الخميس، 16 أكتوبر 2008

الزي التقليدي «دقّة قديمة» والكل يلحق بالركب

الناصرة (فلسطين) - وليد ياسين الحياة - 16/10/08//
المرأة لم تعد المستهلك الأساسي لمنتجات دور الأزياء. ولّى هذا الزمن. والفكرة بطلت... في الشارع الفلسطيني كما في معظم الأنحاء العربية الأخرى. وأصبح المظهر الخارجي «يسيطر» على عقول الرجال، تماماً مثل ما كان (ولا يزال) على عقول النساء. هذه النقلة أو هذا التغيير يبرز جلياً في أوساط الشبّان الذين، أكانوا في ضيق مالي أم ميسورين، يسمحون لتيار الموضة بأن يجرفهم. وهم، شباناً ورجالاً أيضاًً، يقفون أمام المرnة، ويطيلون النظر لتأمل الملابس التي خلعوها على أنفسهم، بوضعيات جسمانية مختلفة... قبل مغادرة البيت، وفي أذهانهم تخيلات لما سيقوله زملاء (وزميلات) في العمل أو الجامعة، أو ربما مارة في الشارع... عن ذوقهم في الملبس.وإذا كان المواطن الفلسطيني المتقدم في العمر لا يولي اهتماماً خاصاً لاختيار ملابسه، في الأيام العادية، تجده يسعى هو الآخر إلى الظهور بأجمل حلة في مناسبات عائلية ودينية، مثل الأفراح والأعياد، تعتبر فرصاً لتجديد مخزون الملابس لكل أفراد الأسرة.لا تسري هذه الملاحظة على كل أفراد المجتمع الفلسطيني وجماعاته، فالعامل الاقتصادي يؤثّر في قرار الفلسطيني المتعلّق بشراء الملابس أو الحاجات المنزلية والشخصية. وهناك عائلات فلسطينية كثيرة تغرق في الإعداد لشراء الملابس التي تليق بمناسبة ما، قبل أشهر من موعد حلولها. وهناك شرائح واسعة من عسيري الحال الذين لا تتيح لهم أوضاعهم شراء ملابس جديدة حتى للمناسبات. وهؤلاء يكتفون بما يتوافر في الخزانة، أو يلجأون أحياناً إلى استعارة قطع من أصدقاء أو أقارب لارتدائها في مناسبة عائلية مهمة، خصوصاً في الأفراح، إما احتراماً لأصحاب الدعوة، وإما لتفادي القيل والقال من قبيل «حضر بثياب رثّة»، وما شاكل ذلك.متاجر بيع الأزياء في الشارع الفلسطيني، تعاني أزمة بيع حقيقية معظم أيام السنة، ولا تشعر بالانتعاش إلا في أوقات محددة: موسم الأفراح، الذي يمتد عادة بين أيار (مايو) وآب (أغسطس)، وموسم الأعياد. وحتى خلال هذه المواسم، يواجه سوق الأزياء حالات صعود وهبوط متفاوتة.«الذكور هم آخر فئة يمكن أن تشكل مصدراً لرزقنا»، يقول صاحب متجر كبير للملابس في مدينة الناصرة، مضيفاً: «صحيح أن شباب اليوم بدأ يستوعب الموضة، فيما يزداد عدد الذكور الذين يقدمون على شراء الملابس، لكننا لا نلاحظ ذلك، وللأسف، إلا في مواسم الأعياد والأفراح. أما أكثر المبيعات فهي بلا شك من نصيب النساء، ولذلك يطغى التفكير بإحضار آخر صرعة للموضة النسائية، على تفكير غالبية تجار الملابس».الأزياء الأكثر انتشاراً في الشارع الفلسطيني، سواء في منطقة 48 أو منطقة السلطة الفلسطينية، هي الأزياء الغربية التي يطغى حضورها في المحال. وقلما تجد فلسطينياً يرتدي الزي التقليدي أو الشعبي الفلسطيني، إلا إذا تجاوز عمره الستين، أو في القرى والبادية التي ما زالت تحافظ على النمط التقليدي للحياة. وحتى بين أولئك الذين يواصلون ارتداء الزي التقليدي، تجد التأثير الغربي واضحاً. القمباز والروزة والدماية والحطة والعقال ذات التطريز الفلسطيني المميز... اختفت أو تكاد، وباتت من نصيب متاحف ومعارض التراث. وحل محلها الجلباب الأبيض و«الجاكيت»، من صنع غربي، وهما يحتلان مركز الصدارة في اللباس التقليدي. أما «الشروال» فلا يلبسه إلا المسنون، وغالباً ما يستعاض عنه بالسروال العصري لفقدانه في الأسواق. ولعلّ خائطيه، وخياطة الشروال صعبة، يختفون هم الآخرون.الحديث عن ارتداء الأزياء الشعبية في الشارع الفلسطيني يبدو كطرفة حين تطرحه على الشبان الفلسطينيين. رامي، من الناصرة، يضحك لدى سؤاله عما إذا كان مستعداً لارتداء الملابس الشعبية، ويقول: «إما انك تسخر مني أو تريد أن يهزأ بي الآخرون»، ويستدرك: «على رغم اعتزازي بانتمائي الفلسطيني لست مستعداً لذلك. ولا موقف لي محدداً من ذلك الزي، إلاّ أنه يعتبر «دقة قديمة». وسأبدو غريب الأطوار في مجتمع أصبح غربياً في كل مركباته».ولا يختلف موقف أمجد، ابن قرية عبلين، عن موقف رامي: «الأزياء الشعبية اختفت من حياتنا. وحتى لو رغبت في اقتنائها فلن أجدها في الأسواق، وإن وجدتها فهي أغلى ثمناً من الملابس الغربية بكثير، لأن تلك تعتبر من الكماليات، أو لنقلْ أثريات!».ولا يجافي قول امجد الحقيقة، ففي كل الأراضي الفلسطينية - منطقة 48، لا تجد مصنعاً واحداً يعنى بصنع الأزياء الشعبية الرجالية. أما في أراضي السلطة، فينكب الاهتمام على صنع الأزياء الشعبية النسائية، وحتى هذه لا تطابق الزي الشعبي الأصلي، وإنما هي مجرد تقليد لا يلبث أن تبهت ألوانه وتنسل خيوطه وتفقد رونقها.

ليست هناك تعليقات: