمياً له قيمته ووزنه في حياة طلابنا».
ويرى نخلة ان الموسيقى تجذب الأطفال منذ الصغر، ومن يحظى بالاهتمام والرعاية يحقق النجاح، ويضيف: «نحن نلمس في معهدنا مدى اهتمام الأهالي بأبنائهم وبناتهم، بدليل قدومهم من قرى تبعد عشرات الكيلومترات عن شفاعمرو». ويشير إلى أن المجتمع الفلسطيني في الداخل، يفتقر إلى أطر تحمي الأطفال وتوفر لهم نشاطات تربوية وثقافية. وقد وجد كثير من الأهالي في «بيت الموسيقى»، الإطار المناسب لتنمية قدرات الأبناء «ونحن نعتز بأن المعهد يضم طلاباً من مختلف مناطق الجليل».
ويتمنى نخلة ان يتمكن الموسيقيون الصغار وشبان المستقبل من التواصل مع أترابهم في العالم العربي، «فمجال التطور للموسيقي الفلسطيني هنا، محدود جداً. لكننا،على رغم كل ذلك، يجب ان لا نيأس وان نواصل السعي إلى فتح أبواب العالم العربي أمام موسيقيينا، مثلما نجحنا في فتح أبواب أوروبية».

الاثنين، 10 نوفمبر 2008

شباب فلسطين في خطر على الطرقات وإسرائيل تقلص موازنة مكافحة الحوادث

شفاعمرو – وليد ياسين الحياة - 10/11/08//
في معطيات نشرتها الجمعية الإسرائيلية «ضوء أخضر» التي تحارب حوادث الطرق داخل منطقة 48 (في الوسطين اليهودي والعربي الفلسطيني) تبرز في شكل مقلق نسبة القتلى الفلسطينيين التي تراوح بين 35 و 37 في المئة من عدد القتلى، أي ما يزيد بنسبة 17 في المئة تقريباً عن نسبة الفلسطينيين من مجمل السكان داخل منطقة 48، وتتزايد نسبة ضحايا حوادث الطرق الفلسطينيين في مجال الإصابات بجروح خطيرة جراء حوادث السير لتصل إلى 41 في المئة. لكن ما يضاعف القلق إزاء هذه المعطيات هو نسبة الشبان الفلسطينيين الذين دفعوا بأرواحهم ثمناً لحرب الشوارع التي بلغ عدد ضحاياها 30 ألفاً منذ عام 1948، ويستدل من هذه المعطيات ان القتلى العرب الذين تراوح أعمارهم بين صفر و19سنة، تصل إلى 78 في المئة من مجموع القتلى. وتعترف جمعية «ضوء أخضر» بأن المسببات الأساسية لازدياد حوادث السير في المجتمع العربي الفلسطيني في منطقة 48، تكمن في البنى التحتية المتهرئة للشوارع في البلدات العربية، وانعدام الإضاءة وغياب الفصل بين المناطق المعدة لسير المركبات وتلك المخصصة للمشاة، إضافة إلى النسبة الكبيرة للشاحنات، وقلة الإرشاد للسائقين والمشاة، واستهتار السائقين، والمشاة أيضاً، بخاصة الشبان، بقوانين السير والحذر على الطرق، وكذلك القيادة الخطرة للشبان في ساعات الليل، بخاصة تحت تأثير الكحول. وتضيف الجمعية إلى هذه المسببات كلها، مسبباً أساسياً يرتبط بتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، ما يجعل نسبة كبيرة من السائقين العرب يستخدمون سيارات قديمة، لا تتم صيانتها في الشكل المطلوب.
هذه المعطيات التي طرحت في تقرير صدر للجمعية عشية يوم دراسي عقد في مدينة الناصرة، تستبق النشاط المركزي للجمعية الذي سيقام في الخامس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تضامناً مع ضحايا الطرق، والذي يجرى تنظيمه تحت شعار «30 ألف قتيل على الطرق – رقم لا أستطيع التعايش معه». ويقول المدير العام للجمعية شموئيل آبو آب ان:«الحملة تدعو السائقين إلى إيقاف حركة المركبات في هذا اليوم، وتوجيه رسالة صارخة من الجمهور تطالب الحكومة الإسرائيلية بتكثيف محاربة حوادث الطرق».
ويضيف: « نشهد تدهوراً كبيراً في حال الأمان على الطرق على مختلف الجبهات. فمنذ عام 1948 قتل على الشوارع 30 ألف مواطن ولا أحد ينبس ببنت شفة أو يحتج، وبينما يتزايد عدد القتلى من عام إلى آخر نجد الحكومة تعمق استهتارها وتقرر تقليص مبلغ 200 مليون شيكل من موازنة مكافحة حوادث الطرق، وتتهرب من تطبيق توصيات اللجنة التي كلفت التحقيق في مسببات حوادث الطرق، كما ترفض تطبيق الخطة الوطنية للأمان على الطرق، ما يعني استهتارها بحياة المواطنين، وبمستقبل البلاد ، ذلك ان نسبة كبيرة من ضحايا حوادث الطرق هم من الجيل الشاب».
من جهته يضيف الدكتور جمال زحالقة، النائب في البرلمان الإسرائيلي إلى مسببات حوادث الطرق التي أوردتها الجمعية، مسبباً آخر لازدياد عدد القتلى العرب في حوادث الطرق، هو ان غالبية حوادث الطرق التي يسقط فيها الضحايا العرب تقع على الطرقات أثناء سفر الشبان العرب من وإلى أماكن العمل البعيدة من أماكن سكناهم بسبب شح فرص العمل في مناطقهم أو في محيط بلداتهم. ويطالب زحالقة الجهات المسؤولة في المجتمع الفلسطيني في الداخل بزيادة التثقيف في المدارس على الاحتراس على الطرق، مضيفاً: «علينا الاعتراف بوجود أزمة في تعامل عدد كبير من شباننا مع أنظمة السير والقيادة الآمنة على الطرقات». في المقابل تحمل الدكتورة غيلا ميلر، أستاذة العلوم الاجتماعية في جامعة بار ايلان الإسرائيلية، الأهالي مسؤولية استهتار أولادهم بأنظمة السير. وتقول ان دراسة أكاديمية تثبت ان الشبان يميلون إلى تقليد ذويهم في قيادة السيارة. وتضيف ان الدراسة التي فحصت سلوك 130 سائقاً شاباً وذويهم على الطرقات حددت أربعة أنواع لقيادة السيارة: قيادة خطيرة، مقلقة، عدوانية وحذرة. وتبين وجود علاقة واضحة ومباشرة بين سلوك الأهالي وأولادهم في الشارع. ولذلك تقول: «هناك حاجة ملحة إلى تفهم الأهالي بأنهم يشكلون نموذجاً لأولادهم ويجب ان يكونوا الموجهين لهم أثناء قيادة السيارة».

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

عدم إجرائها يُعرّض حياة الأسرة للخطر ... الغرام أساس في حياة يضمن سعادتها أطفال «أصحاء»

غزة - وليد ياسين الحياة - 03/11/08//
في طفولتها شعرت ابتسام بالألم، فحملها والدها وانطلق بها إلى المستشفى بناء على نصيحة الطبيب. بعد إجراء الفحوص لها تبين أنها تعاني نوعاً من مرض فقر الدم، لكن الطبيب المناوب طمأن الوالد ونصحه بمتابعة حالة ابنته والتأكد قبل زواجها في المستقبل، من إجراء فحوص طبية لها ولشريك حياتها المستقبلي، لمعرفة اذا كان هو الآخر مصاباً بالمرض ذاته، لأن ذلك قد يورّث المرض لأولادهما.
تقدّم شاب من بلدتها لخطبتها، وتذكر الأب نصيحة الطبيب، وناقش الأمر مع زوجته. هل يطلعان ابنتهما والمتقدم لخطبتها على نتائج الفحص، أو يتجاهلانهما، بخاصة أنه لم تظهر على ابنتهما أعراض المرض منذ الطفولة.
العقل قال لهما أن يبلغا ابنتهما وخطيبها بالأمر، والعاطفة وقفت سداً منيعاً، خوفاً مما سيقوله الشاب أو أهله ومجتمعه إذا ما طلبا منه الخضوع لفحص طبي. لم يكن الأمر سهلاً، لكن الزوجة، التي تعمل ممرضة، انهت المعضلة بالإشارة إلى زوجها باستشارة طبيب الأسرة. بعد محادثة قصيرة مع الطبيب وفحص الملف الطبي لابتسام أبلغ الطبيب الأب أنه يمكنه الاتكال على الله واتمام مشروع الزواج، لأنه لم يظهر في ملف ابنته أي دلائل تشير إلى خطورة مرضية.
استكملت الاسرة اجراءات الزواج، وتزوجت ابتسام، وبدأت العائلة تحصي الأيام بانتظار سماع بشرى الحمل. بعد شهرين من الزواج أبلغت ابتسام والدتها بأنها حامل، وتوجهتا معاً إلى طبيب النساء لاجراء فحص أولي للجنين. في البداية أبلغهما الطبيب أن كل شيء على ما يرام، لكن الفحص الثاني الذي اجرته ابتسام بعد مرور شهر على الحمل طرح علامات تساؤل لدى الطبيب. واضطرت أم ابتسام لابلاغه نتائج الفحص الذي أجري لابنتها في طفولتها، فلامها لعدم العمل بنصيحة ذلك الطبيب، وأبلغهما ضرورة إجراء الزوج فحصاً فورياً.
في مجتمع ذكوري، يرفض فيه الرجل التشكيك بقدراته وبصحته، كان رفض الزوج متوقعاً. واضطرت ابتسام إلى الاستسلام لموقفه. ومضت شهور الحمل وأنجبت ابتسام طفلة معافاة، ووجد الزوج في الأمر مناسبة لممازحة زوجته قائلاً: «هل رأيت، قلت لك إنني متكامل وليس بي عيب».
لكن الامر لم ينته بالنسبة الى ابتسام، فماذا لو حصل العكس، سألته وأصرت على ان يتوجه إلى الطبيب في حجة ما ويطلب إجراء فحص للدم. بعد قرابة شهر أجرى زوجها الفحص وتبين انه يعاني من السكري، وأدركا ان الله كان معهما وانقذ ابنتهما من مرض محتمل.
حكاية ابتسام، ابنة مخيم الشاطئ في غزة، ليست نسيج خيال، وقد رواها طبيب النساء الذي أشرف على علاجها. ويقول: «كان يمكن حدوث تشوه للجنين يندم عليه الأهل طوال العمر».
وينصح الطبيب اسماعيل كل زوج مقبل على الزواج بعدم الاستهتار بالأمر. «اعرف ان مجتمعنا لا يتقبل الأمر ببساطة، لكن اذا وقعت الواقعة سيندم الأهل حين لا ينفع الندم».
أُلفت، كانت طالبة جامعية ومرتبطة بعلاقة عاطفية مع شاب من عائلتها. خلال دراستها للصيدلة أدركت ضرورة إجراء فحص قبل الزواج، وعلى رغم أنها كانت تعلم مدى الحساسية التي ينطوي عليها إصرارها على اجراء خطيبها فحصاً غلبت العاطفة وخيرته بين إجراء الفحص أو إنهاء العلاقة بينهما. «لست مستعدة للمخاطرة بمستقبلي ومستقبل أسرتي. أنا أحبه وأريده لكننا نمضي نحو بناء أسرة وأريد لأسرتي ان تكون معافاة». طبعاً، رفض الشاب شرطها للزواج وابتعد عنها. أُلفت متزوجة اليوم من موظف في احدى الدوائر الرسمية. وتقول: «تصور ان هذا الموظف الذي لم تربطني به أي علاقة من قبل ولم يعرفني إلاّ حين تقدم لخطبتي بوساطة اسرته، كان اكثر انفتاحاً من قريبي الأكاديمي».
ويرى الدكتور اسماعيل ان ما دام الهدف من إجراء الفحص هو ضمان مجتمع صحي سليم ومعافى فلا مبرر يمنع إجراء الفحص. ويوضح: «الاستشارة الطبية يمكنها ان تجنّب الأسرة مخاطر حدوث مكروه للجنين، بل وحتى فقدان قدرة الزوجين على الانجاب. اعتقد انه لا بد من اجراء الفحوص الطبية قبل الزواج وأن يبنى الحوار بين الزوجين على المصارحة والثقة المتبادلة وتفهم العواقب واتخاذ الموقف السليم. فاصابة احدهما بمرض ما لا يعني انه عاجز او منقوص، وانما يمكن اذا ما تبين إصابتهما معاً بالمرض ذاته ان يرتكبا خطيئة بحق المجتمع وبحق اسرتهما».
من جهته يقول الطبيب النفسي حيدر غزاوي، ان رفض إجراء الفحص يعود أولاً إلى عوامل نفسية تجعل أحد الزوجين أو كلاهما معاً يعيشان مشاعر الخوف مما سيقوله المجتمع. لكن يمكن اليوم إجراء الفحوص في شكل سري، وان يقرر الشخص المعني بعد اطلاعه على نتائج الفحص ما الذي ينوي عمله، طبعاً الطبيب سيلتزم بعدم إفشاء السر إذا طلب منه ذلك، لكن على صاحب الشأن أن يُحكّم العقل، لا العاطفة، في مثل هذه الحال.

الخميس، 30 أكتوبر 2008

البشرى تحت الحصار

وليد ياسين الحياة - 30/10/08//
شحب وجهها حين أبلغها الطبيب نتائج الفحص. «مبروك، أنت حامل»، زف إليها البشرى، ولم يعرف أنها كانت تتمنى الاّ تسمع هذه العبارة. غادرت العيادة على عجل، خـــشية أن يلاحظ الطبــيب الدموع التي كادت تفر من عينيها. شعرت باكتئاب شديد وبدأت الهـــواجس تســيطر على تفكيرها. كيف حدث هذا وكيف ســـتوفر له الطعام والشراب والملابس، في ظل هذا الحـــصار الخانق، الذي جعل زوجها عاطلاً من العمل، وعاجزاً عن توفير لقمة الخبز لأطفالهما الأربعة؟
فكّرت كيف سيتلقى زوجها هذه «البُشرى»، وبتعليقات حماتها التي لا تكف عن مقارعتها، والتلميح بأنها «نذير شؤم»، وأن ابنها (أي الزوج) لم يعرف البطالة الا منذ تزوجها!
هامت على وجهها في شوارع المدينة، والأسئلة تتزاحم في رأسها، حاولت ضبط أفكارها وهي تقطع الشارع الطويل الذي يفضي إلى بيتها في المخيم. فجأة، سمعت صوتاً مألوفاً أخرجها من تفكيرها: «صباح الخير، هل أقلك إلى البيت؟». نظرت إلى شقيقها الذي توقف بسيارته بجانبها. خطرت لها فكرة سريعة. طلبت منه أن يأخذها إلى بيته، عل زوجته تساعدها على حل «المعضلة».
وفي بيت شقيقها، بدأت محاولات «تجسيد» فكرتها. تتصل بزوجها وتنقل إليه الخبر، فتتلافى، على الأقل، نظراته التي تخيلتها جبلاً يكتم أنفاسها. لكنها ما لبثت أن أدركت مدى مبالغتها حين جاءها صوته هادئاً، وهو يسألها عن شعورها وعن مكان وجودها. ثم سمعته يضحك، وهو يقول: «لا تقلقي يا حبيبتي، الله خير الرازقين».
شعرت ببعض الارتياح، وهي تحث خطاها عائدة إلى بيتها. وما ان ولجت من الباب حتى سارع زوجها إلى احتضانها وأخذ يلامس بطنها، ملياً، بكف يده. سارا معاً نحو الشرفة المطلة على المدينة. عانقها محاولاً إخفاء دمعة سالت من عينه. نظر إلى الأفق وردد في ســريرته دعاء إلى الله ان يعينه على إيجاد عمل قبل ولادة طفله.
أمضيا نحو ساعة على الشرفة، كثرت خلالها النظرات وتعطّلت الكلمات. كلاهما يعرف صعوبة إنجاب طفل خامس، في ظل ظروف عصيبة، والضائقة التي واجهتها الأسرة طوال السنوات الخمس الماضية.
في المساء، عادت إليها الهواجس. الاحتلال الرهيب يحاصر حتى أحلامها. رحلت في خيالها إلى مستقبل بعيد. كيف سيعيش طفلها إذا استمر الاحتلال؟ هل ستكون حاله أفضل من حال أسرته؟ فجأة، تساءلت في سريرة نفسها ماذا لو تُجري عملية للتخلص من الجنين؟ فكرت كيف سيعقّب زوجها على الفكرة. التفتت إليه فوجدته غارقاً في نوم عميق. أغمضت عينيها وحاولت النوم، لكن النوم هجرها.
خرجت إلى الشرفة. اتخذت مكانها على الكنبة، وتركت الهواء يداعب جفونها ولم تشعر كيف أغمضت عينيها وغلبها السبات. لم تعرف كم مضى من الوقت، حين هبت من نومها فزعة، بفعل كابوس اجتاح أحلامها. رأت طفلها العتيد يحدّق في عينيها معاتباً، وخالت تسمعه يقول: «أماه، لا تحمليني فوق طاقتي، في هذا البلد المأزوم».
هرعت إلى زوجها وأيقظته. روت له تفاصيل حلمها. ضمها إلى صدره وهمس في أذنها: «لا تخافي يا حبيبتي، غداً تشرق شمس يوم جديد، وان شاء الله نتغلب على كل المصاعب».
استسلمت لكلماته، وارتمت في أحضانه، وحين استيقظت في الصباح كان هو غادر البيت كما يفعل كل صباح، بحثاً عن لقمة الخبز لأطفاله الأربعة، ومولوده المقبل.

الاثنين، 27 أكتوبر 2008

شبان فلسطينيون يتجنّدون لمواجهة الدعاية الاسرائيلية

عكا – وليد ياسين الحياة - 27/10/08//
عكا وحيفا واللد والرملة ويافا، مدن فلسطينية تسمى «مختلطة»، يتحول فيها كل يوم «غفران»، بخاصة منذ هبة القدس والأقصى في عام 2000، إلى كابوس بالنسبة الى المواطنين العرب الذين يحاول الاسرائيليون إكراههم على التقيد بتقاليد العيد وحبسهم داخل بيوتهم وشلّ حياتهم. الأحداث الأخيرة في مدينة عكا بدأت في ليلة عيد الغفران، الذي يعتبر يوم حزن وأسى، يفترض ان يكرسه اليهود لطلب المغفرة مع بداية السنة العبرية الجديدة، التي تسبق طلب المغفرة بأسبوع. في يوم الغفران الذي يمتد منذ غروب شمس اليوم الأول وحتى الغروب في اليوم التالي، تتحول المدن اليهودية إلى مدن أشباح، تغلق فيها كل المنشآت التجارية والصناعية ومحلات الترفيه، وتتوقف حركة السير. وبينما يفترض باليهود المتدينين ان يمضوا ساعات الصيام بالتعبد وطلب المغفرة، تخرج جماعات منهم، تصل إلى المئات أحياناً، إلى الشوارع لاستفزاز من يخرق المحظور، والاعتداء على كل وسيلة نقل «تتجرأ» على التحرك على شوارع البلاد، ولا يتورعون عن الوصول إلى طرق رئيسية بعيدة من أماكن سكنهم لممارسة «تقليد» رجم الحجارة، وحين يجاورون العرب، يصبح رجم الحجارة «مهمة مقدسة» بالنسبة الى هؤلاء ولسائر المستوطنين الذين ينضمون إليهم.
في تلك الليلة اضطر مواطن عربي إلى الخروج من بيته لإعادة ابنته من بيت خطيبها، وحين دخل إلى الحي المختلط، هاجمته مجموعة كبيرة من الشبان اليهود ورجموه بالحجارة ومن ثم حطّموا سيارته، ولاحقوه وابنه إلى داخل المبنى الذي تواجدت فيه ابنته، محاولين تحطيم الباب وتنفيذ «بوغروم» دموي بالعائلة العربية. وسرعان ما انتشرت اشاعة في الجانب العربي من المدينة مفادها ان المواطن العربي قتل بأيدي اليهود، فخرجت جماعات من الشبان العرب واندلعت مواجهات لم تهدأ تلك الليلة الا في ساعات الفجر.
وفي مساء اليوم التالي، حظي اليهود بدعم من مستوطنين جاؤوا من مستوطنات الضفة الغربية، وحاولوا مواصلة الـ «بوغروم»، فاحرقوا العديد من البيوت والسيارات العربية، ودخلوا في مواجهات مع الشرطة.
هذه المرة أدرك عرب عكا، وشبابها في شكل خاص، ان الأمر زاد عن حده، وقرروا التحرك بكل قوة لصد العنصريين واثبات عروبة مدينتهم وفلسطينيتها، ورفضهم أي محاولة تؤدي إلى سجنهم داخل بيوتهم. في ليلة المواجهات ردّوا على مهاجمة بيوت العرب بمهاجمة محال تجارية وسيارات للاسرائيليين، وفي اليوم التالي حين قررت إدارة البلدية، التي دعمت الجانب الاسرائيلي ورسخت موقفها العنصري إزاء عرب المدينة بالتجاوب مع أصوات اليمين المتطرف الذي دعا إلى فرض المقاطعة على عرب عكا وإلغاء مهرجان المسرح الآخر الذي يُقام سنوياً في عيد المظلة العبري، الذي يلي يوم الغفران، في ساحات ومباني عكا الأثرية، الواقعة في الجانب العربي من المدينة، قرر العكّيون الشبان التحرك لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني في مدينتهم وإقامة مهرجان بديل للمسرح الآخر، امتد لأربعة أيام، أمّ خلالها آلاف الفلسطينيين ومئات اليهود المعارضين للعنصرية، الجانب العربي من المدينة، وتسوقوا من المتاجر العربية وحضروا الفاعليات الفنية. هكذا قوبلت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة عكا الساحلية، في يوم الغفران العبري، بتحرك شبابي كبير، لصد «اخطبوط العنصرية» ووضع حد لامتداده ومحاولة سيطرته على المدينة الفلسطينية وإخضاعها لشروط اللعبة الصهيونية الهادفة إلى تهويد المدينة.
وخلافاً لمرات سابقة، نجح الشبان العرب في اختراق الإعلام الاسرائيلي وفرض روايتهم للأحداث وما سبقها على وسائل الإعلام العبرية، مواجهين الرواية الاسرائيلية السبّاقة بتحويل «العرب» إلى مجرمين، والاسرائيليين إلى ضحية. وتجندت مجموعة من الشبان المثقفين، بينهم صحافيون ورجال قانون وممثلو جمعيات أهلية، في ليلة واحدة، وعملوا حتى الصباح على إعداد تقرير مفصل يسرد الوقائع منذ بداية استيعاب سوائب من مستوطني قطاع غزة سابقاً في المدينة، مروراً باعتداءات تعرضت لها العائلات العربية في السنوات الماضية، وصولاً إلى أحداث «ليلة الغفران»، وما تبعها من تجنّد قادة الحركات اليمينية المتطرفة لقيادة بوق التحريض على عرب عكا. وجاء التقرير، المدعم بالمعطيات والشهادات والصور، مفاجئاً للإعلام العبري بقوته، وهزمه بكل ما تعنيه الكلمة.
احد الشبان الذين وقفوا وراء هذا التقرير وتنظيم الفعاليات البديلة، هو الكاتب والصحافي علاء حليحل، المقيم في عكا منذ سنوات، ويؤكد ان العرب في عكا واجهوا الكثير من الاعتداءات اليهودية، وعلى رغم انتقاده لأعمال التدمير التي قام بها المواطنون العكيون بعد انتشار اشاعة عن مقتل مواطن عربي. ويقول ان العرب فضلوا هذه المرة ان يتعرضوا للشجب على ان يشاهدوا حياتهم تنهار أمام عيونهم لان اليهود الشرقيين لم يتغلبوا بعد على كراهيتهم للعرب.
ويهاجم حليحل لجوء الاسرائيليين إلى استعمال مصطلحات من الحقبة النازية في محاولة لتسويف ادعاءاتهم بأنهم ضحايا، كاتهام العرب بأنهم كرروا «ليلة البلور»، أي ليلة إحراق بيوت ومصالح يهودية في أوروبا، في عكا. ويقول: «لقد تجاوزت وقاحة اليهود كل الحدود بسبب غريزة الخوف التي يعيشونها منذ الكارثة، وإذا استعملوا هذه المرة مصطلحات مثل «بوغروم» و «ليلة البلور» لن استغرب ان يجعلوا من العربي في مواجهة قادمة حارساً لمعسكر تركيز في الجليل»!
ويؤكد حليحل ان التقرير الذي شارك في إعداده حول الأحداث، احدث صدمة في وسائل الإعلام العبرية التي تجندت في كل حدث سابق إلى جانب الرواية الاسرائيلية وحوّلت الضحية إلى مجرم. «لقد نشر هذا التقرير في اكبر وسائل الإعلام العبرية لأنهم لم يستطيعوا مواجهة الحقائق والمعطيات الواردة فيه، فهو لا يسرد وقائع العدوان الأخير فحسب، بل يسرد حالات اعتداء سابقة، ويوفر للقارئ خلفية تاريخية حول بدء التحول في العلاقات بين اليهود والعرب في المدينة، ويركز على دور الحركات اليمينية المتطرفة في إشعال نار العنصرية في المدينة».
ويهاجم بلدية عكا التي «اتخذت موقفاً عنصرياً واضحاً حتى باعتراف العديد من الكتاب الاسرائيليين الذين انتقدوا موقفها وطالبوا رئيسها بالاستقالة لأنه تصرف كرئيس بلدية لليهود فقط».
ويضيف حليحل ان المهرجان البديل الذي أُقيم تحت شعار «عكا مش لحالها» وتم تنظيمه خلال أيام عيد المظلة، نجح بكسر الحصار الذي حاول اليمين فرضه على المدينة العربية: «كنا نخشى ألاّ ننجح بجلب الجمهور إلى الفعاليات، لكنني أقول لك إننا عجزنا عن توفير أماكن كافية للجمهور الواسع الذي وصل إلى المهرجان، وقد اضطرنا الامر إلى الاستعانة بشاشات عرض خارجية لنقل وقائع الأحداث الفنية لمن لم يتمكنوا من الدخول إلى القاعات». ويوضح: «وما ثبُت لنا من خلال استقبال عشرات وفود التضامن التي وصلت إلى المدينة لتدعيم نضال العكيين العرب في مواجهة اخطبوط العنصرية، أن عكا فعلاً مش لحالها».

الخميس، 23 أكتوبر 2008

دورات لتعزيز مواهب الأبناء... بذل الغالي والرخيص لا يكفي لتحقيق «المجد»

شفاعمرو (الضفة الغربية) - وليد ياسين الحياة - 23/10/08//
وقفت آيات على المسرح، تحمل في يدها مسطرة خشبية صغيرة. وبدأت تشرح أمام أولياء الأمور الذين كلفوا أنفسهم عناء الحضور، تفاصيل «الاختراع» الذي نفّذته مع زميلة لها في إطار التحضير لمعرض العلوم في مدرستها.
تحدثت آيات بحماسة عن استغلالها الجرائد القديمة في صنع مكعبات، يمكن استخدامها لبناء «مكان» صغير، كمغارة، في زاوية غرفة الجلوس، أو صنع تزيينات أخرى. وبعد انتهاء المحاضرة، انحنت، كما يفعل الممثلون، شاكرة الحضور الذين صفقوا لها كثيراً، قبل أن تختفي في الكواليس، بينما نزلت صديقتها عن الخشبة وجلست بين والديها، في القاعة.
انتهت مرحلة عرض «الأبحاث» التي قدمها الطلاب، وتوجهت مجموعات «المخترعين الصغار»، كل إلى الزاوية التي عرضت فيها «اختراعها»، كي يشرحوا للحضور عنها، وهم يمرّون أمامها. علامات الانزعاج كانت بادية بوضوح على وجه آيات. وتوجهت صديقتها إلى رئيس لجنة أولياء الأمور في المدرسة، وكشفت له سر هذا الانزعاج: «تضايقت زميلتي لأنها لم تشاهد والديها بين الحضور!».
آيات من الطالبات الموهوبات في المدرسة الإعدادية في شفا عمرو. والدها يعرف ذلك جيداً، ويفاخر بإنجازاتها في كل مجلس. ولكنه في ذلك اليوم المهم جداً بالنسبة الىابنته، لم يكلف نفسه عناء التفرغ ساعة من الزمن والحضور لافتتاح المعرض وسماع محاضرة ابنته. وحين توجه إليه رئيس لجنة أولياء الأمور مستفسراً عن سبب غيابه، فوجئ بجواب لم يتوقعه من أكاديمي: «كنت هناك في الصباح قبل الافتتاح»، قال وضحك، أما ابنته فكادت تبكي.
حكاية آيات لم تكن فريدة من نوعها في ذلك اليوم، فقد غاب عن المعرض عدد كبير من الأهل الذين شارك أبناؤهم في عرض «اختراعاتهم» العلمية. بعضهم شعر بغياب ذويهم وبدا عليهم الانزعاج وهم يرون أقرانهم يبتسمون بسعادة إلى جانب ذويهم، وبعضهم الآخر لم يبالِ، فقد تعودوا إهمال ذويهم.
في كلمته أمام الطلاب وذويهم، أكد مفتش العلوم في المدرسة، أهمية هذا المعرض والبشائر التي يحملها هؤلاء المخترعون الصغار، وطالب الأهالي بمساندة أولادهم وتشجيعهم على نهل العلوم. ولم يتردد رئيس لجنة أولياء الأمور في الإعراب عن مدى دهشته مما عرضه الطلاب الذين تمنى ان يخرج من بينهم «الفرد نوبل عربي، وبن حيان عصري». وانتقد غياب بعض أولياء الأمور، بخاصة أولئك الذين شارك أولادهم فيه.
في إسرائيل تولي وزارة التربية والتعليم اهتماماً كبيراً في العلوم. ولعل من أهم الجوانب التي تعكس هذا الاهتمام، دعم الطلاب الموهوبين في المدارس من خلال دورات إثراء، والسعي دائماً إلى ضمان وجود تمثيل للمدارس الإسرائيلية في مسابقات ومعارض دولية للعلوم.
وتفخر وزارة التربية بطلابها الذين يحققون نتائج عالية في مسابقات دولية للرياضيات مثلاً، ويهتم الإعلام الاسرائيلي، أيضاً، بإبراز تلك الإنجازات. لكن هذا الاهتمام لا ينعكس بصورته المتكاملة والحادة على المجتمع العربي في الداخل. صحيح ان المدارس العربية تطبّق المنهاج التعليمي نفسه الذي تعتمده المدارس العبرية، وتولي الوزارة، من خلال مفتشيها في المناطق العربية، بعض الاهتمام في تشجيع العلوم، لكن نسبة قليلة من الأهالي يهتمون بمتابعة تعليم أولادهم وإثراء مواهبهم العلمية أو الفنية. وحكاية آيات ليست الا غيض من فيض.
ثمة عائلات تحيا على أمل رؤية أبنائها يحتلون مناصب عالية ويحققون مكاسب وإنجازات علمية في مدارسهم. ولا يترددون ببذل الغالي والرخيص في سبيل توفير كل متطلبات العلوم للأبناء. عائلة عبود من مدينة الناصرة لاحظت نبوغ طفلها سليم في العزف على البيانو منذ الصغر، فدعمته وأرسلته إلى دورات إثراء حين كان في العاشرة من عمره، ومن ثم سافر لاستكمال دراسته في الأكاديمية الملكية في لندن والمدرسة العليا للموسيقى في هانوفر في ألمانيا. ومن هناك انطلق «موتزارت الفلسطيني» ليجوب أنحاء العالم، ويحصد جائزتين مهمتين في الموسيقى، «جائزة فلسطين في الموسيقى» في 1998، وجائزة «الموهبة الشابة للعام 2000»، في «مهرجان إسين» في ألمانيا. ظهر سليم كعازف بيانو منفرد مع عدد من عازفي الأوركسترا العالمية في برلين، وفرانكفورت، وفلورنسا، وبروكسيل، وأوسلو، وشيكاغو، ولندن، وأمستردام، ونيويورك، وقبل عامين، شارك في مهرجان سالزبورغ، حيث قدم حفلة، بمصاحبة أوركسترا فيينا الفيلهارمونية. وعزف في معهد «موتسارتيوم» العريق، واشترك في مهرجانات «ريزور» و«رافينيا» و«مينتون». وأحيا، العام الماضي، أمسيتين في مهرجان «موتزارت الفلسطيني» الذي نظمته جوقة لندن بالتعاون مع مؤسسات فلسطينية موسيقية في القدس ورام الله وبيت لحم ونابلس، بمشاركة أكثر من مئتي عازف محلي ودولي.
وعمل سليم مع قادة لفرق عالمية، بينهم: دانييل بارينباوم وزوبين ميهتا وريكاردو موتي وفلاديمير فيدوسييف. وحين عزف للمرة الأولى في قاعة كارينغي الشهيرة في نيويورك، مع فرقة سيفيك من شيكاغو بقيادة المايسترو دانيال بارنباوم، وهو في سن 22، لم يغمر الفرح أسرته الصغيرة فقط، بل كل فلسطيني اعتز بانتماء سليم إلى شعبه.
ومثل سليم، هناك الفنان وسام جبران من الناصرة، أيضاً، الحائز جائزة الإبداع في التّأليف الموسيقي من مكتب رئيس الحكومة، في 2004، والجائزة الأولى في العزف على العود في «المهرجان الدولي للعود 2005» في القدس.وأسس وسام الأوركسترا العربية - اليهوديّة وأدارها، قبل ست سنوات، واستقال من قيادتها منذ مدة بعد عودتها من جولة لها في أسبانيا، على ضوء «خلافات مبدئيّة في طريقة إدارة هذه الفرقة الأوركسترالية التي تحمل معنى سياسياً وحضاريا وإنسانياً»، كما قال.
وتلى الاستقالة فصل كل من يؤيّد موقف وسام إثر رفضه المشاركة في جولة عروض نظمها المتحف اليهودي في برلين، وأحد أهم رموز الصهيونيّة في ألمانيا، في سياق الاحتفالات الستينيّة بإعلان إسرائيل.

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

البعض يطالب برفع سن الاقتراع ... شبان 1948 قوة انتخابية كبيرة تطالب بإدارة شؤونها

شفاعمرو – وليد ياسين الحياة - 20/10/08//
يستدل من معطيات توافرت بعد الانتهاء من تقديم لوائح المرشحين لانتخابات السلطات المحلية في إسرائيل، التي ستجرى في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ان نسبة كبيرة من اللوائح تضم في قياداتها أو في أماكن متقدمة وجوهاً شابة، تحاول من خلالها الوصول إلى جمهور الشباب الذي يشكل نسبة عالية من المجتمع الإسرائيلي بعامة، والعربي بخاصة.
ويتضح من استطلاع عاجل لمواقف عدد من هؤلاء المرشحين، ان نسبة كبيرة منهم قرروا خوض الانتخابات لـ «عدم ثقتهم بقدرة ممثلي الجمهور الحاليين في السلطات المحلية على فهم متطلبات الشباب وتلبية طموحاتهم، بل وتنكرهم لها بعد انتخابهم، على رغم الوعود البراقة التي يطرحونها قبل الانتخابات، وعلى رغم كون بعضهم يخوض الانتخابات تحت شعارات شبابية».
وتجد المجموعات الشبابية في إسرائيل متنفساً للتعبير عن مواقفها، بموجب قانون الانتخابات الذي يمنح كل مواطن بلغ الحادية والعشرين من العمر حق ترشيح نفسه للعضوية أو رئاسة سلطة محلية أو لعضوية البرلمان، فيما يُمنح الحق بالاقتراع لكل من بلغ الثامنة عشرة من العمر. وعليه يعتمد المرشحون الشبان في الأساس على أترابهم الذين يعتبرونهم قوة انتخابية لا يستهان بها، علماً أن نسبة الجيل الشاب في المجتمع العربي الفلسطيني، حتى سن 18، في منطقة 48 تصل إلى 55 في المئة.
وخلافاً لموقف الفلسطينيين في منطقة 48، على مختلف الفئات العمرية، من الانتخابات النيابية حيث يلاحظ منذ أحداث تشرين الأول (اكتوبر) عام 2000، تراجع نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات إلى حد كبير بسبب «عدم ثقتهم بالقدرة على التأثير داخل برلمان صهيوني من اجل تغيير واقع مجتمعهم»، ترتفع نسبة المشاركة الشبابية في انتخابات السلطات المحلية إلى حد كبير لشعور الشباب بإمكان إسهامهم في التأثير في الصعيد المحلي والعمل لمصلحة مجتمعاتهم.
ويقول الباحث الاجتماعي د. غزال أبو ريا: “ان الشباب هم جزء من المجتمع، وبما ان الحكم المحلي يلعب دوراً كبيراً في التأثير في دائرة حياتهم الأولى، نجد المشاركة كبيرة، وهناك قرى تصل فيها نسبة الاقتراع إلى 90 في المئة و97 في المئة، ومن دون شك هناك دور كبير للشبان في ارتفاع نسبة التصويت هذه”. إلاّ أن أبو ريا يرى ان جيل 18 سنة لا يزال مبكراً لانخراط الشبان في الانتخابات، كونهم تخرجوا حديثاً من مدارسهم ولم يخوضوا غمار الحياة بعد، على الأقل من خلال التحاقهم بالجامعات. ويوضح: «المدرسة بالنسبة الى الطالب تشكل حلقة مصغرة للحياة، ويحتاج إلى سنة واحدة على الأقل، بعد تخرجه لمواجهة واقع الحياة وخوض التجارب قبل توجهه لخدمة مجتمعه، من خلال المؤســسات المنتخبة»، معتبراً أن سن الاقتراع يجب أن يكون 19 سنة على الأقل.
وفي حين يخرج من بين الشبان، أنفسهم، من يدعم موقف أبو ريا في شأن رفع سن الاقتراع، تعارض فئة بشدة هذا الموقف، ويقول أحمد، من قرية عربية في الجليل:«في كثير من الأحيان تجد مرشحين أميين، لم ينهوا حتى الصف الثامن، فهل هم أكثر قدرة منّا على فهم تطورات المجتمع وقضايا الشباب بخاصة». ويضيف: «سأشارك هذه السنة للمرة الأولى في الاقتراع واعتقد أنني لن أواجه معضلة في اختيار المرشحين الذين سأدعمهم، لأنني مدرك حاجاتي ومتطلباتي وأعرف من يمكنه من المرشحين خدمتي والاهتمام بمتطلبات الشباب ومن يطرح وعوداً براقة».
وتدعم رنا، من مدينة الناصرة موقف أحمد من القدرة على اختيار المرشح المناســب، لكنها تميل إلى تأييد موقف أبو ريا في شــأن ســن الاقتراع: «اعتقد أننا يجب ان ندرس الحياة من جوانبها كافة وأن نخوض تجربة الممارسة وتكوين الشــخصية قبل خوض معترك الانتخابات».
وترى رنا، التي ستلتحق بالجامعة في العام الدراسي المقبل، ان موقفها هذا لا يتعارض مع إمكان منافستها في انتخابات لجنة الطلاب الجامعيين: «المسألة مختلفة تماماً، ففي الجامعة نحن فقط من يمكننا إدارة شؤوننا وطرح مطالبنا والحياة الجامعية تبقى مثل المدرسة، محصورة في دائرة صغيرة وليــست كالــحياة الواســعة».

الخميس، 16 أكتوبر 2008

الزي التقليدي «دقّة قديمة» والكل يلحق بالركب

الناصرة (فلسطين) - وليد ياسين الحياة - 16/10/08//
المرأة لم تعد المستهلك الأساسي لمنتجات دور الأزياء. ولّى هذا الزمن. والفكرة بطلت... في الشارع الفلسطيني كما في معظم الأنحاء العربية الأخرى. وأصبح المظهر الخارجي «يسيطر» على عقول الرجال، تماماً مثل ما كان (ولا يزال) على عقول النساء. هذه النقلة أو هذا التغيير يبرز جلياً في أوساط الشبّان الذين، أكانوا في ضيق مالي أم ميسورين، يسمحون لتيار الموضة بأن يجرفهم. وهم، شباناً ورجالاً أيضاًً، يقفون أمام المرnة، ويطيلون النظر لتأمل الملابس التي خلعوها على أنفسهم، بوضعيات جسمانية مختلفة... قبل مغادرة البيت، وفي أذهانهم تخيلات لما سيقوله زملاء (وزميلات) في العمل أو الجامعة، أو ربما مارة في الشارع... عن ذوقهم في الملبس.وإذا كان المواطن الفلسطيني المتقدم في العمر لا يولي اهتماماً خاصاً لاختيار ملابسه، في الأيام العادية، تجده يسعى هو الآخر إلى الظهور بأجمل حلة في مناسبات عائلية ودينية، مثل الأفراح والأعياد، تعتبر فرصاً لتجديد مخزون الملابس لكل أفراد الأسرة.لا تسري هذه الملاحظة على كل أفراد المجتمع الفلسطيني وجماعاته، فالعامل الاقتصادي يؤثّر في قرار الفلسطيني المتعلّق بشراء الملابس أو الحاجات المنزلية والشخصية. وهناك عائلات فلسطينية كثيرة تغرق في الإعداد لشراء الملابس التي تليق بمناسبة ما، قبل أشهر من موعد حلولها. وهناك شرائح واسعة من عسيري الحال الذين لا تتيح لهم أوضاعهم شراء ملابس جديدة حتى للمناسبات. وهؤلاء يكتفون بما يتوافر في الخزانة، أو يلجأون أحياناً إلى استعارة قطع من أصدقاء أو أقارب لارتدائها في مناسبة عائلية مهمة، خصوصاً في الأفراح، إما احتراماً لأصحاب الدعوة، وإما لتفادي القيل والقال من قبيل «حضر بثياب رثّة»، وما شاكل ذلك.متاجر بيع الأزياء في الشارع الفلسطيني، تعاني أزمة بيع حقيقية معظم أيام السنة، ولا تشعر بالانتعاش إلا في أوقات محددة: موسم الأفراح، الذي يمتد عادة بين أيار (مايو) وآب (أغسطس)، وموسم الأعياد. وحتى خلال هذه المواسم، يواجه سوق الأزياء حالات صعود وهبوط متفاوتة.«الذكور هم آخر فئة يمكن أن تشكل مصدراً لرزقنا»، يقول صاحب متجر كبير للملابس في مدينة الناصرة، مضيفاً: «صحيح أن شباب اليوم بدأ يستوعب الموضة، فيما يزداد عدد الذكور الذين يقدمون على شراء الملابس، لكننا لا نلاحظ ذلك، وللأسف، إلا في مواسم الأعياد والأفراح. أما أكثر المبيعات فهي بلا شك من نصيب النساء، ولذلك يطغى التفكير بإحضار آخر صرعة للموضة النسائية، على تفكير غالبية تجار الملابس».الأزياء الأكثر انتشاراً في الشارع الفلسطيني، سواء في منطقة 48 أو منطقة السلطة الفلسطينية، هي الأزياء الغربية التي يطغى حضورها في المحال. وقلما تجد فلسطينياً يرتدي الزي التقليدي أو الشعبي الفلسطيني، إلا إذا تجاوز عمره الستين، أو في القرى والبادية التي ما زالت تحافظ على النمط التقليدي للحياة. وحتى بين أولئك الذين يواصلون ارتداء الزي التقليدي، تجد التأثير الغربي واضحاً. القمباز والروزة والدماية والحطة والعقال ذات التطريز الفلسطيني المميز... اختفت أو تكاد، وباتت من نصيب متاحف ومعارض التراث. وحل محلها الجلباب الأبيض و«الجاكيت»، من صنع غربي، وهما يحتلان مركز الصدارة في اللباس التقليدي. أما «الشروال» فلا يلبسه إلا المسنون، وغالباً ما يستعاض عنه بالسروال العصري لفقدانه في الأسواق. ولعلّ خائطيه، وخياطة الشروال صعبة، يختفون هم الآخرون.الحديث عن ارتداء الأزياء الشعبية في الشارع الفلسطيني يبدو كطرفة حين تطرحه على الشبان الفلسطينيين. رامي، من الناصرة، يضحك لدى سؤاله عما إذا كان مستعداً لارتداء الملابس الشعبية، ويقول: «إما انك تسخر مني أو تريد أن يهزأ بي الآخرون»، ويستدرك: «على رغم اعتزازي بانتمائي الفلسطيني لست مستعداً لذلك. ولا موقف لي محدداً من ذلك الزي، إلاّ أنه يعتبر «دقة قديمة». وسأبدو غريب الأطوار في مجتمع أصبح غربياً في كل مركباته».ولا يختلف موقف أمجد، ابن قرية عبلين، عن موقف رامي: «الأزياء الشعبية اختفت من حياتنا. وحتى لو رغبت في اقتنائها فلن أجدها في الأسواق، وإن وجدتها فهي أغلى ثمناً من الملابس الغربية بكثير، لأن تلك تعتبر من الكماليات، أو لنقلْ أثريات!».ولا يجافي قول امجد الحقيقة، ففي كل الأراضي الفلسطينية - منطقة 48، لا تجد مصنعاً واحداً يعنى بصنع الأزياء الشعبية الرجالية. أما في أراضي السلطة، فينكب الاهتمام على صنع الأزياء الشعبية النسائية، وحتى هذه لا تطابق الزي الشعبي الأصلي، وإنما هي مجرد تقليد لا يلبث أن تبهت ألوانه وتنسل خيوطه وتفقد رونقها.

الاثنين، 13 أكتوبر 2008

وسائل كثيرة متاحة للتقرّب من الجنس الآخر

شفاعمرو (فلسطين المحتلة) - وليد ياسين الحياة - 13/10/08//
يكاد «مجنون ليلى» يصبح ذكرى عابرة لدى بعض شبان اليوم، الذين لولا اضطرارهم لدراسة أشعاره في الأدب العربي، ربما ما عرفوا سيرته وقصة حبه الجنونية، وما خلفه من إرث شعري يشكل نبراساً للأحبة.
وفي عصر تسيطر فيه سلوكيات المباهاة والغرور، والانجراف وراء مظاهر غريبة عن مجتمعاتنا، قلما تجد شاباً يتذكر أشعار قيس بن الملوح وحبه العذري لـ «ليلى العامرية»، أو يتخذ من الشعر وكلمات الحب الرقيقة وسيلة للوصول إلى قلب فتاة أحلامه، بمقدار ما يلجأ إلى أساليب تصل الى حد الخروج عن التقاليد بل والتحرش العلني كاللمس بدل الهمس، والثرثرة بدل الاتزان والحفاظ على حدود اللياقة والمعقول.
ومن يوم إلى آخر، تتزايد وتتنوع الأساليب التي يتخذ منها شباب اليوم، ذكوراً وإناثاً، وسيلة لجذب الأنظار أو البروز، غير آبهين بالمحظورات والعادات والتقاليد. ولا يختلف الشباب الفلسطيني عن غيره في أساليب جذب الأنظار، لكن أبرزها والذي فاق حدود الضرورة وبات أشبه بالهوس، هو استعمال الهاتف الخليوي بمناسبة وبغير مناسبة، قيادة السيارات في شكل جنوني، والإتيان بحركات وأفعال تصل الى حد الإخلال بالأدب.
الساحة المجاورة للمدرسة الثانوية في إحدى المدن الفلسطينية في الجليل، تتحول كل يوم سبت إلى ما يشبه حلبة سباق السيارات. عشرات الشبان يحضرون بسياراتهم المزينة برسومات تراوح بين الرموز النارية ورموز العشق. و«يتحمسون» إلى درجة يجرون سباقات جنونية في الشارع المجاور للمدرسة، ويخاطرون بأرواحهم وأرواح المارة، كل ذلك في سبيل التباهي أمام الطالبات وجذب أنظارهن غير آبهين بما يسببونه لطلبة المدرسة وسكان الحي من إزعاج.
وتجد هؤلاء الشبان يجرون بسياراتهم في شوارع المدينة وقد انبعثت منها أصوات الموسيقى والأغاني الصاخبة المزعجة، حتى في ساعات متأخرة من الليل، وإذا ما اعترضت على أسلوبهم يردون عليك بفظاظة أو يلجأون إلى العنف. وقد لقي مواطن من قرية عبلين الجليلة مصرعه قبل مدة بعد إطلاق النار عليه من جاره الشاب، لأنه «تجرأ» وطلب من القاتل احترام قواعد السير في الحي المكتظ بالسكان.
أما الهواتف الخليوية فحدث ولا حرج، إذ ان ما يسمى بظاهرة «التجغيل» والثرثرة منتشرة في الشارع الفلسطيني في شكل غير معقول. ويصعب الالتقاء بشاب أو صبية لا يحمل جهاز هاتف خليوي، ويســــتخدمه بمــناسبة ومن دونها. والأدهى من هذا كله، استخدام كاميرات الهواتف لبث أفلام وصور يتم التقاطها بإذن أو بغير إذن من صاحبها، وتصوير الفتيات في الشارع أو في مناسبة، وبث صور محرجة لهن. وقبل سنة وقعت فتاة من إحدى قرى الجليل ضحية لصديق استغل علاقتهما الغرامية الحميمة وصورها بواسطة هاتفه، في مشاهد حرجة ووزع الفيلم عبر الرسائل القصيرة، «إس. إم. إس»، ما تسبب للفتاة وأسرتها بفضيحة أخلاقية.
وبالطبع، ليست الأمور كلها سوداوية، وأمام هذه الأساليب المزعجة تظهر أساليب رقيقة في جماليتها يتبعها الشبان لجذب الأنظار أو التقرب من الأحبة. ومنها تبادل الرسائل الرقيقة عبر الإنترنت، والمشاركة في منتديات ولقاءات شبابية، ثقافية وفنية، وفعاليات مشتركة تقرب القلوب.
ويعتبر موقع «الفيس بوك» من الظواهر المنتشرة بين شبان اليوم، حيث تجد مئات الشبان والصبايا العرب، وبينهم الكثير من الشباب الفلسطيني، الذين يتبادلون الخواطر الأدبية وقصائد الحب الحديثة بل ومواضيع سياسية من وجهة نظر شبابية. وفي استقطاب لآراء عدد من الشبان والصبايا الفلسطينيين، الذين يلتقون عبر هذا الموقع.
ولعل ما قالته سماح، يعكس هذه الروح الأخلاقية الجميلة التي يتحلى بها هؤلاء الشبان: «نفتقد في بلدنا إلى البرامج الثقافية والتربوية والنوادي المشجعة للمواهب، وأنا كمحبة للغناء وكتابة القصائد الجأ إلى هذا الموقع لنشر نتاجي، وردود الفعل التي أتلقاها من أصدقائي وصديقاتي تشجعني كثيراً وأشعر معها باحترام الشبان لي كإنسانة وكمبدعة وليس كرمز جنسي».

الاثنين، 29 سبتمبر 2008

اربعون في المئة من فلسطينيي أراضي 1948 يغيّرون اختصاصهم أو يتسربون من الجامعة

شفا عمرو (فلسطين المحتلة) – وليد ياسين الحياة - 29/09/08//
تعرض الجامعات والكليات الإسرائيلية، وكذلك الأجنبية تشكيلة كبيرة من الاختصاصات. ولكن هذه الجامعات والكليات قد تحرم الطالب فرصة العيش الكريم، في بلد يُعتبر فيه الطالب الفلسطيني في أدنى سلّم الأولويات لجهة القبول في العمل، مقارنة بالطلاب اليهود أو المهاجرين الذين جاؤوا إسرائيل «على طبق من فضة»، ووفروا لها قوى عاملة جاهزة في مختلف مجالات الحياة الأكاديمية، فاحتلوا مكان الصدارة.
إلى ما قبل عقدين من الزمن، كانت الاختصاصات ذات الموقع والاسم الرنّانين، كالطب والصيدلة والهندسة المعمارية، تحتل مركز الصدارة في أولويات الطالب الفلسطيني، وكان الكثير من الطلبة الفلسطينيين يتحملون مشقات السفر إلى الخارج ومصاعب الغربة في سبيل الحصول على «الشهادة الذهبية»، ومن ثم يبدأ المشوار الأصعب: البحث عن عمل.
ومع بدء موجة الهجرة الروسية الواسعة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي بدأ التحول في اختيار المواضيع الدراسية، وأصبح الطلاب الفلسطينيون يختارون مواضيع قد لا تلبي طموحاتهم ولكنها تضمن لهم المستقبل على الأقل.
وأمام التخبط الذي يواجهه الطالب تشير معطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، فإن أكثر من 40 في المئة من الطلاب الفلسطينيين في منطقة الـ 48 يغيّرون تخصصهم بعد السنة الأولى أو يتركون الجامعة.
ويقول الدكتور ايتمار جاتي، المدرس في قسم التربية وعلم النفس في الجامعة العبرية في القدس، إن اختيار المهنة قرار مهم جداً ويجب تخصيص الوقت والتفكير الجدي له. اذ ان تغيير موضوع التعليم أو التسرب منه ينطوي على ثمن اقتصادي ونفسي باهظ. ومن الناحية الاقتصادية، علماً ان تكلفة التعليم للسنة الواحدة تتراوح بين 11 و20 الف دولار اميركي. ومن الناحية النفسية، قد يؤدي تغيير موضوع التعليم إلى وقوع الطالب في تخبط من شأنه أن يتسبب بانخفاض رغبته في التعليم، وأحياناً الإحساس بالفشل.
ويضيف ان بحثاً أجري على 366 طالباً فلسطينياً من منطقة الـ 48 بيّن أن أكثر صعوبة يواجهها الطلاب عند توجههم لاختيار موضوع التعليم هي معتقدات وتوقعات خاطئة يمكن أن تؤثر في اتخاذهم القرار، كالاعتقاد أن في امكان المهنة حل كل مشاكله الشخصية، أو أن اختيار المهنة هو قرار أبدي.
ويقول مدير جمعية التوجيه الدراسي للطلبة العرب، مارون فرحات، ان الأسئلة الرئيسة التي تتزاحم في ذهن الطالب العربي عشية الدخول إلى الجامعة تتمحور حول ما إذا كان سيجد عملاً في المستقبل، أو ما إذا كان السوق بحاجة الى هذه المهنة أو تلك؟ ويقول ان الأهل والأقارب والمعلمين يحاولون تقديم المساعدة وفق منظورهم، لكن يجب الفصل التام بين عملية اختيار المهنة وسوق العمل.
ويدير فرحات جمعية تأسست بمبادرة شخصية من مجموعة من الأكاديميين الفلسطينيين الذين مروا بالتجربة الصعبة في اختيار المهنة، وتعمل منذ سنوات على مساعدة الطلاب الفلسطينيين في منطقة الـ 48 لاتخاذ القرار السليم عشية التحاقهم بالدراسة الأكاديمية. ومن المشاريع التي تقدّمها الجمعية مشروع «المدرسة الجامعية» الذي يهدف إلى توسيع آفاق الطلاب في المرحلة الإعدادية حول إمكانات التعليم العالي والأكاديمي وشروط القبول وإمكانات العمل المتوافرة في سوق العمل وتطوير مهارات فكرية وتطبيقية تساعد الطلاب في اكتشاف ميولهم المهنية وخلق تجربة تعليمية خاصة لديهم، إضافة إلى تطوير مجالات اهتمام جديدة. ويقترح البرنامج على الطلاب تشكيلة من الدورات التي تساعده على اتخاذ القرار. وتنظم الجمعية مخيماً صيفياً للطلاب الثانويين يهدف إلى تشجيع التعليم العالي وتحضير الطلاب للحياة الجامعية المستقبلية وتوجيههم لتعلم اختصاصات ومهن يحتاجها المجتمع الفلسطيني في الداخل. وتتخلل المخيم زيارات لمؤسسات تعليمية أكاديمية.

الاثنين، 15 سبتمبر 2008

التفجيرات الانتحارية والعمالة ...وجهان لعملة البطالة الفلسطينية

شفا عمرو (فلسطين المحتلة) – وليد ياسين الحياة - 15/09/08//
على بعد أمتار قليلة من حاجز عسكري أقامه جنود الاحتلال الاسرائيلي بالقرب من بلدة زلفة، على الحدود بين منطقة 48 ومحافظة جنين، شمال الضفة الغربية، تحلق الكثير من الآباء والأمهات الفلسطينيين حول سائق سيارة أجرة وأخذوا يساومونه على كلفة نقلهم من الحاجز إلى مدخل سجن «مجدو العسكري»، حيث يحتجز جنود الاحتلال أولادهم.
في مكان غير بعيد من هذا التزاحم، جلست مسنّة فلسطينية على الأرض، تحتضن رضيعاً. بدت وكأنها غير مبالية بما يحدث من حولها، او انها ليست على عجلة كأولئك المتزاحمين. التفتت إلى صوت شابة خرجت من بين المتزاحمين ونادت عليها: «يلا يا حاجة، تعالي»، واقتربت من المسنّة وتناولت الطفل من حضنها، ثم سارت أمامها باتجاه سيارة الأجرة.
الشابة، والدة الرضيع الذي ترعاه «جدته»، هي زوجة الابن الأصغر لهذه العجوز. اسمه أحمد، شاب، يحمل شهادة الماجستير في الاقتصاد، تخرج قبل عامين ونصف عام في جامعة خليجية، وعاد إلى أسرته في نابلس، على أمل أن يجد عملاً يسترزق منه ويساعد أسرته على مواجهة الجوع الذي فرضه الحصار على الفلسطينيين. لكن أحلامه سرعان ما تبخرت، وفقد الأمل بالحصول على وظيفة في مجتمع يعاني نسبة بطالة عالية، تتفاقم عاماً بعد عام في ضوء سياسة الحصار والتجويع الإسرائيلية وعجز السلطة الفلسطينية عن استيعاب الأكاديميين في مؤسساتها.
قرر أحمد، بحسب ما تروي زوجته «حشر أحلامه داخل كيس محكم الإغلاق»، وانطلق للعمل في أرض عائلته. حرث الأرض وزرعها وكان الموسم الأول وفيراً، فقررت أمه تزويجه من ابنة شقيقتها، التي تخرجت هي أيضاً بشهادة دبلوم في جامعة النجاح واضطرت للتخلي عن أحلامها حين وافقت أسرتها على زواجها من ابن خالتها.
بعد شهر من زفافه، وجد أحمد نفسه يبحث مجدداً في سوق البطالة عن عمل، بعد أن دهمت جرافات الاحتلال ارض عائلته ودمرت مزرعته الصغيرة، وقضت على باب رزقه الوحيد.
لم يتمكن أحمد من إيجاد عمل، وتدهورت أوضاع الأسرة، بخاصة بعد وفاة والده. بدأ الجوع يتسرّب إلى بطون الأسرة، بعد أن بات من الصعب إيجاد كوب من الطحين من أجل خبز رغيف. تسلل اليأس إلى نفس أحمد، وبات عصبياً. لاحظت زوجته الشابة التغيرات التي طرأت على حياته، ولم تجد من سبيل إلاّ اللجوء إلى أسرتها، فمرة تحضر الطعام جاهزاً من هناك، وأخرى تستعين بوالدها لشراء حاجيات منزلها، في محاولة منها للتخفيف من الضغوط على زوجها. وأحمد يشاهد ما يحدث ويتألم بصمت. ومن دون سابق إنذار غاب احمد أسبوعين عن المنزل، ليعود منفرج الأسارير، وجيبه مملوءة ببضع مئات من الدولارات الأميركية.
لم تسأله زوجته من أين؟ وكيف حدث هذا التحول؟ خشية من العواقب. وبعد أقل من أسبوع، ابلغ احمد زوجته أنه سيتوجه إلى مخيم جنين لزيارة زميل له. في تلك الليلة، وحين كان احمد يجلس مع مجموعة من شبان المخيم في باحة بيت صديقه، سمعوا دوي انفجار آتياً من جهة مدخل البيت، وقبل ان يتمكنوا من التحرك، كانت ثلّة من جنود الاحتلال تحاصرهم وتوجه بنادقها إلى صدورهم. اقتيد احمد مع بقية الشبان إلى السجن، وبعد تحقيق وتعذيب داما نحو شهرين في أقبية أجهزة الاستخبارات، وجهت قوات الاحتلال إليه تهمة التخطيط لعمليات فدائية وحكم عليه بالسجن حتى عشر سنوات.
«حين اعتقلوه كنت حاملاً في الأسبوع الأول»، تقول زوجته. «خفت على الجنين، وفي لحظة يأس قررت التخلص منه، لأنني خشيت من الجوع والفضيحة. لكن الله ستر، وأنقذ الجنين فأنجبته، وعمره اليوم 17 شهراً، وأحضرته معي لزيارة والده».
لم تكمل حديثها، إذ نودي على الزائرين للدخول إلى قاعة الانتظار، ودخلت مع الوافدين للزيارة. بعد نحو ساعة خرجت، وأكملت حديثها: «حين قرر احمد العمل في الأرض كان بحاجة إلى مبلغ يساعده على تحضير الأرض وشراء الحبوب، فاستدان مبلغاً من مؤسسة خيرية في المدينة، على أن يعيده بأقساط شهرية. وبالطبع كانت المؤسسة تدير سجلات مالية وكان اسم احمد من بين المسجلين فيها. خلال العدوان الاسرائيلي على جنين عام 2002، دهمت قوات الاحتلال المؤسسة وصادرت ملفاتها، وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت تقريباً كل الشبان الذين وردت أسماؤهم في السجلات، وكان احمد من بينهم. وبعد اعتقال لمدة شهر أطلقوا سراحه، ومنذ تلك اللحظة تغير. كان يغيب ساعات طويلة ولا يرجع إلى المنزل إلا في المساء. لم يعرف احد ما الذي يفكر فيه الشاب الجامعي، ولا ما الذي حدث معه في السجن، ولا أين اختفى حين قال انه سيسافر إلى صديق في رام الله، إذ إنه أخفى أي تفاصيل حتى عن زوجته. ومضت الأيام، وبات احمد يمثل سراً كبيراً بالنسبة الى المرأة التي من المفترض أن تكون كاتمة أسراره. وتوضح: «بعد اعتقاله فقط، فهمت».
في اليوم التالي على اعتقال أحمد، حضر لزيارة أسرته ناشط في إحدى الحركات الأصولية وسلّمها مبلغاً مالياً، مفسراً «إنه دين لأحمد». لكن احمد كان فقيراً، وبالتأكيد لم يملك مثل هذا المبلغ الذي احضره الزائر، وأصرّت زوجته على معرفة مصدر المال، وبعد أيام حضرت إلى بيتها شابة في مثل عمرها، وروت لها ان احمد تجنّد في صفوف هذه «الحركة»، وكان يخطط للقيام بعملية انتحارية داخل إسرائيل.
انكشف السر أمام الزوجة الشابة، وعرفت لماذا كان يغيب ساعات وأياماً من دون ان تعرف ماذا يفعل أو الى أين يذهب. فهمت انه خضع للإغراء المالي كي يعيل أسرته ويمنع سقوطها على مذبح الجوع. وبحسب الزوجة، فإن أحمد لم يكن شخصاً يؤيد قتل النفس، ولم يكن متعصباً دينياً أيضاً، وخلال الفترة الوجيزة من عمرهما المشترك كانت تشاهد البريق في عينيه وهو يحدثها عن أحلامه وعن القصر الذي سيبنيه لها على طرف كرم الزيتون.
وفهمت منه، حين بدأت زيارته في سجنه، انه حاول الهجرة والعودة إلى الخليج للبحث عن عمل، لكن اسمه كان مدوناً على اللائحة السوداء، ومنع من المغادرة. بحث عن عمل في كل ورش البناء ومع الحمالين في السوق، وكان مستعداً لنسيان شهادته والعمل في جمع القمامة، لكنه لم يجد مكاناً يستوعبه.
وفي احد الأيام، جاءه شخص غريب إلى الكرم وأخذ يحدثه عن مدينة يافا، المدينة التي تهجّرت منها أسرة احمد، وعن جمال البحر وبيت عائلته المطل على مسجد «حسن بك»، قبل أن يتحول وعائلته لاجئين على رقعة أخرى من أرض فلسطين، وشدّه الحديث إلى ان سمع ذلك الغريب يسأله: «لماذا لا تعمل معنا وتعيل أسرتك بكرامة؟».
أحمد الذي قارب حالاً من اليأس، واعتقد ان «الغريب» يعرض عليه عملاً، ولم يتردد للحظة في الموافقة. وبعد أيام، فهم نوعية العمل المقترح، لكنه لم يتراجع، بل وجد في نفسه التصميم القوي على المضي قدماً، وهو يرى بأم عينيه ويعيش يومياً الذل الذي يفرضه الاحتلال على شعبه.
وانخرط احمد في العمل الفدائي، لكن الأمر لم يطل، فبعد شهر من بدء التدريبات، جاءت تلك المداهمة الليلية لبيت صديقه في المخيم، واعتقالهم. ولم يعرف احمد إلا بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال ان احد الشبان الذين سهروا معه في تلك الليلة، كان عميلاً. ذلك الشاب، أيضاً، كان عاطلاً من العمل، وضحية أخرى من ضحايا البطالة المتفشية في الشارع الفلسطيني، وبعد تسلله إلى داخل الخط الأخضر للبحث عن عمل، اعتُقل، وعُذِّب، وأُجبر على تصوير مشاهد مخلّة بالآداب، وهدّدوه بنشر الصور إذا لم يتعامل معهم، فسقط!

الخميس، 11 سبتمبر 2008

الفلسطينيون ضحايا 11 سبتمبر أيضاً... أي كارثة ونكبتنا مستمرة منذ 1948؟

شفاعمرو - وليد ياسين الحياة - 11/09/08//
فور وقوع أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كان الفلسطينيون أول من وجّهت إليهم أصابع الاتهام، وتعرضوا لعقوبات أميركية، في إطار ما عُرف لاحقاً باسم «الحرب على الإرهاب». حينذاك، صعّدت الإدارة الأميركية هجومها على القيادة الفلسطينية، وطالبت بتغييرها، متبنية الموقف الإسرائيلي الذي اعتبر ياسر عرفات، «عدواً ينبغي عزله».
وهكذا بدأت محاولات زج الفلسطينيين في أحداث 11 أيلول فور حصولها، حين ظهرت، في مشهد تلفزيوني، مجموعة من الفلسطينيين يضحكون ويرقصون. وزعم مصور الشريط انهم كانوا يبتهجون بما حل بالولايات المتحدة. وانتشر هذا المشهد في محطات تلفزة عالمية، وبثته القنوات الإسرائيلية مراراً، في محاولة لإظهار الفلسطينيين كشعب يرقص على دماء الضحايا.
في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني نكبات كثيرة وأعمال قتل وذبح ارتكبت في حقه، تتجاوز في بشاعتها أحداث 11 أيلول، ولكنها لم تلق اهتماماً دولياً مثلما لقيت أحداث 11 أيلول، أو العمليات التي تستهدف إسرائيليين.
في أيلول، يتذكر الفلسطينيون «أيلول الأسود» و «مجزرة صبرا وشاتيلا»، ولا ينسون نكبتهم الكبرى في 1948 وما سبقها وما تلاها من مجازر اسرائيلية. بعضهم يستعيد أحداث 11 أيلول 2001، من دون أن تخونه الذاكرة، فمشاهد الدمار والأنقاض والضحايا آنذاك، نقلتهم (ولا تزال تنقلهم) سريعاً إلى مشاهد مشابهة لأبناء شعبهم، وهم «يبحثون بين الأنقاض عن ضحاياهم بعد كل عدوان إسرائيلي، بسلاح أميركي»، كما تقول الإعلامية الفلسطينية مقبولة نصّار (34 سنة) من قرية عرابه.
كانت نصّار في رحلة إلى جبل طارق، في 11 أيلول. وتتذكر تكرار مشهد الطائرات وهي تخترق مبنيي «مركز التجارة العالمي». واعتقدت حينذاك أنه جزء من فيلم «أكشن» أميركي. وفي ذاكرة نصار، لا يزال يتردّد صوت تلك المرأة الأفريقية التي كانت جالسة الى جانبها، يقول لها: «أميركا صدّرت الحرب إلى كل مكان، والآن وصلت إليها...».
ولا تنسى الصحافية الشابة تلك اللحظة التي بدأ فيها توجيه أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين: «الأخبار الأولى تحدّثت عن أن خطف الطائرات هو تخصّص فلسطيني. وكفلسطينية خفت أن أقول للناس في أسبانيا، في ذلك اليوم، إنني فلسطينية. كنا نقول إننا من الأراضي المقدسة، فنحن لدينا معرفة وافية في حماية أنفسنا من غضب الآخر، بعد حدوث تفجير».
قسام قعدان (22 سنة)، من باقة الغربية، كان صغيراً حين وقعت الهجمات، ويقول: «زادني إيماناً بأن لا توجد قوة على هذه الأرض لا تقهر». والطالبة الجامعية رلى نصير (23 سنة)، من شفاعمرو، بقيت في ذهنها الصورة المشوهة التي لحقت بالإنسان العربي.
ويتفق مهندس الكومبيوتر يامن روك (27 سنة)، من الناصرة، ورجل القانون نضال رزق (44 سنة) المقيم في الولايات المتحدة، على أن أحداث 11 أيلول أساءت كثيراً إلى القضية الفلسطينية والحقوق العربية بعامة. ويحمل روك في ذاكرته الكثير من الحزن والأسى على الضحايا والكثير من السخط على المنظمات التي تدعم القتل باسم الدين يقول. «لقد أضرّ هذا العمل بنا كفلسطينيين. خلط الأوراق وذهبت مقاومة الفلسطينيين الصالحة بعزاء أعمال المتطرفين الطالحة». ويعقب رزق بقوله ان الأحداث «ساهمت في توسيع دائرة الشك حول الحقوق العربية، والفلسطينية بخاصة، وخسرنا عدداً كبيراً من المتعاطفين مع القضايا العربية».
ويتفق المتحدثون على شعورهم بالتضامن مع الضحايا الذين وقعوا في 11 أيلول، لكن هذا التضامن لا ينفصم عن هويتهم كشعب يتعرض يومياً للعدوان، ويُعتبر الضحية الأولى لسياسة الاحتلال المدعومة أميركياً.
مقبولة نصار تضامنت وتعاطفت مع الناس الذين كانوا يبحثون عن أهلهم بين «غيوم الدخان والغبار»، ولم تلبث تلك المشاهد أن اقترنت بمشاهد الأمهات والأطفال الفلسطينيين، وهم يبحثون عن ضحاياهم وسط الدمار الذي تخلفه الطائرات الإسرائيلية. وهي ترى أن الأميركيين هم «ضحايا نظامهم» وتلومهم على جهلهم بما تفعله حكومتهم في العالم... «ولكن في نهاية الأمر، يجب التفريق بين الأنظمة والشعوب»، كما تقول.
وترى رلى نصير ان «الواجب الإنساني يحتم علينا التضامن مع ضحايا أي حادث كان، على رغم أن الترويج لفكرة الإرهاب كان الناتج الأساسي لتلك الواقعة. وبعيداً من التساؤلات، يقف المرء أمام حقيقة الموت كما لم يعهده من قبل. ولذلك، شعرتُ بالرهبة لرؤية الموت يتجلى ببساطة أمام عدسات الكاميرات».
ويؤكد روك تضامنه مع الضحايا وإلا «نفقد إنسانيّتنا وعقلنا»، ويضيف: «نحن الفلسطينيين أكثر شعوب الأرض تعرضاً لأعمال البطش والإذلال من الإسرائيليين والغرب... فهل نبذر مساعي مقاومتنا في أعمال قتل ليس لها طائل»؟
ويرى رزق ان الموت هو أسوأ الأمور التي يمكن ان تطاول الإنسان وأن القيمة الفضلى هي للحياة، في حين يثني قسام على تضامن «الإنسان» مع ضحايا أي حدث قاتل ودموي، «خصوصاً الأبرياء منهم».
أحداث 11 أيلول تركت تأثيراً في الناس في فلسطين، وفي الأوضاع في المنطقة عموماً. وبرأي نصير يكفي أن تتلفّظ بكلمة «الحادي عشر»، كي يُفهم مغزى الحديث، وهي لا تعتقد أن الإعلام يساعد الناس على نسيان مثل هذه المآسي. وتعتبر نصار أن ذلك الحدث «غيّر وجهة التاريخ وقلب موازين القوى في المنطقة... وتلك التفجيرات وما تلاها عمّقت الفجوات والعداءات بين الشرق والغرب، وحولت الصراع إلى صراع بارد ذي طابع ديني».
ويعتقد روك ان أحداث 11 أيلول، زادت من تشرذم العرب ووهنهم، كما زادت من «تبعيّتنا لمعايير الولايات المتحدة». وخلافاً له يعتقد قعدان أن مثل هذه الأحداث «لا تترك تأثيراً طويل المدى في الناس، على رغم ان تداعياتها تثيرهم أحياناً».
لا مجال للمقارنة مع ذكرى النكبة
في الحديث عن الذكرى (أي ذكرى)، لا ينسى الفلسطينيون نكبة شعبهم في 1948. وعلى رغم ان المتحدثين هم من الجيلين الثاني والثالث بعد «النكبة»، تراهم يتمسكون بذكراها ويبحثون عما يبقيها متّقدة، رافضين المقارنة بينها وبين أحداث 11 أيلول أو أي حدث آخر.
مقبولة نصار ابنة لأم مهجّرة، يعيش أفراد أسرتها في مخيمات اللاجئين في لبنان وسورية، ونكبة 48 بالنسبة إليها «جريمة إنسانية كبرى لا استطيع التصور كيف نُفّذت... تطهير شعب برمّته، لا يقارن بهذه التفجيرات. لسنا في موقع المساءلة إذا ما كنا نتعاطف مع الشعوب الأخرى أو لا، لأن نكبتنا حدث مستمر، ومع ذلك، تنكره أو تتجاهله شعوب وحكومات».
رلى نصير تقول إن النكبة موضوع لم يُتداول كثيراً في المحيط الذي وُلدت فيه، لأسباب فهمتها متأخّرة، «لكنني ساعدتُ نفسي وانتشلتها من الجهل. ولا اتعاطى مع ذكرى النكبة مثلما أتعاطى مع ذكرى 11 أيلول، لأنني لا أرى مجالاً للمقارنة، فالفرق كبير. المشاعر التي تعترينا، يومياً، أمام ذكرى النكبة بعيدة كل البعد من ذكرى تعود مرة كل عام عبر وسائل الإعلام. القرب الجغرافي يحتّم علينا رؤية أوضح لمعاناة الفلسطيني اليومية منذ ستين سنة ، معاناة لا نزال نستعيدها حتى هذه اللحظة، ونعيشها كل لحظة».
قعدان يرفض أيضاً المقارنة: «نحن نتحدث عن نكبة شعب بأكمله، لا عن هجوم. النكبة موجودة في داخلي. وأسعى لكي تبقى ذكراها على مرّ الأجيال».
يوافقه رزق الذي يعتبر أن النكبة ليست لمن عاش فــصولها مــباشرة فــقط. وهي تركت في نفــس روك مزيجاً من الــحزن والأمل، «تارةً أبكي على ما ضاع من أرض وعرض، وتارة أخرى يغمرني أمل في مــستقبل مــشرق وعيــش هني!».

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

التسمم في الصين يستعيد فضيحة «رميديا» في إسرائيل... لا مفرّ من شراء منتجات «مشبوهة»

شفاعمرو (الضفة الغربية) – وليد ياسين الحياة - 09/10/08//
تسمم الأطفال الصينيين جراء تناولهم الحليب الملوث بمادة الملامين، أعاد إلى الأذهان في إسرائيل تفاصيل فضيحة شركة «رميديا» الاسرائيلية لإنتاج الحليب النباتي للأطفال، وقد تفجرت، في 2003، عندما كشف فحص مخبري ان الحليب الذي يُصنّع وفق امتياز ألماني وتسوقه الشركة الإسرائيلية في إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، كان يفتقد إلى «فيتامين B1»، الأمر الذي اعتبر مخالفة خطيرة لقوانين الإنتاج الغذائي.
وبحسب نتائج التحقيقات التي أجريت في حينه، تسبب إخراج الفيتامين «بي 1» من حليب «رميديا» بإصابة نحو 17 طفلاً يهودياً وعربياً بمرض نادر يقارب الشلل الدماغي، أدى إلى وفاة ثلاثة منهم. وهو الأمر الذي أثار ضجة كبرى في إسرائيل، والى تحرك واسع على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، بل وصل إلى حد خروج أصوات يهودية، اتهمت الألمان بتعمّد إحداث خلل في التركيبة، بهدف نشر مرض نادر، «واستمرار ما بدأه النازيون تجاه اليهود قبيل الحرب العالمية الثانية وإبانها».
في ذلك الحين، ادعى المستوردون الإسرائيليون ان شركة «هومانا» الالمانية التي تصنع الحليب لإسرائيل تضطر للسير بحسب تعليمات رجال الدين اليهود الذين يطالبون بأن يكون المنتوج مصنعاً وفق تعاليم الدين اليهودي، وأنهم بهذا التغيير أسقطوا الفيتامين. وحسبوا أن هذا التغيير لا يحتاج إلى مصادقة خاصة من وزارة الصحة. لكن هذا الادعاء لم يخمد حال الهلع. ورفعت دعاوى قضائية كبدت «رميديا» خسائر فادحة، كادت تقضي على مستقبلها في السوق.
وعلى رغم انكار علاقتها في الموضوع ورفض تحملها المسؤولية في البداية، سارعت شركة «هومانا» الالمانية إلى إنقاذ الشركة الاسرائيلية من محنتها وتراجعت عن روايتها السابقة، لتعلن انها تتحمل المسؤولية كاملة، عما سمته «الخطأ» بإدخال كميات قليلة من الفيتامين «بي 1» إلى الحليب، لا تتفق مع الكميات المسجلة على الحاوية. وفُتح في كل من إسرائيل والمانيا، في حينه، تحقيق جنائي قاد إلى اعتقال مسؤولين في الشركتين.
وعلى رغم أن إسرائيل من الدول المتشددة في تطبيق القوانين التي تتعلق بصحة مواطنيها في شكل خاص، «ضُبطت عارية» في قضية «رميديا» وجاهدت لمعالجة الموضوع على وجه السرعة، من خلال اتخاذ اجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الفضيحة، من جهة، واصدار أوامر بتشديد الفحوص على المواد الغذائية الخاصة بالاطفال، قبل المصادقة على تسويقها.
وأعلن وزير الصحة الاسرائيلي آنذاك، داني نيفيه، عن فحص مكونات غذاء الاطفال في شكل مشابه تماماً للفحوص التي تجرى لمركّبات الأدوية. وأصدر اوامره بإجراء فحوص كيماوية ومخبرية لكل المواد الغذائية الخاصة بالاطفال. كما توجه إلى نظرائه الاوروبيين برسالة حذر فيها من تكرار الامر في المستقبل، حتى اذا كان ذلك في شكل متعمد!
ولم تكن المواد الغذائية الخاصة بالاطفال تخضع للفحوص المخبرية قبل تلك الحادثة، وكان يكفي التدقيق الإداري بالمعطيات التي يقدّمها المستوردون. وبعد قضية «رميديا» فُرض فحص لكل المركبات الغذائية، على طول خط الإنتاج، من بداية تصنيعها حتى وصولها إلى السوق.
يشار إلى انه قبل مضي نصف عام على قرار الوزير نيفيه، فوجئت الاوساط الطبية الاسرائيلية بصدور قرار آخر عن الوزارة يقضي برفع عبارة «بمصادقة وزارة الصحة» عن المنتجات الغذائية، بخاصة غذاء الاطفال المصنّع. وجاء ذلك القرار بناء على توصية لجنة «فاينرو» التي حققت في ابعاد فضيحة «رميديا» وتوصلت إلى سلسلة من الاخفاقات في سياسة مراقبة المواد الغذائية في إسرائيل.
واستُبدلت العبارة باخرى تقول إن هذا الغذاء يتفق مع هذه الشروط او تلك، او انه تم فحص عينة منه... وما شابه.
إلاّ أن الأوساط الطبية هاجمت القرار واتهمت وزارة الصحة بالتنصل من المسؤولية، لأن غذاء الاطفال ليس مجرد غذاء لسد الجوع، وانما يحتوي مكونات تساعد على نمو الطفل في شكل سليم، ولذلك فإن أي خلل في تركيبة هذا الغذاء، او نقصان أي نسبة من الفيتامين قد ينطوي على أخطار جسيمة، بحسب جهات طبية.
واليوم، يجري فحص مقاييس المواد الغذائية في إسرائيل بحسب مستوى الخطورة الكامن في طريقة تركيب العنصر الغذائي ونوعية الجمهور الذي يستهلكه، والسجل التاريخي للمستورد او المنتج. ويُمنع في اسرائيل تسويق أي منتج غذائي مصنع لا يحمل تسجيلاً لتاريخ التصنيع والصلاحية.
وتلعب وسائل الاعلام الاسرائيلية دور «الحارس الامين» في هذه القضية، وهي لا تتوانى عن تفجير أي قضية تتعلق بمواد غذائية فاسدة او لا تتفق مع المقاييس المحددة. ويبث التلفزيون الاسرائيلي برنامجاً اسبوعياً خاصاً للتوعية ومراقبة المواد الغذائية، اسمه «كول بوتيك». وقبل شهرين كشف هذا البرنامج فضيحة لا تقل خطورة عن فضيحة «رميديا»، وتتعلق بانتشار الفئران والجرذان في شبكة مطاعم شهيرة للوجبات السريعة، ما ألحق خسائر فادحة بالشركة. وقبل فترة وجيزة، فضح شركة عربية للتسويق، واتهم أصحابها بتزوير تاريخ انتهاء صلاحية المنتجات الغذائية المعلبة، وبيعها للمستهلكين باسعار مغرية.
لكن، يبدو ان المواطن الذي لا تسمح له حاله بشراء المواد الغذائية باسعار مرتفعة من الاسواق التجارية الخاضعة للرقابة الشديدة، لا يأبه بمثل هذه التحذيرات. والايام الماضية التي سبقت عيد الفطر اثبتت ذلك، اذ شوهد آلاف المواطنين في فرع للشركة التجارية المذكورة يشترون منتجاتها الغذائية حتى تلك المشتبه بتزييف تاريخ صلاحيتها.

الاثنين، 25 أغسطس 2008

عطلة نهاية الأسبوع في إسرائيل تزيد العنف بين المهاجرين


حيفا - وليد ياسين الحياة - 25/08/08//
مساء السبت قبل الأخير كان يمكن أن يكون عادياً بالنسبة الى أهالي مدينة شفاعمرو، في جليل فلسطين، لولا المصاب الأليم الذي نزل كالصاعقة على عائلة حمودي ومن حولها كل أهالي المدينة. في ذلك المساء سافر ابن العائلة الشاب حسان حمودي مع أصدقائه إلى منطقة خليج حيفا، للاستمتاع بمشاهدة معرض للسيارات في منطقة تبين لاحقاً أنها تتحول مساء كل سبت إلى ما يشبه الغرب الجامح للسائقين الشبان، الذين يصلون إلى المنطقة من مختلف مناطق الجليل ويقودون سياراتهم بسرعة جنونية، أسفرت في ذلك المساء عن كارثة. فحين كان حسان يجتاز الشارع مع رفاقه، صدمته سيارة كانت تسير بسرعة جنونية، بحسب رواية رفاق حسان، ويستقلها ثلاثة شبان من قرية عرابة. برمشة عين، تطاير جسد حسان الغض في الهواء وسقط على مؤخرة سيارة أخرى.في اليوم التالي فتح بيت العزاء وأَمّه الناس لمواساة عائلة الفقيد، وكان من بين المعزين الكثير من رجال الدين الذين اخذ كل منهم دوره في الوعظ والمواساة، والتركيز على جرائم القتل جراء ما سموه «طيش الشباب» أو «التربية الخاطئة». لكن ما حدث لحسان وما يحدث يومياً في شوارع إسرائيل ليس مجرد «طيش شباب» أو «تربية خاطئة» بل حلقة من حلقات العنف المستشري بكل مظاهره في المجتمع وبخاصة في أوساط الشباب.وفي تقرير أعدته الشرطة الإسرائيلية حول مظاهر العنف بين الشباب الاسرائيلي، يتبين ان نسبة العنف تتزايد باضطراد وفي شكل خاص في نهاية الأسبوع، أي ليلتي الجمعة والسبت، حيث يتم تسجيل عشرات حوادث العنف في الشوارع وفي الملاهي الليلية، خصوصاً في أوساط الشباب المتحدرين من فئات اجتماعية تواجه أزمات عدة تعوق انخراطهم في المجتمع وتعمق مظاهر الجنوح والعنف بينهم. وبحسب اهران جايلبرغ الذي يعمل مع الشبيبة التي تعيش أزمات اجتماعية، فإن «لانتشار مظاهر العنف في أوساط الشبيبة مسببات عدة، يعتبر التمييز الاجتماعي والتوزيع غير العادل للموارد من مركباتها الأساسية». ويضيف ان «الفرد الذي يشعر بالتمييز ضده وبالقلق إزاء الوضع الاقتصادي لأسرته، غالباً ما يميل إلى انتهاج العنف». وبرأيه فإن العنف في أوساط الشباب «يعكس صرخة جماعية من اجل إيجاد واقع يقوم على المساواة».لكن تقارير الشرطة لا تولي مسببات العنف في المجتمع الاسرائيلي أي أهمية، وتتعامل معها كأرقام مجردة على رغم التحذيرات المتكررة من جانب الباحثين والخبراء، والدعوات الى إجراء أبحاث معمقة لمظاهر العنف الآخذة في الازدياد. وارتفع مثلاً عدد الملفات الجنائية التي فتحتها الشرطة إثر حوادث عنف ارتكبها الشبان، إلى أكثر من 40 ألف ملف في العقد الأخير. وفي هذا السياق لا بد من التعامل بحذر مع الإحصاءات الرسمية لأنها غالباً ما لا تأخذ في الاعتبار حوادث العنف التي لم تصل إلى الشرطة لأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال امتناع أصحاب العلاقة والشرطة عن فتح ملفات جنائية للقاصرين.وترتفع نسبة العنف بين فئات المهاجرين إلى إسرائيل خصوصاً الروس والأثيوبيين. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، يشير بحث أجراه معهد بروكدايل إلى نشوء مظاهر مقلقة في صفوف المهاجرين الأثيوبيين الشبان، تبدأ بارتفاع نسبة التسرب المدرسي والتي وصلت إلى 6.2 في المئة، أي ضعفي نسبة التسرب في أوساط الفئات الاجتماعية الأخرى، بينما تزيد نسبة عدم الانضباط في المدارس لدى المهاجرين الإثيوبيين بـ 14 في المئة عن النسبة الكلية للفئات العمرية المشابهة في المجتمع الاسرائيلي. وغالباً ما ينخرط هؤلاء في أعمال عنيفة في الشوارع. وبحسب أرقام الشرطة، فإن 2.6 في المئة من الأولاد الإثيوبيين تورطوا في أعمال عنف فُتحت في أعقابها ملفات جنائية لهم، بينما تصل النسبة بين الأولاد الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية أخرى إلى 1.4 في المئة.

الجمعة، 1 أغسطس 2008

بين الأمس واليوم ... الوفاء لمن يهتم بوجع الناس

حيفا - وليد ياسين الحياة - 24/01/08//
في غرفة الانتظار، في عيادة الدكتور حسين، جلس بعض المرضى بانتظار وصول الطبيب من المستشفى، وبدء مناوبته في عيادته الخاصة. الساعة التي تجاوزت الخامسة، تنفي ما تشير إليه اللائحة المعلّقة على مدخل العيادة، ومفادها أنه يبدأ عمله عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر. وكلما توجّه مريض بالسؤال إلى الممرضة عن موعد وصول الطبيب، تتفوه بالإجابة المقتضبة نفسها: "انه في الطريق».
أم محمد، سيدة في الخمسين من عمرها تعاني من السكري، وتتناول تشكيلة منوعة من الأدوية التي سجلها لها الطبيب. في اليوم الذي سبق حضورها إلى العيادة انتهت الأدوية لديها، فقررت الانتظار إلى اليوم التالي، كي تزور طبيب العائلة وتحصل على وصفة لشراء كمية جديدة من الأدوية.
بالنسبة اليها تعتبر كل دقيقة تمضي حاسمة، فالتأخر عن تناول الدواء في موعده يمكن ان يؤدي إلى مضاعفات، وقد أثار تأخر الطبيب عن موعده غضبها، فبدأت تصرخ في وجه الممرضة. بعد تهدئة روعها من قبل الحضور، بدأت بالترحم على أيام زمان، «كنا نذهب إلى الدكتور موفق ولو في منتصف الليل، فيفتح بابه ويعالجنا.
أما اليوم، فلا تستطيع المجيء إلى الطبيب إلا في ساعات محددة، وفوق هذا تجده يتأخر ولا يهتم ان كنا سنموت أو لا».
مضت أكثر من ساعة حتى وصل الطبيب إلى عيادته، وحين بدأ باستدعاء المرضى إلى غرفته، كان بعضهم قد ملّ الانتظار وحمل نفسه مغادرًا للبحث عن طبيب آخر أو إلى بيته. وتجيب، أم محمد، عن أسباب عدم ذهابها الى طبيب آخر: «ممنوع، تسجيلنا لدى الدكتور حسين، يحتم علينا تلقي العلاج لديه، وإذا ما ذهبنا إلى طبيب آخر، يعمل مع الصندوق ذاته، فلن نتمكن من الرجوع إلى طبيب العائلة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، هذا هو القانون».
حكاية أم محمد، لا تختلف كثيراً عن حكايات كثيرة نسمعها من مرضى يتذمرون من تأخر الأطباء عن الحضور إلى عياداتهم الخاصة بسبب انشغالهم في عيادات أخرى أو في المستشفيات منذ سريان مفعول التعديلات القانونية التي أتاحت لصناديق المرضى في إسرائيل تشغيل أطباء خصوصيين من خلال عياداتهم الخاصة.
في البداية استبشر المرضى خيراً بهذا القانون واعتقدوا بأنه يمكن لهذا التعديل حلّ الكثير من المشاكل المرضية التي تواجههم حين تكون العيادة العامّة في صندوق المرضى مغلقة.
وعند بدء العمل بهذا التعديل كان الأطباء يحرصون على جدول مواعيد مغر للمرضى، وإذا ما ألح الأمر، كان بعضهم يستقبلون المريض في بيوتهم، وهكذا تمكن كل واحد منهم من استقطاب عدد من المرضى الذين أصبحوا زبائن له. لكن تعديل القانون إياه ترك ثغرة أتاحت لهؤلاء الأطباء حرية التحكم بأوقات عملهم، والعمل في أماكن عدة في آن واحد. وعندها، يبدأ التحول، المريض أصبح مرتبطاً بطبيبه، لكن نسبة كبيرة من الأطباء لا يكتفون بما لديهم من مرضى، أو تفرض عليهم الظروف المعيشية ذلك، فيبدأون البحث عن مصادر دخل أخرى، ولا يتورع أحدهم عن إغلاق بابه في وجه مريضه الخاص إذا ما توجه إليه في غير ساعات دوامه.
ويعمل الطبيب حسين أيضا في أحد المستشفيات الحكومية ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي مستشفى خاص يومين آخرين، وبعد عودته من عمله، يستقبل المرضى في عيادته. أربع ساعات في المساء. وعلى رغم قصر الوقت الذي يكرسه لعيادته الخاصة تجد أن صندوق المرضى سجل لديه أكثر من 200 عضو. صحيح انه لا يستقبل هؤلاء معاً، لكن الخدمات التي يقدمها لمرضاه كثيراً ما يتحكم فيها العامل الزمني.
خروج أم محمد من غرفة الطبيب، يفتح نفسها من جديد على انتقاد طبيبها، وتقول: «لم يكلف نفسه حتى الكشف عليّ». وتوضح: "جلست أمام طاولته. أعطيته بطاقتي. كتب بعض الكلمات على الحاسوب وناولني وصفة وقال لي مع السلامة». رد أم محمد يُعتبر دلالة على العلاقة المادية التي بدأت تتحكم بعمل الأطباء. من جهته، يرفض الدكتور حسين هذا التكهن، ويصف أم محمد بـ»الثرثارة»، ويقول إنه يعرف مرضها ولا حاجة للكشف عليها كلما حضرت إلى العيادة».
حكاية الدكتور موفق
الدكتور موفق الذي ذكرته أم محمد هو طبيب لبناني الأصل، وصل إلى فلسطين قبل سنوات بعيدة، كان حينها الطبيب الوحيد في البلدة، وكانت عيادته تكتظ بالمرضى الذين يقصدونه من البلدة ومن عشرات القرى المجاورة. ويروي المعمرون من سكان البلدة أنه «لم يتأخر عن تقديم الخدمة لمرضاه حتى في بيوتهم، وانه كان يذهب إلى القرى المجاورة، ممتطياً ظهر دابة لتقديم العلاج للمحتاج». وعلى رغم مرور سنوات طويلة على اعتزال الدكتور موفق مهنة الطبّ بسبب الشيخوخة، ما زال الناس يحلفون بحياته.
صموئيل لوك فيلدز بريشته وهو يرسم «الطبيب»

الخميس، 14 فبراير 2008

مناسبات كثيرة للمحبة ... ماذا بقي منها؟ ... الأحمر في فلسطين لون الحب... والحقد

وليد ياسين الحياة - 14/02/08//
شابان فلسطينيان يفران من موت محتمل اليوم عيد الحب. وهو يوم يتكلل بالأحمر القاني والزهري الأنثوي بتعبيراته الرقيقة. وفيه يحصل «تبادل» للهدايا، ويغرق الأزواج في مفاهيم الوجد وفيض المشاعر وتجليات الحدس.
على شاشات التلفزيون، تتزاحــم صور الاحتفال بالعيد في أنحاء المعمورة. شوارع تزدان بالورود ومجـــسمات القلوب. محلات تجارية تعرض تشكيلة كبيرة من الهدايا. «عشاق» يتنافــسون على اختيار القصائد والأغاني، ويتفانون في كتابة رسائل التهاني، في سباق متواصل مع قلوب «الأحبة».
ولا يختلف الأمر في فلسطين، فشبابها وصباياها يحلمون بعالم له تداعيات وتجليات خاصة بكل... «ولهان». ولكن زمنهم يختلف عن زمن أقرانهم في أوروبا وأميركا، على ما يبدو، فهنا، يتجسد اللون الأحمر بكل تدرّجاته وتجلياته.
غير أن الأحمر، في هذه الناحية من الكوكب، ليس لون التيه والوجد فقط، هو أيضاً لون الدم، النازف باستمرار، جراء الفرقة والكراهية والبغضاء... وطلقات البنادق والدبابات والطائرات، التي يقذف بها الاحتلال الإسرائيلي لتقطيع أوصال الأحبة، وتفريغ الحب من مضمونه وجماله ودفئه، ليصبح تافهاً إذا ما تكرّس لحبيبة غير الأرض.
لا يكره الفلسطينيون الحب ولا يجافونه. هم يعرفون أنه يولد مع الإنسان ليرسم مسار استمرارية الوجود والحياة.
كل عام، يصل عيد الحب إلى فلسطين، يقرع أبواب القلوب. يحرك المشاعر، لكن حين يجد كل شيء مفقوداً، حتى الحياة، يتحول الحب وعيده كلمات مجرّدة.
تهنئة تصل عبر البريد الإلكتروني، أو الموبايل.
تهنئة يحتجزها الاحتلال في زنزانة، بابها معطل ينتظر الكهرباء.
تهنئة في هواء ملوث.
تهنئة تحت سماء زرقاء، تحوم في أرجائها «طيور سود»، في جوفها أطنان من الحقد والضغينة.
تهنئة بمعنى جديد للموت... للعشق... للاستشهاد.
يعرف الفلسطينيون أن الحياة مستمرة، وأن الحب يبقى عامراً في القلوب، يسقي أملاً ببزوغ فجر جديد، تليه شمس تُشرق على مروج خضر، يزينها بساط من الأحمر القاني... بساط من ورود.