الاثنين، 27 أكتوبر 2008

شبان فلسطينيون يتجنّدون لمواجهة الدعاية الاسرائيلية

عكا – وليد ياسين الحياة - 27/10/08//
عكا وحيفا واللد والرملة ويافا، مدن فلسطينية تسمى «مختلطة»، يتحول فيها كل يوم «غفران»، بخاصة منذ هبة القدس والأقصى في عام 2000، إلى كابوس بالنسبة الى المواطنين العرب الذين يحاول الاسرائيليون إكراههم على التقيد بتقاليد العيد وحبسهم داخل بيوتهم وشلّ حياتهم. الأحداث الأخيرة في مدينة عكا بدأت في ليلة عيد الغفران، الذي يعتبر يوم حزن وأسى، يفترض ان يكرسه اليهود لطلب المغفرة مع بداية السنة العبرية الجديدة، التي تسبق طلب المغفرة بأسبوع. في يوم الغفران الذي يمتد منذ غروب شمس اليوم الأول وحتى الغروب في اليوم التالي، تتحول المدن اليهودية إلى مدن أشباح، تغلق فيها كل المنشآت التجارية والصناعية ومحلات الترفيه، وتتوقف حركة السير. وبينما يفترض باليهود المتدينين ان يمضوا ساعات الصيام بالتعبد وطلب المغفرة، تخرج جماعات منهم، تصل إلى المئات أحياناً، إلى الشوارع لاستفزاز من يخرق المحظور، والاعتداء على كل وسيلة نقل «تتجرأ» على التحرك على شوارع البلاد، ولا يتورعون عن الوصول إلى طرق رئيسية بعيدة من أماكن سكنهم لممارسة «تقليد» رجم الحجارة، وحين يجاورون العرب، يصبح رجم الحجارة «مهمة مقدسة» بالنسبة الى هؤلاء ولسائر المستوطنين الذين ينضمون إليهم.
في تلك الليلة اضطر مواطن عربي إلى الخروج من بيته لإعادة ابنته من بيت خطيبها، وحين دخل إلى الحي المختلط، هاجمته مجموعة كبيرة من الشبان اليهود ورجموه بالحجارة ومن ثم حطّموا سيارته، ولاحقوه وابنه إلى داخل المبنى الذي تواجدت فيه ابنته، محاولين تحطيم الباب وتنفيذ «بوغروم» دموي بالعائلة العربية. وسرعان ما انتشرت اشاعة في الجانب العربي من المدينة مفادها ان المواطن العربي قتل بأيدي اليهود، فخرجت جماعات من الشبان العرب واندلعت مواجهات لم تهدأ تلك الليلة الا في ساعات الفجر.
وفي مساء اليوم التالي، حظي اليهود بدعم من مستوطنين جاؤوا من مستوطنات الضفة الغربية، وحاولوا مواصلة الـ «بوغروم»، فاحرقوا العديد من البيوت والسيارات العربية، ودخلوا في مواجهات مع الشرطة.
هذه المرة أدرك عرب عكا، وشبابها في شكل خاص، ان الأمر زاد عن حده، وقرروا التحرك بكل قوة لصد العنصريين واثبات عروبة مدينتهم وفلسطينيتها، ورفضهم أي محاولة تؤدي إلى سجنهم داخل بيوتهم. في ليلة المواجهات ردّوا على مهاجمة بيوت العرب بمهاجمة محال تجارية وسيارات للاسرائيليين، وفي اليوم التالي حين قررت إدارة البلدية، التي دعمت الجانب الاسرائيلي ورسخت موقفها العنصري إزاء عرب المدينة بالتجاوب مع أصوات اليمين المتطرف الذي دعا إلى فرض المقاطعة على عرب عكا وإلغاء مهرجان المسرح الآخر الذي يُقام سنوياً في عيد المظلة العبري، الذي يلي يوم الغفران، في ساحات ومباني عكا الأثرية، الواقعة في الجانب العربي من المدينة، قرر العكّيون الشبان التحرك لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني في مدينتهم وإقامة مهرجان بديل للمسرح الآخر، امتد لأربعة أيام، أمّ خلالها آلاف الفلسطينيين ومئات اليهود المعارضين للعنصرية، الجانب العربي من المدينة، وتسوقوا من المتاجر العربية وحضروا الفاعليات الفنية. هكذا قوبلت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة عكا الساحلية، في يوم الغفران العبري، بتحرك شبابي كبير، لصد «اخطبوط العنصرية» ووضع حد لامتداده ومحاولة سيطرته على المدينة الفلسطينية وإخضاعها لشروط اللعبة الصهيونية الهادفة إلى تهويد المدينة.
وخلافاً لمرات سابقة، نجح الشبان العرب في اختراق الإعلام الاسرائيلي وفرض روايتهم للأحداث وما سبقها على وسائل الإعلام العبرية، مواجهين الرواية الاسرائيلية السبّاقة بتحويل «العرب» إلى مجرمين، والاسرائيليين إلى ضحية. وتجندت مجموعة من الشبان المثقفين، بينهم صحافيون ورجال قانون وممثلو جمعيات أهلية، في ليلة واحدة، وعملوا حتى الصباح على إعداد تقرير مفصل يسرد الوقائع منذ بداية استيعاب سوائب من مستوطني قطاع غزة سابقاً في المدينة، مروراً باعتداءات تعرضت لها العائلات العربية في السنوات الماضية، وصولاً إلى أحداث «ليلة الغفران»، وما تبعها من تجنّد قادة الحركات اليمينية المتطرفة لقيادة بوق التحريض على عرب عكا. وجاء التقرير، المدعم بالمعطيات والشهادات والصور، مفاجئاً للإعلام العبري بقوته، وهزمه بكل ما تعنيه الكلمة.
احد الشبان الذين وقفوا وراء هذا التقرير وتنظيم الفعاليات البديلة، هو الكاتب والصحافي علاء حليحل، المقيم في عكا منذ سنوات، ويؤكد ان العرب في عكا واجهوا الكثير من الاعتداءات اليهودية، وعلى رغم انتقاده لأعمال التدمير التي قام بها المواطنون العكيون بعد انتشار اشاعة عن مقتل مواطن عربي. ويقول ان العرب فضلوا هذه المرة ان يتعرضوا للشجب على ان يشاهدوا حياتهم تنهار أمام عيونهم لان اليهود الشرقيين لم يتغلبوا بعد على كراهيتهم للعرب.
ويهاجم حليحل لجوء الاسرائيليين إلى استعمال مصطلحات من الحقبة النازية في محاولة لتسويف ادعاءاتهم بأنهم ضحايا، كاتهام العرب بأنهم كرروا «ليلة البلور»، أي ليلة إحراق بيوت ومصالح يهودية في أوروبا، في عكا. ويقول: «لقد تجاوزت وقاحة اليهود كل الحدود بسبب غريزة الخوف التي يعيشونها منذ الكارثة، وإذا استعملوا هذه المرة مصطلحات مثل «بوغروم» و «ليلة البلور» لن استغرب ان يجعلوا من العربي في مواجهة قادمة حارساً لمعسكر تركيز في الجليل»!
ويؤكد حليحل ان التقرير الذي شارك في إعداده حول الأحداث، احدث صدمة في وسائل الإعلام العبرية التي تجندت في كل حدث سابق إلى جانب الرواية الاسرائيلية وحوّلت الضحية إلى مجرم. «لقد نشر هذا التقرير في اكبر وسائل الإعلام العبرية لأنهم لم يستطيعوا مواجهة الحقائق والمعطيات الواردة فيه، فهو لا يسرد وقائع العدوان الأخير فحسب، بل يسرد حالات اعتداء سابقة، ويوفر للقارئ خلفية تاريخية حول بدء التحول في العلاقات بين اليهود والعرب في المدينة، ويركز على دور الحركات اليمينية المتطرفة في إشعال نار العنصرية في المدينة».
ويهاجم بلدية عكا التي «اتخذت موقفاً عنصرياً واضحاً حتى باعتراف العديد من الكتاب الاسرائيليين الذين انتقدوا موقفها وطالبوا رئيسها بالاستقالة لأنه تصرف كرئيس بلدية لليهود فقط».
ويضيف حليحل ان المهرجان البديل الذي أُقيم تحت شعار «عكا مش لحالها» وتم تنظيمه خلال أيام عيد المظلة، نجح بكسر الحصار الذي حاول اليمين فرضه على المدينة العربية: «كنا نخشى ألاّ ننجح بجلب الجمهور إلى الفعاليات، لكنني أقول لك إننا عجزنا عن توفير أماكن كافية للجمهور الواسع الذي وصل إلى المهرجان، وقد اضطرنا الامر إلى الاستعانة بشاشات عرض خارجية لنقل وقائع الأحداث الفنية لمن لم يتمكنوا من الدخول إلى القاعات». ويوضح: «وما ثبُت لنا من خلال استقبال عشرات وفود التضامن التي وصلت إلى المدينة لتدعيم نضال العكيين العرب في مواجهة اخطبوط العنصرية، أن عكا فعلاً مش لحالها».

ليست هناك تعليقات: