الخميس، 27 ديسمبر 2007

نهاية أسبوع تناقض قانون حرية العمل وتختلف عنها في الضفة والقطاع ... السبت يتحكم أيضاً بالفلسطيني في إسرائيل


حيفا – وليد ياسين الحياة - 27/12/07//
يخضع تحديد العطلة الأسبوعية في مختلف دول العالم إلى قانون العمل في البلاد، الذي يُحدد هذا اليوم بـــناء على مـــعايير متعددة تحترم الحقوق الإنسانية للعامل ولا تؤثر على ديمومة العمل وسوق الإنتاج. وغالباً ما ينسحب هذا الأمر على المواطنين من دون أي تمييز إلاّ في ما يخص ضرورات العمل القصوى.
أما في فلسطين المحتلة فالأمر يختلف اختلافاً شبه كلي، إذ يجد الفلسطيني نفسه خاضعاً لمعايير سياسية ودينية في تحديد يوم عطلته.
وفي شكل خاص يجد الفلسطينيون، من داخل منطقة 48 في الأراضي المحتلة أنفسهم مختلفين عن غيرهم من العرب، أو حتى عن الفلسطينيين الخاضعين للسلطة الفلسطينية. وإذا كانت غالبية الدول العربية تعتبر يوم الجمعة هو يوم عطلة نهاية الأسبوع الرسمي، ويضيف بعضها إليه الأحد، بحسب الانتماءات الدينية لمواطنيها. وفيما يعتمد الغرب يوم الأحد عطلة رسمية، يحتار الفلسطيني في منطقة 48، أي يوم يختاره لقضاء عطلته الأسبوعية.
فـ «إسرائيل» تعتبر يوم السبت، يوم العطلة الرسمي، في جميع المؤسسات الحكومية والمنشآت الصناعية والتجارية، على أنه اليوم «المقدس» بحسب الديانة اليهودية والذي يجب أن يُكرَّس للراحة والصلاة.
وسنت «اسرائيل» قانوناً خاصاً يُكرِّس السبت يوم الراحة للعمال اليهود، فيما تركت للمواطنين العرب حرية اختيار يوم عطلتهم، بين الجمعة أو الأحد.
وما زال القانون يثير حتى اليوم، جدلاً واسعاً في الأوساط العلمانية والدينية اليهودية في «إسرائيل». وقد شهدت أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية مناقشات حادّة اثر التماسات قدّمتها جهات علمانية طالبت فيها بإلغاء القانون وترك حرية اختيار يوم العطلة للمواطنين أنفسهم.
ويعتبر المعارضون لهذا القانون أن فرض المنع الجارف على تشغيل اليهود في يوم السبت يناقض قانون حرية العمل، الذي يعتبر أحد القوانين الأساسية في كتاب القوانين الإسرائيلي.
ورفضت المحكمة العليا الالتماسات كافة التي قُدِّمت إليها في هذا الشأن، واعتبرت في أحد قراراتها، على سبيل المثال، أن تحديد السبت يوماً رسمياً للراحة يأتي من منطلق «الدولة الديموقراطية التي تسعى إلى ضمان راحة العامل، وتقـوية العلاقات الأسرية في هذا اليوم».
وأضافت «أن الدولة الديموقراطية تأخذ في الاعتبار المشاعر الدينية في شكل يتم من خلاله تحديد يوم العطلة على أساس ديني وقومي».
زعزعة العلاقات الاسرية
وصحيح أن القانون الإسرائيلي يتيح للمواطنين الفلسطينيين اختيار يوم عطلتهم بين الجمعة والأحد، لكن الغالبية العظمى من العاملين الفلسطينيين يُضطرون، بإرادتهم أو بغير إرادتهم، لتعطيل أعمالهم يوم السبت، لكونهم يعملون في منشآت ومؤسسات يهودية خاصة أو رسمية. ما يعني أن مبدأ «تقوية العلاقات الأسرية» و«احترام المشاعر الدينية»، غير سارٍ عليهم كشريحة أساسية في المجتمع. إذ أن في غالبية المدن والبلدات العربية الفلسطينية داخل منطقة 48 تفتح المدارس أبوابها يوم السبت، ما يؤدي بالتالي إلى حرمان أرباب الأسرة من الاجتماع بأولادهم، أو التخطيط للاجتماع معاً في يوم أسري. وإذا ما أراد الفلسطيني في إسرائيل الخروج في نزهة مع أسرته، أو التخطيط لغداء عائلي، يُضّطر إلى الاختيار بين تعطيل عمله في اليوم الذي تُغلق فيه المدارس أبوابها، الجمعة أو الأحد، أو تعطيل أولاده عن دراستهم في يوم عطلته، السبت.
كما أنّ هذا القانون يحرم الكثير من المواطنين الفلسطينيين من أداء الشعائر الدينية، سواء يوم الجمعة للمسلمين والدروز، أو يوم الأحد، للمسيحيين، وهنا أيضاً سيتحتم على من يُقرِّر أداء الشعائر الدينية تعطيل عمله، وهذا يعني بالتالي خسارة مادية إذ أن يوم العطلة سيُخصم من راتبه الشهري.
يضاف إلى ذلك أن غالبية المواطنين في اسرائيل، عرباً ويهوداً، يُحرمون بســـبب قـــانون العطلة من مراجعة الدوائر الحـــكومية في أمورهم الخاصة التي تحتم زيارة هذه الدوائر، إذ أن غالبية هذه الدوائر تكون مغلقة يوم الـــسبت، ويضــطر من يريد مراجعة إحداها إلى تعطيل عمله في يــوم آخر من أيام الأســـبوع.
هذه المسائل مجتمعة، تضع عراقيل أمام «المواطنين» في إسرائيل، لكنها عراقيل مضاعفة بالنسبة للعرب الفلسطينيين الذين يكادون يولون، بسبب ذلك، أي اهتمام ليوم العطلة.
ونادراً ما تجد عائلة عربية تخطط ليوم العطلة، إلا لإحياء مناسبات خاصة. وهكذا، وبينما تجد غالبية اليهود فرصة في يوم العطلة للنزهة أو لأداء شعائرهم الدينية، ينشغل غالبية المواطنين العرب بأمور خاصة، بعيدة كل البعد من تقوية العلاقات الأسرية أو حتى ضمان الراحة.

الأربعاء، 10 أكتوبر 2007

بدأت بأغاني فيروز وجالت في أراضي 1948 ... أمل مرقس تحتضن عطر فلسطين وتراثها في «نعنع يا نعنع»

حيفا – وليد ياسين الحياة - 10/10/07//
تطلق الفنانة الفلسطينية أمل مرقس، هذا الأسبوع، ألبومها الغنائي الجديد «نعنع يا نعنع» الذي يشكل استمراراً لرسالة وطنية - تراثية حملتها أمل مرقس أمانة في عنقها منذ أطلت على المسرح في الخامسة من عمرها، لتغني الوطن وحجارته وأزهاره.
في عملها الجديد تتوج أمل مرقس أكثر من 30 سنة من العطاء الفني الملتزم. كانت انطلاقتها في أوائل السبعينات حين بدأت تظهر في المناسبات الوطنية، لتغني باقة من أغاني فيروز، خصوصاً الأغاني ذات الصلة بفلسطين وأهلها وحضارتها وأحلام المشردين، كـ «زهرة المدائن» و «جسر العودة» و «بيسان» و «شادي» وغيرها من «الفيروزيات» التي رددتها أمل في كل مناسبة، وتوجتها قبل سنتين في حفل خاص أحيته في الجليل تكريماً للسيدة فيروز في عيد ميلادها السبعين.

ألبوم «نعنع يا نعنع» مثل اسمه يضم مجموعة من أغاني التراث الفلسطيني التي جمعتها أمل من أنحاء فلسطين، خصوصاً منطقتي الجليل والمثلث. وهي أغان كانت إلى ما قبل سنوات تشكل العمود الفقري لحفلات الأعراس الفلسطينية، إلى ان جاءت ظاهرة فرق الغناء الخاصة بالأعراس، ومن ثم ظاهرة الـ»دي جي» التي شطبت الأغنية التراثية من حفلات الأعراس، وجعلتها في زاوية منسية.
من أحواض البيوت وحقول فلسطين وكرومها، تذهب أمل في ألبومها الجديد لتجمع آهات المرأة الفلسطينية عبر مجموعة من الأغاني التراثية التي كانت ترددها نساء فلسطين في وداع وفراق الأحباب. كأغنية «سكابا يا دموع العين» و»عذب الجمال قلبي»، وكذلك أغنية «يا أسمر اللون». ومن الفراق والوداع ، تنتقل أمل إلى حلقات الدبكة والرقص الشعبي لتقدم وصلات من الأهازيج الشعبية، والفرح بزفاف عريس وولادة طفل، ثم أغاني الشوق والحنين والأمل والبهجة وأغاني الحصاد والمناضلين، وصولاً إلى أغاني «الغيث» طلباً للمطر كي يروي الأرض لتخضّر الحقول وتزهر أحواض الورد والنعناع فتنبعث منها رائحة الوطن الباقي في قلب الفلسطيني.
وتقول أمل: «لقد اخترت الأغنيات الشعبية لأنها تستحق التخليد، ولا اقصد مجرد التوثيق إنما تقديم الأغنية بحلة جديدة لا تقتصر على التوزيع، فهناك إضافات على الأغنيات سواء في اللحن أو الكلمة وبرأيي فأن الأغاني جميلة جداً وإيقاعاتها تحرك الروح والجسم وهذه من ميزات الموسيقى الشعبية». وتعتبر أمل أنها تنقل من خلال ألبومها الجديد، رسالة إلى الجيل الشاب، «هدفي ليس التوثيق فقط، بل هناك أهمية لنقل المعلومات إلى الأجيال الشابة».
يشار إلى ان أمل بدأت عشية صدور ألبومها الجديد جولة من الحفلات داخل منطقة 48، بدأتها في قرية كفر قرع في المثلث، حيث قدمت وصلة من أغاني ألبومها الجديد في حفل أقيم لمناسبة شهر رمضان، و محطتها الثانية في قرية الطيرة في المثلث، حيث أحيت حفل تأسيس مؤسسة حسن بشارة الثقافية، وقدمت مجموعة من أغاني الألبوم. أما الحفل الرئيس الذي قدمت فيه باقة كبيرة من أغاني الألبوم فقد أقيم يوم الثلاثاء (9 أكتوبر) في منتجع ملاهي التوت في مدينة طمره. وستغادر أمل وفرقتها منطقة 48 نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الجاري إلى إسبانيا للمشاركة في مهرجان الأمل.
من منصة المناسبات الشعبية إلى الحلبة الدولية
ولدت الفنانة أمل مرقس عام 1968 في قرية كفر ياسيف الجليلية، وهي ابنة الناشطة النسائية نبيهة دلة مرقس والمناضل الفلسطيني نمر مرقس، أحد قادة الحزب الشيوعي ورئيس المجلس المحلي للقرية سنوات عدة. بدأت أمل الغناء في الخامسة من عمرها على منصة المناسبات الشعبية والوطنية، خصوصاً في قريتها. وكانت أول إطلالة لها على الجمهور الفلسطيني في الداخل عام 1979، حين شاركت وفازت بالجائزة الأولى في مهرجان أغاني الأطفال في بلدة طمره.
على مدار سنوات كرست أمل صوتها لأداء أغنيات السيدة فيروز، ولاحقاً، الأغاني الوطنية الملتزمة لفرقة العاشقين ومارسيل خليفة واحمد قعبور، وأدت خصوصاً الأغاني التي كتب كلماتها شعراء فلسطين. وفي العام 1986 بدأت أمل مرقس تغني أغانيها الخاصة الملتزمة مع زوجها نزار زريق الذي كان يكتب كلمات الأغاني ويلحنها.
درست أمل فن المسرح والأداء المسرحي والعمل أمام الكاميرا في معهد بيت تسفي وتخرجت منه عام 1990. وقدمت برامج تلفزيونية ذات طابع مميز منها «رفع الستار» الذي يهتم بالمشاريع الفنية والثقافية للفنانين الناشئين، في شكل خاص، ويغطي النشاطات الفنية والثقافية، وبرنامج «سهرة أمل» في إذاعة الشمس، الذي كرس للتعريف بالفنانين. كما شاركت في أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، منها «غصن الزيتون» في العام 1990 إلى جانب محمد بكري وسلوى نقارة، و»شارع سمسم»، و»أمل حارتنا»، و»أولاد حارتنا»، و»كان يا مكان»، و»بورتريت»، كما شاركت في الفيلم السينمائي الفلسطيني «درب التبانات» للمخرج علي نصار وفي مسرحية «الحلم رسام كبير» وهو عمل مسرحي غنائي راقص تؤدي فيه الدور الرئيس مع فرقة «نوعا دار» الإسرائيلية للرقص والمسرح الحديث. في سنة 2003 حازت أمل جائزة أفضل ممثلة في المهرجان العالمي لمسرح الأطفال في حيفا عن دورها في مسرحية «عودة سمسم».
في العام 1988، بدأت أمل مرقس خطوتها نحو العالمية حيث اختيرت ضيفة شرف في «الكونسيرت» الموسيقي الكبير الذي قدمته المغنية العالمية مرسيدس سوسا في مدينة تل أبيب، كما غنت في السنة ذاتها مع جوان بايز في حفل ضد الحرب أقيم في قاعة تسافتا في تل أبيب. وفي العام 1989، فازت أمل مرقس بالجائزة الأولى في مهرجان الأغنية في تل أبيب.
وفي العام 2000، حلت أمل ضيفة على حفل أقامته لها منظمة النساء الأميركية تقديراً لفنها، ومن ثم أحيت حفلاً في مقاطعة إفلينو في إيطاليا وشاركت في مهرجان يوبيل العائلة في الفاتيكان. وفي عام 2001 شاركت في حفل لفرقة الروك الإيطالية ستاديو وقدمت دويت «في الجنة معك»، كما غنت مع الفنان الألماني أوليفر شانتي وكذلك مع فرقة راديو دراويش. وتم اختيارها عام 2001 من التلفزيون النمسوي كأحد أجمل الأصوات في القرن العشرين، بعد اشتراكها في الفيلم الموسيقي الذي أنتجه التلفزيون النمساوي بعنوان احتفال البريمادونا والذي أخرجه الموسيقي أندرو هيلر.
في عام 2002 شاركت في مهرجان «نصغي لموسيقى العالم» في البرازيل، ومهرجان الموسيقى العرقية العالمية في ايطاليا، ومهرجان النساء العالمي في اسبانيا، ومهرجان باث العالمي في بريطانيا، ومهرجان الموسيقى العالمي في لوكسمبورغ، ومهرجان المدينة في تونس.
وفي عام 2003 شاركت في مهرجان ويمكس سيفليا في اسبانيا، وفي عام 2004 شاركت في مهرجان كامبينوس في البرازيل، ومهرجان دول الساحل (زنزيبار- تانزانيا) ومهرجان ثقافات العالم في ايرلندا. وفي عام 2005 أحيت حفلاً مع الفلهارمونية الملكية ليفربول في انكلترا.
كما شاركت في العديد من المهرجانات المحلية الفلسطينية والإسرائيلية.

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2007

مونودراما تروي قصة والده يجسّدها أياد شيتي ... ناظم الشريدي يختصر حياة ثوار فلسطينيين في «حرية»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 25/09/07//
... «حرية» هو الاسم الذي أطلقة المخرج الفلسطيني ناظم الشريدي، من مدينة أم الفحم (فلسطين 48)، على المونودراما المسرحية التي تروي قصة والده محمد يوسف الشريدي، الذي رحل في المملكة العربية السعودية أثناء سفره لأداء العمرة، قبل 15 سنة، فووري الثرى في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.
و»حرية» هو الاسم الذي كان المرحوم قد أطلقه على إحدى بناته، تيمناً بأغنية محمد عبد الوهاب «أحب عيشة الحرية» التي كان يردّدها الشريدي في زنازين السجون الإسرائيلية التي أمضى فيها قرابة عقد من عمره، بسبب نضاله، كما يقول نجله المخرج ناظم الشريدي، مضيفاً ان والده اختار له اسم ناظم تيمناً بالشاعر التركي ناظم حكمت، واختار لشقيقته الثانية اسم فالنتينا، تيمناً برائدة الفضاء السوفياتية فالنتينا تيريشكوفا. بدأ الشريدي الأسبوع الماضي عرض «حرية» على خشبة المسارح العربية في منطقة 48، بعد قرابة شهر من العرض الأول الذي أقيم على خشبة المسرح في مدينته أم الفحم، أثناء مراسم إحياء مرور 15 سنة على رحيل والده.
وكان من المقرر أن تشارك «حرية» في مهرجان «مسرحيد» الذي أقيم في مدينة عكا على الساحل الفلسطيني الشهر المنصرم، لكن المخرج شريدي والممثل المسرحي إياد شيتي، فوجئا بقرار تحييدها من المسابقة الرسمية، لأسباب لم يرافقها أي توضيح من جانب إدارة المهرجان. لكن هذا الغموض سرعان ما يتلاشى إذا ما عرفنا تاريخ الشخصية الوطنية التي يتناولها هذا العمل.
فمحمد يوسف الشريدي اللاجئ من قرية اللجون الفلسطينية المهجرة، كان ثائراً عنيداً، عمل تحت قيادة عز الدين القسام ومن ثم في فصائل الثوار الفحماويين أمثال يوسف الحمدان، وعلي الفارس، الذين أشعلوا فتيل الثورة في أم الفحم واللجون ووادي عارة ضد الانتداب البريطاني والهجرة الصهيونية إلى فلسطين. ولم تهدأ شوكة الشريدي بعد النكبة، فخاض طوال فترة الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على الأقلية الفلسطينية في منطقة 48، نضالاً عنيداً في صفوف الحزب الشيوعي ضد التمييز والاضطهاد القوميين واعتقل مراراً في الزنازين الإسرائيلية، فعذب، لكــنه لــم يتــراجع. من هــنا لا نــعتقد بــأن قــرار تحييد المسرحية من مهرجان ترعاه وزارة إسرائيلية يعتبر أمراً غامضاً، بل نجده مستهجناً بخاصــة إذا ما عــرفنا ان القائمين على هذا المهرجان، وبينهم مســرحيون فلســطينيون من الداخل، تــغاضوا عــن هــذا القــرار وواصــلوا مــهرجــانــهم مــن دون إطــلاق أي صــوت معــارض!
في «حرية» يتابع الشريدي تفاصيل المعاناة التي عاشها والده والآثار التي خلفتها في أسرته، اعتماداً على أقوال شهود جمعها من رفاق والده وأسرته، وتفاصيل عاشها شخصياً في طفولته. ويقول أن «الهدف من هذا العمل هو تعريف الأجيال الصاعدة بهذا الموروث النضالي الملحمي لأبـــي فــي شكـــل خــاص، ولمـــسيرة ســنوات الجمــر التــي عاشــها شــعبنا الفلسطيني عموماً بدءاً من عهد الأتراك، مرورًا بالانــتداب البــريطاني ووصولاً لنكــبة فلســطين ومــن ثم مــلاحــقة إســــرائيل الشــيوعيين الأحرار وزجهم في السجون أبان الحــكم العسكري فــي الخمســينات والســتينات، والتــي دفــع أبــي ثمــنها ثماني سنوات ونــصف ســنة من عــمره في الــــسجون الإســرائيلية».
الممثل الحيفاوي إياد الشيتي حمل على كاهله عبئاً ثقيلاً بموافقته على القيام ببطولة المسرحية وحيداً، حيث اضطر إلى تقديم 25 شخصية مختلفة رافقت سيرة حياة المناضل الفحماوي، يقول «كان الأمر صعباً خصوصاً في ما يتعلق بالتمييز بين كل شخصية والتحوّل من شخصية الى أخرى بانسياب ومن دون فواصل». ومن المــصاعب الــتي واجهها، إتــقان لــهجة أهل المثلث التي تختلف كثــيراً عــن لــهجته الحــيفاوية. وقد واجه صعوبة واضحة في نطق حرف الكاف، الذي ينطقه أهل المثلث «تشاف». ويعتبر ان لغة المسرحية كانت بمثابة تحدّ ودراسة له. المسألة الأخرى التي يقول انه استصعبها في العمل تكمن في حقيقة ان بعض الشخصيات التي يتناولها العمل ما زالت على قيد الحياة وان الشخصية الرئيسة هي شخصية والد المخرج والكاتب ويجب الامتناع عن ارتكاب أي خطأ قد يمس بهذه الشخصيات.
بالنسبة إلى إياد شكّل هذا العمل تحدياً كبيراً «ومراهنة على كل ما أملك من موهبة». لــكن إيــاد بــموهبته المميزة نجح في أداء الــشخصية على رغــم كل المــصــاعب التــــي واجــهها.

السبت، 8 سبتمبر 2007

قصص سلام الراسي على مسرح الميدان في حيفا ... «حكي قرايا وحكي سرايا» من صلب تراث بلاد الشام

حيفا – وليد ياسين الحياة - 08/09/07//
«حكي قرايا وحكي سرايا»، هو المؤلف الثالث من سلسلة الأدب الشعبي التي كتبها الاديب اللبناني الراحل سلام الراسي، نقلاً عن حكايات وقصص جمعها من ذاكرة الناس، وقدمها إلى القراء على ألسنة «أبطاله» الشعبيين، من العامل والفلاح والمعاز والإسكافي والناطور والمختار ورجل الدين والسياسة.
استحضر الراسي تلك الشخصيات من المحيط القريب، من بلدته ابل السقي (جنوب لبنان) وغيرها من بلدات الريف اللبناني. لكن تلك الحكايات لم تكن لبنانية فحسب، بل جمعت تراث أرض الشام كلها. لذلك نجد الفلسطيني يتجسد في كثير من ذاك التراث، وربما، كان هذا التلاحم هو الذي دفع الفنان الفلسطيني الشاب ميلاد عازر، ابن قرية الرامة الجليلية القريبة من الحدود اللبنانية، إلى اعداد عمل مسرحي يستحضر الراسي وحكايات القرايا والسرايا على مسرح الميدان في مدينة حيفا.
غالبية الأمثال والحكايا الشعبية التي اعتمدها عازر يرددها الفلسطينيون ويحفظونها من جيل إلى جيل. وليس صدفة أن احدى الممثلات في العرض ، حنان حلو، قالت أنها استعانت بشخصية جدتها وصديقاتها في تجسيد الشخصيتين اللتين قدمتهما في المسرحية: شخصية «شكرية» وشخصية «أم منصور» التي تنتظر عودة زوجها من السفر الطويل. فالجدات عايشن ردحاً زمنياً من الفترة التي تتناولها أحداث المسرحية وهن خير شاهدات على تلك الايام.
يمثل أبطال المسرحية مختلف الشرائح التي نقل الراسي عنها، ما جمعه من «حكي القرايا وحكي السرايا». أبو جميل وأم منصور وأبو طشطش وأم طشطش وعساف الجلالاتي ولطيفة والعم مخول وأبو كايد والخوري الياس، ورجب شاويش وحسن أفندي وغيرهم، كلها شخصيات تتلاقى على مسرح قرية صغيرة في جنوب لبنان فترة الحرب العالمية الأولى واستبداد النظام العثماني.
يتمحور الحدث في المسرحية حول شخصية عسّاف، صانع سروج الحمير والزوج الشاب العاجز والمحب لزوجته، الذي يتهرّب من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني بعد دفعه رشوة الى الحاكم التركي وحصوله مقابلها على شهادة الجنون. ولكي لا يقع عساف في ايدي رجال النظام العثماني، ينتحل شخصية الزير سالم ويمتطي جواداً وهمياً ويلف ارجاء القرية في رحلة هدفها اقناع اهلها، وبينهم زوجته لطيفة، بجنونه.
خلال الرحلة يتعرف المشاهد على حياة أهل القرية وصراعاتهم وشخصياتهم وأفكارهم بكل مركباتها: الحب، الحسد، الكرم، وغير ذلك من تقاليد ومشاعر وعادات تعكس فلسفة الحياة الريفية.
سار مُعد ومخرج المسرحية نبيل عازر في عمله هذا على الخطى الكوميدية التي انعكست في كثير من الحكايات والامثال التي وثقتها مجموعة الراسي التراثية، فجاءت المسرحية في قالب كوميدي رسم صورة واسعة للعلاقات الاجتماعية بين أهل القرية.
استطاع عازر ان ينقلنا بعمله، إلى أجواء القرية بمفهومها الشعبي، لكن بالغ في بعض المشاهد، كالمشهد الافتتاحي الذي يكثر فيه الصراخ والشجار بين أبطال المسرحية (أهل القرية) كما لو ان ذلك هو الجو المميز للحياة القروية.
ونجح في جعل المتلقي يعايش فترة زمنية محددة، ذات ارتباط بالتراث الشعبي لمنطقة الشام. لكنه على رغم ان المسرحية يفترض ان تعرض من خلال شخصيتها المركزية صراع الفقراء مع السلطة الجائرة، ونقل «حكي القرايا وحكي السرايا» بواقعه المعيشي، الا ان هذه الحلقة كانت ضعيفة في النص الدرامي، ولم تظهر بوضوح للمشاهد، وبدلاً منها ظهر التركيز واضحاً على مقارنة مثيرة للسخرية بين حياة القرويين البسطاء وفلسفة الساسة، التي مثلها المجنون وزوجته.
ولم ينجح حنا شماس (عساف) في كثير من المواقف بإقناع المتلقي بمفاهيمه السياسية وظهر ممثلاً لفئة بسيطة اكثر من كونها فئة قادرة على التوجيه والقيادة في المعركة ضد التجنيد القسري الذي فرضه النظام العثماني على اهل الشام.
وكانت هناك شخصيات اخرى لم تقنع المتلقي بأدوارها، اللهم الا اضحاكه من الشخصيات التي تمثلها، ما قاد بالتالي إلى افراغ النص المسرحي في كثير من المواقف، من مضمون هادف وانحصاره في طرفة او حكاية مثيرة للسخرية.
على رغم ذلك، يمكن القول ان تجربة «حكي قرايا وحكي سرايا» تجسد محاولة اخرى من المسرح الفلسطيني داخل منطقة 48 لتقريب الجمهور من ذاته وواقعه. وهي، وان لم تكن بمستوى اعمال سابقة قدمها مسرح الميدان، الذي يعتبر اول مسرح محترف في منطقة 48، تبقى تجربة ذات طابع آخر في العمل المسرحي المحلي، من ابرز سماتها البحث عن عمل يأتي من المحيط الذي يعيشه المتلقي، من الشارع والزقاق والبيدر، وليس من حلبات غريبة او بعيدة من واقعنا اليومي، وهو ما شاهدناه في كثير من الاعمال التي قدمتها مسارح فلسطينية محلية، لجأت إلى نصوص اجنبية وحاولت تقريبها إلى واقعنا فنجحت حيناً واخفقت احياناً.

الخميس، 6 سبتمبر 2007

المنهاج التعليمي الفلسطيني الجديد... «إلى النور»!

حيفا – وليد ياسين الحياة - 06/09/07//
مع انطلاق العام الدراسي الجديد تبدأ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تطبيق ما يُعرف بـ «الخطة الخماسية الثانية» (2007-2011)، ويفترض ان تكون قد استكملت المنهاج الفلسطيني الذي يعتبره رجال التربية من أهم الإنجازات التي تحققت خلال فترة زمنية قصيرة، على رغم كل التحديات وعدم الاستقرار الذي يشهده المجتمع الفلسطيني.
وتأتي الخماسية الثانية مكملة لـ «الخماسية التطويرية الأولى» (2001- 2005) التي وضعتها الوزارة بعد تسلمها مسؤولية التعليم الفلسطيني عام 1994. وإذا كانت الخماسية الأولى قد جاءت لتطوير القطاع التعليمي وبناء ما تم تدميره من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات التعليمية، فقد جاءت الخماسية الثانية للانتقال بالتعليم الفلسطيني إلى مرحلة التخطيط الشامل والربط بين الحاجات التربوية وحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر رجال التربية والتعليم في الضفة الغربية وقطاع غزة، الخماسية الثانية «فرصة لتطبيق مفهوم التخطيط الاستراتيجي الذي تم تبنيه في العام 2000»، ويسعون إلى تحقيق ذلك بعيداً من الانقسام الذي يشهده الشارع الفلسطيني بفعل الصراع بين «فتح» و «حماس».
وكانت القاعدة الأساسية للخماسية الأولى تمحورت حول ضمان التعليم كحق إنساني، واعتباره أساساً للمواطنة وأداة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية.
وتعتبر الوزارة ان تلك الخطة حققت العديد من الإنجازات التربوية كبناء المنهاج الفلسطيني الذي يُعبّر عن احتياجات الطلبة ومتطلبات مجتمعهم ويوحّد النظام التعليمي، ويحلّ مسألة الازدواجية في الضفة وغزة، وساهم في زيادة عدد المدارس وتقليص معدل التسرب. وتهدف الخماسية الثانية إلى تحقيق التطور النوعي بما ينسجم مع احتياجات الواقع الفلسطيني ومعطيات عصر التكنولوجيا.
ويولي رجال التربية والتعليم الفلسطيني أهمية بالغة لتطبيق المنهاج الفلسطيني الذي «يركز على تنمية القيم والاتجاهات وكشف الذات الإبداعية للطالب من خلال تنويع الأساليب واستخدام الوسائل التعليمية المساندة»، على حد قولهم. وتعتبر الوزارة ان المنهاج يعدّ «أساساً مهمّاً لبناء السيادة الوطنية للشعب الفلسطيني، كي يأخذ مكانه بين الشعوب».
ويرى مسؤولون في وزارة التربية أن المنهاج الفلسطيني يرعى التطورات التربوية الحديثة من خلال إدخال تعليم اللغة الإنكليزية وتدريس التكنولوجيا والصحة والبيئة في المراحل الأساسية وإدخال منهاج التربية المدنية لتعريف المواطن بحقوقه وواجباته.
إلاّ أن جزءاً من المعلمين الفلسطينيين يرون أن لا بد من ادخال مادة تنمي المهارات الدراسية، على المناهج الجديدة، من أجل الطلاب الذين يعانون ضعفاً في هذه المهارات. وتـصف المعلمة هيفاء الأسعد المنهاج التعليمي بـ «الأسد ملك الغاب إلاّ أنه عاجز عن الحركة بسبب تقييده في قفص». وتضيف: «قُيّد المنهاج الفلسطيني بعدد الحصص التدريسية القليل».
وتدعم ذلك المدرسة سلام ياسين التي ترى ان «اكتظاظ المنهاج لا يتيح للتلميذ التدرب على المهارة في شكل كافٍ». من جهته المدرس سمير النجار يعتقد ان المنهاج الفلسطيني «أهمل جوانب مهمة كاستخدام الوسائل التعليمية التكنولوجية التي تفتقر إليها المدارس الفلسطينية». ويضيف ان الكتاب لن يحقق الطموح المتوخى «إذا لم يتم تزويد مدارسنا بأدوات التكنولوجيا الحديثة».
ويرى مسؤولون تربويون ان للأهل دوراً في مساعدة أولادهم على فهم المنهاج التدريسي، ويدعو هؤلاء إلى عقد لقاءات مع الأهالي لتأهيلهم من أجل المساعدة في تعليم أبنائهم ومحاولة التغلب على الصعوبات، إلاّ أن هذا الرأي لا يلقى ترحيباً واسعاً في صفوف جهات تربوية أخرى تؤكد أن المنهاج الجديد «عصي على الفهم».
أما وزارة التربية فترى ان الخطة الدراسية هي دليل المعلم ويستطيع من خلالها انهاء المادة التعليمية في شكل يضمن استيعابها من قبل الطلاب لئلا يقعوا فريسة للإحباط والملل والتسرب المدرسي.

الاثنين، 27 أغسطس 2007

... و«المداومة» لا تعني بالضرورة إنتاجية

حيفا - وليد ياسين الحياة - 27/08/07//
تحت أشجار الزيتون المتبقية من قرية الساخنة المهجرة، قرب بيسان، وعلى ضفاف القناة التي تحولت إلى منتجع سياحي يجذب آلاف المصطافين صيفاً، جلست عائلة أبو محمود، ومن حولها عشرات العائلات العربية واليهودية التي جاءت للاستجمام، قبل أقل من أسبوعين على انتهاء العطلة الصيفية. على وجوه الموجودين هنا تلمس مشاعر الفرحة، لكن حين تسألهم رأيهم في العودة إلى أعمالهم ومدارسهم، تسمع أصوات التذمر تنبعث من كل صوب، من الطفل ابن السادسة، الذي سيبدأ مرحلة جديدة من عمره، مع انطلاق السنة الدراسية في مطلع أيلول (سبتمبر)، وحتى الأب، الموظف في مصنع للفولاذ والذي سيرجع هو الآخر إلى عمله الشاق وما يرافقه من استيقاظ مبكر والتزام بساعات العمل والمواعيد المحددة. أبو محمود في السابعة والأربعين من عمره، أنجب ستة أولاد، أكبرهم في الثانية والعشرين ويدرس في الجامعة، وأصغرهم في السادسة. يعمل في المصنع منذ 20 سنة، لكنه لا يشعر بأي انتماء إلى مكان عمله. يقول: «استيقظ في الرابعة صباحاً كي أتمكن من الوصول إلى عملي في السادسة، وأتحمل الشقاء طوال ساعات النهار فقط من أجل لقمة الأولاد وتعليمهم، لكنني لا اشعر بأي انتماء إلى هذا المكان، لأنني أكد وأشقى كي تزيد أرباح أصحاب المصنع، ولذلك لا يهمني كيف امضي النهار، سواء كان عملي منتجاً أو لا».
ولا يخفي أبو محمود انه يماطل في تنفيذ عمل ما، أحياناً، نتيجة هذا الشعور، على رغم إدراكه لاحتمال فصله من العمل إذا ما تأخر يوماً عن عمله أو غادر قبل انتهاء دوامه: «لا تهمني قيمة الإنتاج اليومي للمصنع، فكل ما ننتجه يدر أرباحاً صافية عليهم بينما يدفعون لنا الفتات».
بعد أسبوع تنتهي إجازة أبو محمود وسيرجع إلى روتين حياته اليومي. الاستيقاظ المبكر، الوقوف وراء ماكينة الإنتاج والنظر بين الحين والآخر إلى ساعة يده، بانتظار أن يحين موعد انتهاء الدوام. وبعد أسبوعين من الإجازة التي استغل غالبيتها في النوم والاسترخاء، يشعر أبو محمود الآن وكأنه يحمل جبلاً على كتفيه. «لا اعرف بعد هذه الاستراحة كيف سأعود إلى روتين العمل اليومي»، يقول وهو يطلق زفرة، يتبعها بحمد الله، ثم يلقي بجسده على الأرض ويتمنى لو تطول العطلة شهراً آخر.
على مقربة من مجلس عائلة أبو محمود اجتمع عدد من طلاب جامعة حيفا الذين وصلوا هم أيضاً للاستجمام، بعد انتهاء الامتحانات. هذه السنة لم يشعر هؤلاء بالعطلة الصيفية، فبسبب الإضراب في الجامعات عشية انتهاء الفصل الدراسي الأخير، اضطروا لإمضاء جل العطلة الصيفية في الدراسة والامتحانات.
ماري حداد أنهت السنة الجامعية الأولى وانضمت إلى رفاقها في رحلتهم. ويستفزها السؤال عن اقتراب العودة إلى الدوام، فتهب واقفة وتقول بلهجة عتاب: «يا أخي اتركنا نستمتع ولو في هذا اليوم، لماذا تذكرنا بالدوام والالتزام وتعكر صفو هذا الجو؟». ويرد عليها احمد، زميلها على مقعد الدراسة: «بالعكس، صحيح أننا لم نشعر بالعطلة الصيفية، لكنني اعتقد بأن الدوام الجامعي والالتزام بالمواعيد مسألة في غاية الأهمية». وراح احمد يلقي على رفاقه «محاضرة فلسفية»، على حد تعبير العديد من زملائه، حول الدوام والانضباط ومساهمته في رفع قوة الإنتاج.
ويرى احمد ان «الإجازة مطلوبة للاستراحة، لكنها يجب ألا تطول لأنها تفقد الإنسان الحيوية والنشاط وتجعله يتراخى ويفقد الرغبة بالعودة إلى مزاولة عمله أو دراسته، وبالتالي تقل قوة الإنتاج وينهار الاقتصاد والمجتمع». غير بعيد من احمد و «فلسفته الإنتاجية» شابان يجلسان حول طاولة الطعام على ضفاف البحيرة. كان الكسل باد عليهما، بكل المعايير. لم يخرجا في إجازة صيفية، لكنهما قررا الخروج في عطلة ليوم واحد للاستجمام. احدهما رائد، في العشرين من عمره يملك كشكاً لبيع الطعام السريع، والآخر محمود، يعمل أجيراً في البناء. رائد لا يولي الانضباط والالتزام بالمواعيد أي اهتمام: «أنا اعمل مستقلاً، أنام متى أشاء واعمل متى أشاء». أما محمود فيعتبر الأمر مسألة جدية: «صحيح أنني اعمل أجيراً لكنني التزم بمواعيدي وبدوامي، لأنني أريد بناء مستقبلي، وإذا لم اعمل اليوم وأنا بكامل قواي، فكيف سأعيش غداً؟».
مع ذلك يتذمر محمود من ساعات العمل الطويلة وما يصيبه من إرهاق: «أحياناً نعمل عشر ساعات متواصلة، وأحياناً أكثر، صحيح أننا نتقاضى مقابل الساعات الإضافية أجراً مضاعفاً، لكن الجسم لم يعد يحتمل، والحقيقة أنا احسد رائد على حريته».
الخبير الاقتصادي اشرف حمدان، يقول عن الالتزام بالمواعيد ومدى ارتباطه بمفهوم الإنتاجية: «لا شك ان هناك علاقة متينة بين الانضباط والالتزام بساعات الدوام والقوة الإنتاجية للإنسان. سواء كان الإنسان يعمل لنفسه أو للغير، فان عليه الالتزام بجدول عمله وبساعات دوامه، وتقديم المطلوب منه، لأنه في النهاية يتقاضى أجراً، كان مادياً أو غير ذلك، وبرأيي فان الوفاء بالمواعيد والالتزام بالدوام هو من الآداب المهنية التي تساهم في إحداث التقارب والاطمئنان بين العامل ومشغله أو بين الطالب ومعلمه، وبلا شك فإنها تساهم في رفع قوة الإنتاج، ولا اعتقد بأن الإجازة يجب ان تؤدي إلى الكسل والتراخي بل هي فرصة ليستعيد فيها الإنسان قوته وحيويته ويعود إلى مزاولة عمله بنشاط اكبر».

الاثنين، 20 أغسطس 2007

لقاء يجمع الأضداد للسنة السادسة ... إسرائيليون وفلسطينيون «في الطريق إلى المصالحة»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 20/08/07//
في زمان يعجز فيه قادة العالم عن تحقيق التقارب بين الإسرائيليين وجيرانهم الفلسطينيين، ويشتد الصراع وسط قرع طبول الحرب التي لا تهدأ، تحاول مجموعة من الشبان الإسرائيليين والفلسطينيين، تدعمهم جهات دولية، لتحقيق هذا التقارب ولو لأيام قليلة، على مقربة من مدينة القدس، التي تشكل أكثر نقاط الصراع سخونة في الشرق الأوسط.
المكان: كرم الزيتون في دير اللطرون على مداخل مدينة القدس، والحدث: مهرجان «في الطريق إلى المصالحة»، وهي عبارة قد تضلل سامعها أو يتجاوزها باعتبارها باتت ممجوجة لكثرة تكرارها، لكن محاولة لسبر أغوار الحدث تقودك إلى تلك المجموعة من البشر التي أخذت على عاتقها محاولة البحث عن طريق للتفاهم، «علها تشكل رسالة تقول للقادة انه يمكن التعايش جنباً إلى جنب»، حسب ما يقول الملحن غابرييل مئير (41 سنة)، الشريك المؤسس من الجانب الاسرائيلي لهذه المجموعة.
للوهلة الأولى، قد تخطئ الظن حين تنظر إلى تلك المجموعة الكبيرة من الناس التي احتضنها كرم الزيتون وتعتقد انك في مهرجان آخر من مهرجانات الترفيه التي يكثر عقدها هذه الأيام، كما يمكن للشعار الذي يتوج هذا الحدث «إسرائيليون، فلسطينيون وأردنيون يلتقون وجهاً لوجه، لثلاثة أيام من الحوار والورش والموسيقى والحياة المشتركة» ان يضللك أيضاً، ويجعلك تعتقد ان الحديث يدور عن نشاط آخر لمجموعة يسارية، لكن حين تصل إلى المكان وتتعرف على الوجوه من قرب تختلف النظرة، بل تكاد لا تصدق ما تشاهده بعينيك: فلسطينيون يرزحون تحت نير الاحتلال ويقاتلونه، يجلسون جنباً إلى جنب، مع إسرائيليين يخدمون في الجيش الذي يضطهدهم، ويستمع احدهم إلى رواية الآخر، لا بل تصاب بالدهشة حين تجد بين الإسرائيليين مجموعة كبيرة من المستوطنين الذين يقيمون بالقوة على أرض الفلسطينيين ولا يتورعون عن اللجوء إلى السلاح واستخدام أقذر الأساليب لسلبهم أرضهم وحقهم بالحياة.
فكرة «المصالحة» ولدت خلال لقاء جمع بين الفلسطيني الياس جبور، من مدينة شفاعمرو في الجليل، والملحن الاسرائيلي، من أصل أرجنتيني، غابرييل مئير. في اللقاء الأول الذي عقد قبل ست سنوات في إحدى البلدات اليهودية في الجليل، شارك قرابة 150 مواطناً عربياً ويهودياً. لكن هذا العدد تضاعف عشرات المرات في المهرجانات الثلاثة الأخيرة، وحسب معطيات المسؤولين في الجمعية تراوح العدد بين خمسة وستة آلاف شخص جاؤوا من إسرائيل، عرباً ويهوداً، ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، وانضم إليهم عدد قليل من الأردنيين.

ولا تتوقف المشاركة على أبناء المنطقة الذين يواجهون الصراع مباشرة، فهم وكما في كل عام، يحظون بمساندة قيادات روحية ودينية من الهند والتيبت وايرلندا والسنغال ومناطق أخرى في العالم تنتشر فيها مثل هذه المجموعات، ويبرز بين الحضور سنوياً ممثل زعيم التيبت الدالاي لاما. أما البرنامج فمتنوع تنوع الشركاء، فإلى جانب ورشات الحوار وتعلم الشعر العربي والعبري والروحانيات تجد حلقات الموسيقى والغناء والرقص التي تمزج بين الشرق والغرب، والى جانب ذلك خيمة للصلوات تجمع المؤمنين من مختلف الديانات. ومن الورش المهمة التي ركز عليها المبادرون، ورشة لإسرائيليين وفلسطينيين شاركوا في «دائرة العنف» وقرروا الانتقال إلى النضال غير العنيف والحوار. كما كانت هناك ورشة تحدث فيها جنود خدموا في جيش الاحتلال وقرروا كسر حاجز الصمت وكشف ما يحدث في المناطق المحتلة، إضافة إلى ورشات حول ارتباط الإنسان بالأرض، كرست لمعاناة عرب النقب. ويركز المبادرون على جيل المستقبل فينظمون حلقات ولقاءات خاصة لأولاد الشعبين، «لأن هؤلاء يشكلون الثمرة التي نعتمد عليها» يقول ايهاب بلحة (38 سنة) الذي يشغل منصب مدير الجمعية.
ويؤكد غابرييل «ان المصالحة» لا تعني ان الصراع قد انتهى وان الاحتلال زال، لكنها محاولة تقول للجميع ان من يريد السلام يمكنه الوصول إليه، ولتحقيق ذلك يجب الجلوس مع الخصم، من يخالفك الرأي والتفكير، ومحاولة الوصول إلى مجال متكامل من التفاهم والأمن بعيداً من العنف».
ويضيف: «كلنا بشر، والإنسان يبقى إنساناً، وهو ما يجمعنا في هذا المكان. هنا تجد عائلات فلسطينية قتل أولادها بنيران إسرائيلية، والى جانبها تجد عائلات إسرائيلية قتل أولادها بنيران فلسطينية، تجد شباناً فلسطينيين طاردهم الجيش الاسرائيلي وقمعهم إلى جانب إسرائيليين خدموا سابقاً في الجيش وجاءوا إلى هنا بعد خلع بزاتهم العسكرية لسماع الطرف الآخر».
ويرى غابرييل ان هذا اللقاء يهدف، أيضاً، إلى «التعرف على ثقافة الآخر ومحاولة فتح شباك للتقارب وتجهيز الشعبين للتعايش»، وهذا في رأيه لن يتحقق «إذا لم يفهم الاسرائيلي ما تعنيه النكبة بالنسبة الى الفلسطيني، ولم يفهم الفلسطيني ما مر به اليهود خلال الحقبة النازية».
لتحقيق هذا الهدف يبادر المنظمون إلى لقاءات بين مجموعات شبابية فلسطينية وإسرائيلية مغلقة، في مناطق نائية، بعيداً من الاعلام والأحداث. وكان اللقاء الأخير لهذه المجموعة عقد في آذار الماضي في صحراء النقب، مدة خمسة أيام، حاول خلالها المنظمون إحداث تغيير في الآراء المسبقة لكل طرف وتحقيق التقارب «على طريق بناء قيادات شابة تساهم في تغيير الأوضاع» كما يقول ايهاب. ويضيف: «أنا اعرف ان الأمور ليست سهلة وان قطف الثمار لن يتم بين ليلة وضحاها، لكن علامات التأثر التي شاهدناها على وجوه الشبان وهم يستمعون إلى بعضهم البعض، منحتنا الأمل بأن هذه الثمرة ستنضج على رغم ان انفتاح الشبان لم يكن متكاملاً». وبرأي إيهاب، فان «الأحداث الأخيرة بين «فتح» و «حماس» في قطاع غزة وسقوط القتلى، زاد من عدد الفلسطينيين الراغبين بالتوصل إلى حل للصراع وتحقيق التفاهم مع الإسرائيليين». لكن نسبة الفلسطينيين الذين شاركوا في لقاء هذا العام، كانت ضئيلة إذا ما قورنت مع العدد الكلي للمشاركين، 350 شخصاً من أصل 6000، بحسب معطيات المنظمين. ويرجع ايهاب السبب إلى رفض سلطات الاحتلال منح تأشيرات دخول لقسم من المدعوين الفلسطينيين.
وعن هوية الفئات المشاركة في هذا اللقاء، يقول ايهاب: «نحن لسنا مجموعة سياسية، بل أناس نرغب بالحوار بين الجميع، لذلك تجد هنا أوساطاً تنتمي إلى «فتح» و «حماس» من الجانب الفلسطيني، ومقابلها جهات تنتمي إلى المستوطنين واليمين واليسار بل والفئات الإسرائيلية المتزمتة كحركة «كهانا»!
العنوان الذي توج به المبادرون دعوتهم الى هذا اللقاء الذي عقد أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس (13 و14 و15 آب) تحدث عن مشاركة أردنية في اللقاء، لكن ايهاب يقر بأن المشاركة الأردنية ما زالت ضئيلة «نعرف ان هناك حساسية وإشكالية في الأردن لكن هناك مجموعة تؤمن بالحوار بين البشر، وفي الوقت ذاته تهمها القضايا العالقة بين الشعبين كالقدس وحق العودة وغيرهما».
هي السنة السادسة على التوالي التي يعقد فيها لقاء «المصالحة»، وعلى رغم أنها «مصالحة» موقتة، ولا تترك أي أثر في نفوس أصحاب القرار، إلا أنها، برأي ايهاب، «محاولة لرسم الطريق، وإفهام القادة إمكانية تحقيق التغيير».

الخميس، 9 أغسطس 2007

صيف الأطفال الفلسطينيين لـ «جمع حفنة من الشواقل»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 09/08/07//
لم يخطر في بال ياسمين أبداً أنها ستتمنى العودة إلى مدرستها في أوج العطلة الصيفية، فالعطلة بالنسبة اليها هذا العام، «كانت مملة وليتها لم تأت»، تقول وتنظر إلى صديقتها ناريمان، وكأنها تحضها على الإدلاء برأيها. إلاّ أن ياسمين لا تجد صدى لموقفها من العطلة لدى صديقتها التي تعتبر ان العطلة مطلوبة «كي نستريح ونستعيد قوانا ونجهز أنفسنا للسنة المقبلة».
ياسمين وناريمان (15 سنة)، زميلتان في الصف الدراسي نفسه، وجارتان في احد أحياء قرية عبلين في جليل فلسطين (منطقة 48). وتكاد الفتاتان لا تفترقان إلا عند النوم، وصداقتهما المتينة لا تمنع التفاوت في موقفيهما من العطلة الصيفية، الذين ينبعان من تفاوت الأحوال المادية لعائلتيهما. وتقول ياسمين المتحدّرة من عائلة محدودة الدخل: «والدي يعتبر الخروج إلى المطاعم تبذيراً، ويرفض إرسالنا إلى المخيمات الصيفية أو حتى أخذنا إلى البحر». أما وضع ناريمان فيختلف كثيراً، وتقول: «والدي يعتبر العطلة فرصة مناسبة للاستمتاع مع الأسرة، فنذهب إلى المطاعم، والسينما، والأسبوع المقبل سنسافر إلى شرم الشيخ». ولا تنتبه ابنة العائلة الميسورة إلى وقع كلامها على صديقتها الفقيرة، التي تشيح بوجهها جانباً، وتنسحب إلى منزلها.
الحال المادية والاجتماعية للعائلات لا تعتبر مؤشراً الى الطريقة التي يقضي بها الأطفال عطلتهم. وفي معظم مدن وقرى الـ 48 تبادر حركات شبابية وسلطات محلية إلى تنظيم مخيمات صيفية أو رحلات للأولاد في العطلة الصيفية، وبالطبع تحاول هذه الهيئات تحديد أسعار مدروسة تفسح المجال لأكبر عدد من الأولاد للمشاركة فيها. إلاّ أن بعض الأولاد لا يشعرون بالرضا عن التحاقهم بالمخيمات.
ويقول امجد (6 سنوات): «في السنوات الماضية كان المخيم أحسن، كنا نلعب، نرسم، نغني، نشاهد مسرحيات، أما اليوم فمن أول يوم وحتى أخر يوم نقضي الوقت في بركة السباحة، أنا أحب الذهاب إلى البركة لكنني لا استفيد منها».
وتوافقه شيرين رضا، المدربة في احد المخيمات، قائلة: «لقد طلبنا من السلطة المحلية مساعدتنا على تجنيد فعاليات يومية للأولاد بالإضافة إلى السباحة، لكنهم رفضوا». وبرأيها «فإن الإقبال على المخيمات الصيفية يشهد تراجعاً لغياب البرامج الترفيهية».
وتبرز مخيمات ذات طابع تثقيفي وتعليمي، كمخيمات اللغة الانكليزية، إلاّ أنها غالباً ما تكون من نصيب أولاد الأغنياء، لأن الأسعار التي يطلبونها تفوق أحياناً الحد الأدنى للأجور، الذي ترزح تحته عشرات العائلات الفلسطينية.
ولا يختلف موقف الأولاد في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة عن موقف اخوانهم في منطقة 48. فهناك أيضاً، تجد من يريد انتهاء العطلة الصيفية فوراً والعودة إلى المدارس، بسبب الضائقة الاقتصادية، من جهة، وبسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة داخليا، من جهة أخرى. «في المدرسة على الأقل نكتسب المعرفة ونجد ما نلهو به، أما في العطلة، فالأوضاع «زفت» ولا نفعل شيئاً، بل نخاف الخروج من البيت»، تقول صفاء (7 سنوات) من جنين. ويتمنى أطفال آخرون أن تطول العطلة الصيفية، لأجل «أن نكسب المزيد من المال» يقول علاء، من مدينة نابلس، الذي ينتظر العطلة الصيفية ليعمل ويجمع بعض الشواقل لمساعدة أسرته.
ويرى الدكتور عبد المحسن خالدي، المتخصص في العلوم الاجتماعية، ان الاختلاف في آراء الأولاد يعكس صورة للوضع القائم في فلسطين بمناطقها الجغرافية الثلاث: «هناك عائلات غنية يعيش أولادها حالات بذخ كبيرة، وهناك عائلات مسحوقة تكاد لا تجد ثمناً للرغيف». ويوضح: «من الطبيعي ان تسمع عن طفل يستمتع ويريد استمرار العطلة، في مقابل آخر يريد استمرار العطلة ولكن لجمع المال. هذه هي الصورة في مجتمع يفتقد التعاضد والتكافل الاجتماعي».
ويرى الدكتور خالدي «يفترض بالأسرة الفلسطينية، ككل الأسر في العالم، ان تستغل العطلة الصيفية لإحداث التقارب بين أفراد الأسرة والحفاظ على البيئة الدافئة للعائلة، لكن الأوضاع، اقتصادياً وأمنياً لا تساعد على ذلك».

الخميس، 14 يونيو 2007

الحبوب التي تجمع الإسرائيلي والفلسطيني بسبب البطالة والأمن المهزوز

حيفا – وليد ياسين الحياة - 14/06/07
في استعراض لمئات العناوين التي تناولتها الصحف الإسرائيلية ومواقع الانترنت حول استهلاك المهدئات في المجتمع الإسرائيلي، تتردد أسماء عشرات الأدوية التي يتناولها الإسرائيليون لمعالجة أوضاع نفسية متردية ازدادت حدتها في العقود الثلاثة الأخيرة، بفعل غياب الاستقرار الأمني، من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية التي أدت إلى تفاقم حدة الفقر والبطالة.
وإذا كانت الانتفاضة الفلسطينية جعلت الإسرائيليين أسرى حالات عدة من التوتر والخوف، أدت حرب تموز (يوليو) الأخيرة، بين إسرائيل و «حزب الله» اللبناني، إلى انهيار كلي لأسطورة الجيش الذي لا يقهر، وبالتالي انهيار آخر أسوار جهاز المناعة الذي فاخر الإسرائيليون لعقود خلت، بأنه الترسانة التي لا يمكن اختراقها.
ويتضح من معطيات كثيرة، غير رسمية، تناولتها وسائل إعلام إسرائيلية ان الإسرائيليين يأتون في مقدم مستهلكي المهدئات،على مختلف أنواعها. وتحجم وزارة الصحة الإسرائيلية عن نشر معطيات رسمية حول نسبة استهلاك المهدئات، في محاولة منها لإخفاء حال الفزع التي يعيشها هذا المجتمع. لكن معطيات نشرتها شركة الأدوية الإسرائيلية «ماديتيك» حول استهلاك المهدئات، تشير إلى ارتفاع مبيعات الأدوية المهدئة بنسبة 22 في المئة، وهذا يؤكد ما سبق ونشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، عن ان خُمس الإسرائيليين يتعاطون مهدئات طبية أو نباتية، في حين نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول في شركة الصيدليات الإسرائيلية المعروفة «سوبر فارم» قوله ان صيدليات الشركة سجلت ارتفاعاً كبيراً في مبيعات الأدوية المهدئة، خصوصاً تلك التي يمكن للمواطن الحصول عليها، من دون وصفة طبية.
وأضاف ان شركته تعجز أحياناً عن تلبية الطلبات على المهدئات. وبحسب معطياته فان مبيعات المهدئات في مدينة القدس، حيث ترتفع نسبة التوتر بين المواطنين جراء الأوضاع الأمنية، ازدادت بنسبة 10 في المئة في حين تراوحت الزيادة في المناطق الأخرى من إسرائيل ما بين 35 و50 في المئة.
وتشير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تقرير نشرته حول الإدمان على المهدئات في المجتمع الإسرائيلي، إلى ان أكثر الأدوية المهدئة التي يتناولها الإسرائيليون هي الحبوب التي تساعدهم على النوم. ويقول يغئال يخيني، طبيب في المركز الطبي في تل أبيب، ان المواطنين يبحثون عن حلول سحرية يؤمنون بأنها تساعدهم على التحرر من حالات القلق والفزع، فليجأون إلى الأدوية المنومة حتى من دون معرفة الأسباب الحقيقية للقلق. تقول دالية شختر، الطبيبة في المركز الطبي «شيبا»، ان تناول الأدوية المنومة في إسرائيل يتزايد إلى حد الإدمان، ويمكن تشخيص حال الإدمان لدى مستهلكيها حين يحاولون وقف استخدامها، وعندها تتزايد حالات الأرق ويشعرون بأنه ليس في مقدورهم التخلي عن الأدوية.
وفي المجتمع الفلسطيني داخل أراضي 1948 هناك حالات مشابهة من الإدمان على المهدئات، ولكن العامل الأساسي يختلف، كما يقول أحمد حسين، طبيب الأمراض النفسية: «في مجتمعنا تنتشر ظاهرة البطالة وما يرافقها من مخاوف في شأن تأمين المستقبل، وهو ما يجعل ضحايا هذه الظاهرة يلجأون إلى التدخين اعتقاداً منهم بأنه ينفس من حال التوتر أو إلى الحبوب المهدئة». ولا يختلف الأمر في الأراضي الفلسطينية، حيث ترتفع نسبة استهلاك الأدوية المهدئة، أيضاً بسبب حالات البطالة المتفشية والأوضاع الأمنية المتدهورة. «هناك نسبة كبيرة من المواطنين الفلسطينيين يعيشون حالات ارق متواصل بسبب المداهمات الليلية وأعمال القصف التي ينفذها جيش الاحتلال، فيلجأون إلى المهدئات»، كما يقول الطبيب سامح حداد. وهو يعتقد ان 30 في المئة من الفلسطينيين على الأقل يتناولون مهدئات طبيعية، كونهم لا يملكون ثمن المهدئات الطبية.

الخميس، 17 مايو 2007

رواده فلسطينيون ويهود يساريون يبحثون عن أجواء مغايرة ... في «فتوش» لقاء ثقافات بنكهة المحمّر والقهوة الحيفاوية

حيفا - وليد ياسين الحياة - 17/05/07//
... على امتداد الشارع الرئيسي في حي «الألمانية» في مدينة حيفا، تنتشر مقاه ومطاعم، افتُتح معظمها قبل نحو 10 سنوات، بقرار بلدي لاجتذاب السيّاح. والحي فقير يقع تحت المركز الدولي للبهائيين. ولا تختلف أماكن اللقاء والاجتماع تلك عن المطاعم والمقاهي في العالم، فروادها يقصدونها لتناول طعام أو شراب وقضاء وقت. لكنّ الملتقى القائم في المبنى رقم 38، له «نكهة» مميزة. اسمه «فتوش»، يعايش روّاده ظاهرة ثقافية – فنية منوّعة، جعلت منه محطة لمواطنين فلسطينيين ويهود يساريين، يبحثون عن مكان يوفر لهم أجواء مختلفة.
و «فتوش» أساساً سَلَطَة شهية، خضارها كثيرة، مع خبز مقلي، وزيت وحامض وسمّاق. ولعلّ هذه الخلطة الغنيّة أوحت للشاب وديع شحبرات بأن يقيم مطعماً «استثنائياً» في تلك المنطقة، يشعر رواده بأنهم يعيشون داخل لوحة فنية ثقافية وغذائية، تتغير باستمرار. عندما تلج حديقة المطعم، تستقبلك قطع فنية كثيرة، «تخلط» الثقافة الفلسطينية بثقافات آسيوية وأوروبية متنوعة. وإذا دخلت من البوابة الرئيسية للمبنى، تطالعك مكتبة تحمل رفوفها مؤلفات أدبية وفكرية. ومن بوابة داخلية تعبر إلى معرض للفن التشكيلي، وُضع بتصرّف الفنانين والمصورين من جيل الشباب، ومنهم من انطلق من هناك. والديوان شهد على انطلاقة مغنين وشعراء منهم، وهو يعتبر ملتقى للأدباء والفنانين والصحافيين... والعشاق أيضاً.
«حين تختلط هذه المكوّنات كلها، تشعر وكأنك تعيش داخل لوحة رومانسية تشكّلها أجواء ثقافية، وتلوّنها أفكار مبتكرة، طالما تعطش لها الفلسطينيون في حيفا»، يقول الفنان أسامة مصري، وهو من الأصدقاء المقربين لـ «فتوش»، ومستشاره الفني.
حول طاولة في الحديقة، جلس وديع وأسامة ومعهما الفنان سعيد سلامة، والشاعرة الشابة أسماء عزايزة، يتداولون في فكرة جديدة تتمحور حول تكريس لقاء شهري للفنانين والمثقفين، يُقدّم خلاله الطعام والشراب لهم بنصف الثمن. وُلدت هذه الفكرة من عجز المعنيين وأصحاب الأقلام الشباب عن ارتياد المطاعم بسبب غلاء الأسعار، يقول أسامة. ويتابع وديع: «فكرتُ منذ البداية في إقامة مقهى ثقافي مغاير للمقاهي العربية المعهودة، لعلّ هذا اللقاء يشجع الناس على الحضور والاستمتاع بأجواء مختلفة ومنوّعة».
وفي «فتوش»، يضيف وديع، «نحاول تعزيز الشعور الوطني من خلال تمرير حدث معين في أجواء فنية مميزة. وبالإضافة إلى المعارض والندوات واللقاءات، نكرس أمسيات للمناسبات الوطنية. فعلى سبيل المثال، في يوم احتفال اليهود باستقلال إسرائيل، نحيي هنا ذكرى النكبة، ونبث أغاني مارسيل خليفة وفيروز، في أجواء تعكس مشاعرنا الحزينة».
وعن رد فعل اليهود، يتحدّث وديع: «في البداية كنا نلاحظ شعور بعضهم بالصدمة. ولكنْ، مع مرور الوقت، تعود الجميع على الأجواء الثقافية الخاصة بمناسباتنا الوطنية».
ويأتي كتّاب وصحافيون لاحتساء القهوة او لتناول الطعام، بينما يطالعون كتباً أو صحفاً. وكانت ممارستهم اليومية هذه، المماثلة لعادات أقرانهم في العالم، ما دفع بـ «فتوش» إلى تأمين الصحف اليومية، ثم مجموعة كتب قيّمة... فنشأت المكتبة، وهي تتوسّع وتتغيّر باستمرار.
واستقطب «فتوش» المغتربين العائدين، أيضاً. ومنهم الشاب نزار وتد، المقيم في لوس أنجليس، وهو من قرية جت في المثلث. جاء يزور أصدقاءه، فأحضروه إلى «فتوش» للسهر، حيث شعر كأنه «عاد إلى البيت». ويقول مقارناً: «أرتاد مطعماً يحمل الاسم نفسه في واشنطن، لكن هذا المطعم يختلف كثيراً عن الأول في نشاطاته الثقافية. وهناك لا يدعوك احد إلى طاولته من دون أن يكون على سابق معرفة بك، ويطلب التحدث إليك... هنا اشعر بالفرح وبعمق الترابط الثقافي بين أبناء شعبي».وينضم صديقه الفرد حداد (موسيقي) إلى حلقة الأصدقاء مقاطعاً: «في «فتوش» تشعر وكأنك تنظر إلى لوحة تصور تراثنا، وتعرّفك على ثقافات شعوب اخرى. وأنا كعازف اشعر بأنه بيتي. وهو الملتقى الذي كنا نبحث عنه طوال سنوات».
وفي بحث أعده يوسف جبارين حول حي الالمانية في مدينة حيفا، تبيّن أن 41.7 في المئة من المواطنين العرب يشعرون بأن الحي يوفر مكاناً للقاء فكري اجتماعي وسياسي مميز. وبحسب معطيات البحث، يشعر نحو 72 في المئة من عرب حيفا بأن الشارع الرئيسي في حي الالمانية زاد من فرص تلاقيهم، بينما قال 64.4 في المئة انه زاد من امكان التلاقي بين مجمل المواطنين العرب.
ويشير الفنان سعيد سلامة إلى الدور الذي اضطلع به مقهى «فتوش» قائلاً: «شعرت منذ البداية بأن هذا المكان سيصبح ملتقى لكل الشبان والصبايا العرب... وحين احضر إلى هنا اشعر بالانتماء، إذ أجد مساراً آخر غير المسار التقليدي للمطاعم. وأنا أتحدث عن تلاقي ثقافات، عن لقاء أصدقاء غابوا لسنوات، عن مكان وُلدت فيه الكثير من الأفكار الفنية والثقافية».
وتثني الشاعرة اسماء عزايزة عليه، مضيفة: «حين كنا نذهب إلى المطاعم في وسط يهودي، كنا نفتقد الانتماء. لكننا هنا نشعر كأننا في البيت، في الفضاء الذي بحثنا عنه طويلاً... يمكنك أن تتناول الطعام في منزلك وتستمتع. وأما هنا فالمتعة مزدوجة في غذاء الجسد والروح... المحمر والتبولة... والشعر والموسيقى. أشعر وكأني اعيش في مدينة خيالية، واحة ثقافية ضائعة، نبحث عنها منذ النكبة... أشعر أن «فتوش» يعوض كثيراً مما افتقدناه».
ويضيف أسامة: «بات المطعم عنواناً لكثيرين، ومكتب بريد نتراسل عبره مع الآخرين». ويتدخلّ وديع مبتسماً: «بل اكثر من ذلك. هنا تعارف شبان وصبايا وتزوجوا. ومن هنا انطلق فنانون مغمورون إلى عالم الفن. وهنا، أيضاً، يحتكّ الرواد اليهود بالثقافة العربية، ويتعرّفون الى إنسانية المواطن العربي التي شوهها إعلامهم. ومن اليهود من كان لديه نظرة سلبية عن العرب والفلسطينيين، هنا تعرف هؤلاء الى الواقع كما هو، واختلطوا بالمشهد الثقافي وتغيرت نظرة كثيرين منهم إلى العربي».

الخميس، 26 أبريل 2007

قنبلة صوتية في صف ومدرسون يخشون الشكوى

حيفا – وليد ياسين الحياة - 26/04/07//
بينما كان المعلم «س» في المدرسة الإعدادية بمدينة الطيرة (فلسطين 48)، يوضّب أوراقه في نهايـة الدوام، سُمع دوي انفجار فـي المدرسة. فهرع إلى المكان ليكتشف أن طالباً فجر قنبـلة صوتية داخل أحد الصفـوف. وقــرر تفتيش حقائب الطلاب لمعرفة الجاني. لكن أحدهم رفض الانصياع، وحين طالبه المعلم بفتح حقيبته، لكمه الطالب على وجهه فكسر نظارتيه وأصابه بجروح في انفه.
هذه الواقعة هي غيض من فيض ما شكّل عناوين الصحف العربية والعبرية في منطقة 48، خلال العامين المنصرمين، حول اعتداءات طلاب على أساتذتهم، تارة بسبب جدال بين المعلم والتلميذ حول التقيّد بنظام المدرسة وطوراً بسبب نتيجة امتحان، أو بسبب فعل لا صلة له بالتربية وقطاعها، كالواقعة المذكورة.
وتشير تقارير أعدتها نقابات المعلمين وسجلات الشرطة الإسرائيلية، وأبحاث عرضت أمام البرلمان إلى ارتفاع نسبة اعتداءات الطلبة على المعلمين وممتلكاتهم، فيما تعجز الأوساط ذات الصلة عن وضع حد لها. وتشير المعطيات إلى تفاقم الظاهرة في المدارس العربية واليهودية، على حد سواء، ولا تتوقف على جيل معين أو منطقة محددة. فقد ورد في إحدى الصحف منذ مدة وجيزة، أن طالباً لم يتجاوز عمره 13 عاماً، اعتدى على معلمته في إحدى مدارس قرية ترشيحا، شمال فلسطين، وتسبب لها بجروح خطيرة. وتناولت الصحف نبأ اعتداء طالب من منطقة ام الفحم على سيارة معلمه وسيارة أحد العاملين في المدرسة، بعد جدال وقع بينه وبين المعلم.
وذهب طلاب يهود في مستوطنة إسرائيلية بهضبة الجولان، إلى ابعد من ذلك. فقد أضرموا النيران بسيارة معلمتهم ومنزلها، ما كاد يتسبب بكارثة. والقائمة طويلة، كما تقول عضو البرلمان غيلة فنكلشتاين، وتضيف: «لقد اصبح عنوان «العنف ضد المعلمين» متجذراً في المجتمع الإسرائيلي، ويتوج سلسلة طويلة من أعمال التنكيل التي تنتهي أحياناً باعتداء على حقيبة او سيارة المعلم، وفي أحيان أخرى تبلغ حد تهديد حياته».
وترى فنكلشتاين ان المعلمين ومدراء المدارس الذين يعايشون احداث العنف المستشري في ممؤسساتهم، باتوا على يقين من أن العنف سيدمّر الجهاز التعليمي».
المسؤولون في نقابة المعلمين يقولون إن القانون الاسرائيلي جرّد المعلمين من صلاحية الدفاع عن النفس، ولم يعد المعلم يشعر بدعم قانوني يخوله حتى التدخل لفض اشتباك بين طالبين.
ويقول الاستاذ «م» من مدينة ام الفحم: «اعتقد ان العامل الأساس للعنف ضد المعلمين ينجم عن قوانين وزارة التعليم التي تدلل الطالب وتفرض القيود على المعلم. ويرى ان المعلم «بات يواجه مشكلة جدية في ضوء تقاعس الإدارة، وحتى المدير، عن المساندة بسبب الخوف من فقدان المنصب».
وفي استطلاع جديد في اسرائيل، يتبين أن الاعتداءات على المعلمين ارتفعت بنسبة 54 في المئة، لكن نقابة المعلمين تعتقد ان النسبة تزيد عن ذلك. وتقول نائبة المدير العام للنقابة، عوفرة دونيسكي، إن المعلمين يترددون في تقديم شكاوى إلى الشرطة بسبب تخوفهم من العواقب والتبعات.
وتتهم النقابة وزارة المعارف والشرطة بنقص الإجراءات والخطوات الكفيلة بردع الطلاب والكف من تهديداتهم. وتطرح معطيات تعتبرها خطيرة، يتبين منها ان نصف المعلمين في المجتمع اليهودي، وربع المعلمين في المجتمع العربي كانوا ضحايا العنف الطلابي. وقال 10 في المئة من المعليمن في القطاعين إنهم تعرضوا إلى تهديدات عبر الهاتف، و 12 في المئة إن سياراتهم تعرضت للاعتداء، وأفاد نحو 17 في المئة من المعلمين اليهود، و 6 في المئة من المعلمين العرب بأنهم تعرضوا إلى اعتداء جسدي.
وترى رئيسة قسم الشبيبة في الشرطة، سوزي بن باروخ، ان نسبة الملفات التي تم فتحها ضد الطلاب ليست كبيرة اذا ما قورنت بعدد المدارس. وتلقي بن باروخ باللائمة على المعلمين «لانهم يترددون في تقديم الشكاوى إلى الشرطة».
أحد المسؤولين في شرطة لواء الناصـرة يـكشف ان الأضرار التي يـحـدثـها الطلاب في مدارسهم غــالبــاً ما تعـالجها إدارة المدرسة، ولكـن في حـالة التـسبب بأضـرار جسيمة، تـفتـح الشرطة ملفـاً جنائـيـاً لمعالجـة الموضوع قضائياً.
وفي حديث مع بعض الطلاب، يتبين انهم ينقسمون بين مؤيد ومعارض للعنف. ولم يجاهر بعضهم باستعداده للتعرض إلى معلمه.
وقالت احدى الطالبات إن الطالب الذي يعتدي على معلمه يفتقد إلى الرجولة والانسانية، وتنظر بالمعيار ذاته إلى المعلم الذي يعتدي على طالبه، بينما ترفض زميلتها العنف، ولكنها لم تستبعد ان ترد على معلم أهانها بالمثل، او حتى احضار ذويها للرد عليه!
ويرى بعض المربين في حوادث الاعتداء عليهم دوساً على كرامتهم ومكانتهم، التي دعا اليها الشاعر احمد شوقي حين قال: «قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا، كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا». ويقول احد المعلمين: «في العصر الحالي، بات علينا تبني رد الشاعر ابراهيم طوقان على نظيره أحمد شوقي حين قال: «لو جرَّب التعليمَ شوقي ساعةً، لقضى الحياة كآبةً وعويلا».

الخميس، 12 أبريل 2007

نساء فلسطين يطالبن بحقهن في الميراث

باقة الغربية – وليد ياسين الحياة - 12/04/07//
من ندوات جمعية «نساء وآفاق» (الحياة)لم تعتد ماري وإيمان (اسمان وهميان لأختين غير متزوجتين من الناصرة) مثل تلك الدعوة إلى تناول العشاء على مائدة شقيقهما. فهو لم يستضفهما من قبل. ولم تعرفا سر هذه «المحبة» المفاجئة. بعد العشاء، توجه إليهما الشقيق متمنّياً عليهما تلبية «طلب صغير، هو توقيعكما على تنازلكما لي عن الأرض. والمحامي ينتظرنا في الغرفة الثانية». و«أمام هذه الطريقة المخجلة»، كما تقولان، لم يكن أمامهما إلا التوقيع على صك التنازل... ولم ترياه منذ ذلك الحين.
هذه الحكاية وغيرها من الحكايات المخزية لأساليب انتزاع حق المرأة في الميراث، ترويها سيدات فلسطينيات من منطقة 48 لجمعية «نساء وآفاق»، نُشرت في إطار حملة نظمتها الجمعية لضمان حق النساء في الميراث.
وهي أول حملة لهذه الجمعية التي تنشط في مجال العمل النسوي، وتمهّد لواقع يمكّن النساء الفلسطينيات من تحقيق ذواتهن. ولكنها تشكل تحدياً من نوع جديد للمجتمع العربي الفلسطيني، الذي تعاني فيه المرأة من تقاليد وأعراف اجتماعية مجحفة تسلبها حقوقها المشروعة.
في قرية باقة الغربية في الضفة الغربية، تعيش المحامية سائدة محسن بيادسة، رئيسة جمعية «نساء وآفاق»، وفيها، مثل ما في غيرها من القرى والمدن الفلسطينية، تشكل قضية حق المرأة في الميراث مصدر قلق لكثيرات وكثيرين. وهي طُرحت مراراً، خلال لقاءات لناشطات الجمعية مع جمهور النساء، كما تقول بيادسة. وتروي: «كنا دائماً نستمع إلى أطروحات تثير قضايا اجتماعية، ويجدر بنا تناولها، من خلال عملنا. وكانت قضية انتزاع حق المرأة في الميراث من القضايا الحساسة التي طُرحت علينا. فهذا الحق تتفق عليه المعتقدات الدينية ولا يحقّ لأحد انتزاعه».
وتشير بيادسة إلى أن الهدف من الحملة تعميق الوعي لدى النساء، على حقهن الشرعي في الإرث، واستنفار الرأي العام وإطلاق نقاش، «نأمل في أن يفضي إلى التخلّص من هذا العرف المجحف». وستتوجّه الجمعية في حملتها إلى كل الأطراف المعنية في المجتمع، كي يأخذ كل فرد دوره في توعية النساء وتوجيههن. ولا تستثني بيادسة دور المحامين والقضاة الشرعيين في بث الوعي المطلوب.
والاستطلاع الذي أجرته الجمعية يُظهر أن معظم المحامين الذين شملهم، كشفوا أن 95 في المئة من طلبات حصر الإرث، التي تقدم إلى المحاكم الشرعية، يتقدّم بها ذكور، وفي 90 في المئة من الحالات، تتنازل النساء عن حقهن في الميراث. وتسأل بيادسة زملاءها: «لماذا لا تراجَع المرأة في أمر التنازل عن الميراث للتحقق مما إذا كان تحت تأثير الضغط، والتأكّد من أنه لن يؤثر في أوضاعها الاجتماعية مستقبلاً. وترى أن من واجب المحامين والقضاة التوقف عند كل حالة وفحصها في صورة جوهرية.
ويُستدل من هذا الاستطلاع، أيضاً، أن 75 في المئة من مجمل المشاركين فيه، من رجال ونساء، يرون وجود علاقة بين توريث المرأة وارتقاء مكانتها الاجتماعية.
ولجمعية نساء وآفاق ما تعتمد عليه في حملتها في المجال الديني. فالمراجع الإسلامية والمسيحية، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الدرزي، كلها تؤكد حق المرأة في الميراث. وقد جاء في الآية 7 من سورة النساء في القرآن الكريم: «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا». وفي الآية 11: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف».
وتقضي المراجع المسيحية بأن المرجعية في قضايا الإرث هي القانون المدني أو قانون الوراثة في البلد المعني. والقانون الساري المفعول، في منطقة 48، يقرّ المساواة بين الذكور والاناث في الميراث. وينص قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية في المادة 168، على أن في حال الوفاة من غير وصية توزع التركة بحسب الفريضة الشرعية، التي تؤكد حق النساء في الإرث في شكل متساو مع الذكر.
ومع ذلك، يظهر من استطلاع الجمعية أن 38 في المئة فقط، عبّروا عن نيتهم توريث أولادهم حسب الشرع والقانون. وفي التوزيع الطائفي، يتبين أن 50 في المئة من المسلمين يؤيدون هذا التوجه، في مقابل 17.5 في المئة من المسيحيين و11 في المئة من الدروز.
وتعلن بيادسة أن حملة الجمعية حظيت بتأييد واسع من هيئات المجتمع الفلسطيني وفئاته، ومن رجال الدين، «وهذا أمر مهم»، كما تقول. وهي تعتقد بأن الهدف الأساس لهذه الحملة هو على قاب قوسين أو أدنى من النجاح، «فقد حققت، الحوار المتوخى وأثارت مناقشات في كثير من البيوت، وساعدت النساء على المطالبة بحقهن». وتضيف: «على رغم أننا لم ننشط في شكل واسع في مدينة القدس، سمعت نساء بحملتنا وقررن القيام بخطوة لضمان حقوق بناتهن في التركة. وهن أبلغن الجمعية بأنهن سيقسّمن أملاكهن بين أبنائهن وبناتهن بإنصاف». وعبّرت أخريات عن أن الحملة ساعدتهن على فهم الصورة الحقيقية، بعد أن كنّ يجهلن أن قسطاً من الإرث هو من حقّهن، أسوة بالذكور.
وتتوجّه بيادسة إلى المرأة الفلسطينية في كل مكان، بالقول: «حين تطالبين بنصيبك من الإرث فأنت لا تجلبين عاراً على أهلك، كما يظن بعضهم، ولا تطالبين بمقاسمة إخوتك في أموالهم، بل تأخذين حقاً شرَّعه الله».
الأديب محمد علي طه يعتبر الحملة مشروعاً مفيداً لإعادة الحقوق إلى أصحابها، ويقول: «بلغ الصلف والإرهاب الذكوري مداه الأبعد عندما ربّى مجتمعنا «العصري» بناته ونساءه على فرضية انه على رغم الحق الشرعي، دينياً ومدنياً، في الميراث، فإن مطالبتهن به «فعلة نكراء خارجة عن التقاليد». وهو يرى أن قبول النساء ولو ظاهرياً، بأن أخذ النصيب من الميراث «عيب» أو «عار» أو «قلة حياء»، شجَّع الجشع عند كثير من الرجال ودفعهم إلى معاقبة اخواتهن إذا طالبن بهذا الحق».

الاثنين، 2 أبريل 2007

تركوا بيئتهم الطبيعية ويعيشون حالة اغتراب ... الروس في اسرائيل يزرعون الرعب... والسلطات تقر بعجزها

حيفا – وليد ياسين الحياة - 02/04/07//
اوقف الشاب الفلسطيني عمر سيارته أمام احد منازل بلدة كريات يام في شمال إسرائيل، وترجل منها لوداع صديقته الروسية بعد سهرة أمضاها، هو وشقيقه، بصحبتها في مدينة حيفا المجاورة. كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف فجراً، والمنطقة خالية يكتنفها السكون. اقترب عمر من صديقته، ولم يعرف من أين جاءته الضربة التي أفقدته الوعي. في تلك الساعة كانت عصابة من الشبان الروس، من أصل قوقازي، تتربص بعمر وصديقته، وقد عزمت على الانتقام لما تسميه «شرف الطائفة القوقازية»، لان ابنتها قررت مصاحبة عربي، كما قال احد أفراد العصابة خلال التحقيق معه لدى الشرطة. وبحسب ملف الشرطة، ألقى احد أفراد العصابة بحجر كبير على رأس عمر وتسبب له باصابة بالغة في جمجمته، فيما هاجم عدد من أفرادها شقيقه داخل السيارة ونكلوا به بوحشية. في الليلة ذاتها التي تعرض فيها عمر وشقيقه إلى الاعتداء الدموي، كان محيط احد الملاهي الليلة في مدينة حيفا مسرحاً لعدوان آخر تعرض له شاب عربي، ايضاً. في مساء ذلك اليوم تعرض الشاب إلى استفزاز من مجموعة من الشبان الروس، الذين سكب احدهم كأس الشراب على رأسه، وبعد مواجهة كلامية بين الطرفين غادر الشاب العربي المكان وتوجه إلى سيارته، فلحقه الشبان الروس وانقض احدهم عليه وضربه بمعول على رأسه.
هذا النوع من الاعتداءات لم يعد حدثاً عابراً أو شاذاً بالنسبة للشرطة الإسرائيلية التي اكتظت طاولات محققيها بعشرات الملفات التي تعالج اعتداءات نفذتها عصابات من الشبان الروس، وكان ضحاياها شبان عرب ويهود، على حد سواء. ففي عشرات المدن الإسرائيلية التي استوطنها المهاجرون الروس تفشت ظاهرة العصابات والمافيا التي باتت تزرع الرعب في نفوس المواطنين وتشكل مصدر قلق لسلطات القانون التي تعترف بعجزها عن مواجهة هذه الآفة.
مدينة بيتح تكفا، في وسط إسرائيل، هي إحدى المدن التي يعيش سكانها حالة ذعر متواصل جراء أعمال العنف والشغب التي تنفذها عصابة من الشبان الروس. في الأشهر الأخيرة تعرضت بعض الكنس اليهودية في المدينة إلى أعمال تدنيس متكررة، شملت تمزيق الكتب الدينية وتحطيم الأثاث ورسم صلبان معقوفة على جدرانها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي مركز الشرطة تم تسجيل عشرات حالات اعتداء تعرض لها مواطنون في ساعات الليل من عصابات للشبان الروس في ضواحي المدينة، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بشكاوى قدمتها فتيات بعد تعرضهن إلى تحرشات جنسية وأعمال اغتصاب في الحدائق العامة والأزقة المظلمة.
مديرة مركز الشباب المتعدد المجالات في بيتح تكفا، بيلة ألكساندروف، المسؤولة عن معالجة مشاكل الشبان المهاجرين، تقول إن أفراد هذه العصابات، وبعضهم من المهاجرين غير اليهود، لا يندمجون في المجتمع الروسي داخل إسرائيل، من جهة، ولا يتقبلهم المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى. أما إيلي زرحين، مدير الجمعية الإسرائيلية لرعاية أولاد المهاجرين فيقول إن الحديث يجري عن شبان يشعرون بالغضب على إسرائيل. فمن جهة، كما يقول، «تشعر غالبية هؤلاء الشبان بعلاقة رمزية تربطهم باليهودية، ولم يؤخذ برأيهم حين قررت عائلاتهم الهجرة بهم إلى إسرائيل، وفوق هذا كله، يجدون أنفسهم في عزلة داخل إسرائيل ولا يتمتعون بمكانة اجتماعية منظمة».
ويقر أحد المسؤولين الإسرائيليين في وزارة استيعاب المهاجرين بفشل إسرائيل باستيعاب المهاجرين، خصوصاً الروس والأثيوبيين، وهو، بحسب رأيه، احد المسببات الأساسية لتفشي ظواهر العنف بين شبان هاتين المجموعتين لا سيما الروس. «وعدناهم بأنهار من السمن والعسل في ارض الميعاد فتركوا عالمهم ومحيطهم الاجتماعي والبيئي الطبيعي، وجاؤوا إلى هنا، ليجدوا أنفسهم يتسولون على قارعات الطرق، أو تبيع بناتهم أجسادهن مقابل حفنة شواقل لاقتناء رغيف خبز».
نتاليا، روسية في العشرينات من عمرها هاجرت مع عائلتها إلى إسرائيل في خضم حملة الهجرة الكبيرة في أواخر الثمانينات. والدها كان مدرساً في كلية الموسيقى في ليننغراد، ووالدتها كانت ممرضة، أما هي وشقيقها فكانا صغيرين ولم يعرفا ما الذي ينتظرهما في إسرائيل. اليوم تعمل نتاليا راقصة تعر في أحد الملاهي الليلية في حيفا بعد أن فقدت الأمل بمتابعة دراستها الجامعية بسبب حالة الفقر التي تعيشها عائلتها، وهو ما دفع بشقيقها إلى عالم الاجرام. تقول: «والدي انتقل من عالم الموسيقى إلى تنظيف الشوارع، ووالدتي تعمل في تنظيف البيوت، لقد كذبوا علينا حين أغرونا بالمال وأخرجونا من بلادنا. في المدرسة شعرت بحالة اغتراب دائمة، رفاقي كانوا ينظرون إلي مثلما ينظر المجتمع الإسرائيلي برمته إلى الفتيات الروسيات، كزانيات وفتيات متعة، حين أنهيت دراستي الثانوية لم يكن أمامي إلا البحث عن أي عمل لضمان لقمة العيش، ولم أجد إلا البارات والملاهي الليلية. أما شقيقي فقد وجد نفسه بين مجموعة من أترابه الروس الذين شكلوا عصابة تسرق لتعيش، وهو اليوم في السجن».
وفي نقاش أجراه الكنيست الإسرائيلي أخيراً حول تفشي العنف والجريمة في إسرائيل، قال المفتش العام للشرطة موشيه كرادي انه بين عامي 1996 و2006 سجل ارتفاع حاد لنسبة الجريمة في أوساط الشبان الروس. وبحسب تقارير لضباط الأحداث في الشرطة تشهد المدن الإسرائيلية ليلة الجمعة - السبت من كل أسبوع، عشرات أعمال العنف، غالباً ما تكون للشبان الروس علاقة بها. ويقول أحد الضباط إن مناطق بات يام وريشون لتسيون والرملة ونتانيا، في وسط إسرائيل، تشهد تنامي ظاهرة الجريمة بين الفتيات الروسيات. ويستدل من أحد تقارير الشرطة ان من بين تسع حالات عنف عالجتها الشرطة، كانت الفتيات الروسيات متورطات في سبع منها. وقالت إحدى المسؤولات في قسم مكافحة الجريمة في الشرطة إن معطيات جمعت في العام 2000، تشير إلى تورط أبناء المهاجرين الروس في 18 في المئة من الجرائم التي حدثت في ذلك العام، على رغم أن نسبة الشبان الروس بلغت في حينه 12 في المئة من نسبة الشبان في إسرائيل. وارتفعت نسبة الجريمة التي تقودها عصابات الشبان الروس في شكل مطرد خلال السنوات الأخيرة، وتجاوزت 23 في المئة، بحسب آخر تقارير الشرطة، بينما يستدل من تقرير لمعهد «جوينت يروكدايل» أن نسبة الجريمة في مخالفات الأخلاق والسموم تصل إلى 28 في المئة بين الشبان الروس، وترتفع إلى 71 في المئة في مخالفات السرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، فيما تصل إلى 77 في المئة بين الشبان الأثيوبيين.
وعلى رغم محاولات بعضهم التقليل من حدة الظاهرة، ورفضهم تسميتها بالجريمة المنظمة أو المافيا، يقرون بوجود دلائل تؤكد الانحدار نحو عالم الجريمة المنظمة.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود اولمرت، اقر في خطاب ألقاه العام المنصرم بتفشي الجريمة المنظمة في إسرائيل، قائلاً: «آن الأوان لاستخدام مصطلح «جريمة منظمة» وأنا أقول للشرطة إنها تملك تصريحاً ودعماً كاملاً مني في محاربة هذه الآفة».
أما الشرطة ذاتها فتقر بعجزها عن مكافحة الجريمة، وفي تعقيبه على تصريح اولمرت، قال احد الضباط: «اشك بمقدرتنا على تلبية طلب رئيس الحكومة».

الاثنين، 5 مارس 2007

بيرزيت أو «هارفارد فلسطين» تواجه خطر الإغلاق وتعليق مصير 7 الآف طالب!

حيفا – وليد ياسين الحياة - 05/03/07//
ينظر الفلسطينيون إلى جامعة بيرزيت على أنها «هارفارد الفلسطينية» كونها الرائدة بين الجامعات، وتلعب دوراً مهماً في رسم الأحداث على الساحة الفلسطينية. في المقابل يرى الاسرائيليون فيها «بؤرة لتخريج الإرهاب»، كون الكثير من القادة الذين ارتبطت اسماؤهم بالكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال تخرجوا في هذه الجامعة، وبينهم مروان البرغوثي الذي يمضي عقوبة بالسجن المؤبد بتهمة التخطيط لعمليات ضد الإسرائيليين، ويحيى عياش الذي اغتالته إسرائيل قبل سنوات بتهمة «هندسة القنابل والأحزمة الناسفة».
ولعبت الجامعة منذ تأسيسها، دوراً محورياً في تأهيل الكوادر البشرية وتنميتها عبر ما تقدمه الجامعة من برامج تعليمية بحثية وتدريبية متخصصة في حقول تكنولوجيا المعلومات والهندسة والعلوم، والسياسة والإدارة والاقتصاد. كل ذلك بالتوازي مع جهود معاهدها ومراكزها الموجودة سواء داخل الحرم الجامعي أم خارجه، في خدمة المجتمع الفلسطيني وتطوره الاقتصادي والاجتماعي. وتعكس التشكيلة السياسية لطلبة جامعة بيرزيت الآراء السياسية في الشارع الفلسطيني، كونها تضم طلبة من مختلف المناطق والطبقات والتوجهات الفكرية ولكونها من أعلى المؤسسات التعليمية في فلسطين.
إلا أن الأحداث التي شهدتها الجامعة خلال الأسبوعين المنصرمين، حملت في طياتها الكثير من علامات التساؤل حول مستقبلها. فعلى أثر الأزمة المالية التي تعصف بها منذ سنوات، والتي ازدادت حدتها في السنة الأخيرة، مع فرض المقاطعة الدولية على السلطة الفلسطينية، وانقطاع الموازنة الرسمية، وفي ضوء الأزمة التي شهدها الحرم الجامعي خلال الأسبوعين المنصرمين على اثر الخلاف بين الإدارة ومجلس الطلبة حول مبدأ تقسيط رسوم التعليم لعدد كبير من الطلاب الذين حالت الأوضاع الاقتصادية لأسرهم دون تسديدهم للقسط الجامعي، وما قاد إليه ذلك من قرار الطلاب إعلان الإضراب وقرار الإدارة إغلاق أبواب الحرم الجامعي حتى حل المعضلة، احتدمت الأزمة وبات الخطر الحقيقي يتهدد مستقبل الجامعة وطلابها الذين يصل عددهم إلى سبعة آلاف.
وتعوّد الفلسطينيون منذ احتلال الضفة وقطاع غزة، على الاغلاقات المتواصلة للحرم الجامعي من جانب سلطات الاحتلال التي لم تترك وسيلة إلا ولجأت إليها لإعاقة مسيرة التعليم، لكنهم لم يتوقعوا أن تقدم إدارة الجامعة على إغلاق الحرم الجامعي لأسباب مالية، خصوصاً ان السنوات الماضية شهدت أزمات بين الإدارة ومجلس الطلبة حول مسائل مالية مشابهة. وبحسب ما قال رئيس الجامعة الدكتور نبيل قسيس فان قرار تعليق الدوام جاء بعد لجوء الطلاب إلى العنف هذه المرة، حيث دخل كثيرون عنوة إلى مبنى مجلس الإدارة وحطموا أبوابه. واعتبر قسيس أن الطلاب «خرقوا ميثاق الشرف الذي وقعته الكتل الطالبية بعدم التعرض إلى مباني الجامعة أو جنزرة مداخلها لأي سبب».
من جهته، قال رئيس مجلس الطلبة محمد القيق انه يرفض تحميل الكتل الطالبية برمتها المسؤولية عن الأحداث العنيفة، وقال: «أعمال التخريب فردية ونحن ندينها بشدة». واعتبر أن الأزمة احتدمت جراء «خلل في نظام التقسيط الذي تتبعه الجامعة واشتراطها احضار اولياء أمور الطلاب الذين لم يسددوا أقساطهم لتوقيع التزامات مالية». ويرى القيق أن الخطر يتهدد مستقبل الجامعة، بل كان يعتبره قاب قوسين أو أدنى، ولذلك، يقول: «قررنا من جهتنا، نحن والإدارة، النزول عن الشجرة العالية ومحاولة التوصل إلى اتفاق يضمن الحق بالتعليم لكل الطلبة».
ويرى القيق ان على الطلبة المتمكنين مادياً المساهمة في حل الأزمة المالية من خلال تحملهم جانباً من أقساط زملائهم من أبناء العائلات الفقيرة. وقال إن الدوام استؤنف في الجامعة بعد يومين من الإغلاق، وانه يتوقع انتهاء الأزمة خلال أيام قليلة.
لكن الأزمة التي تواجهها الجامعة لا تتوقف عند مسألة الأقساط الجامعية المستحقة لقرابة نصف طلبة الجامعة، كما يقول الدكتور سميح شبيب مدرس الفلسفة في الجامعة: «هناك أزمة مالية متراكمة تواجهها الجامعة وباتت تشكل خطراً حقيقياً على مستقبلها. فبالإضافة إلى عدم تحويل الحكومة موازنة الجامعة، وهو ما يعيق استمرارية التعليم، يتهدد الخطر السلك الأكاديمي في كل الجامعات الفلسطينية، فراتب الأستاذ الجامعي لا يتجاوز 1000 – 1200 دينار شهرياً، وإذا ما توافرت له فرص العمل في الخارج براتب أفضل فلن يتردد بترك جامعته». ويضيف شبيب أن «الأزمة المالية تنعكس، أيضاً، على المعدات وتطوير الجامعات الفلسطينية، وهذا يشكل نقطة ضعف أخرى تهدد مستقبل التعليم الجامعي».
تاريخ الجامعة
يعود تاريخ جامعة بيرزيت إلى عام 1924 عندما تأسست كمدرسة ابتدائية على يد نبيهة ناصر، وكان الهدف الرئيسي للمدرسة توفير فرص التعليم الأولية لفتيات بيرزيت والقرى المجاورة في وقت انعدمت فيه المدارس تقريباً في تلك المنطقة. وكانت رتيبة شقير أول مديرة للمدرسة.
في عام 1930 أصبحت المدرسة ثانوية للبنين والبنات. وفي 1932 أطلق عليها اسم «مدرسة بيرزيت العليا»، ثم تغير اسمها في 1942 إلى «كلية بيرزيت». وفي 1953 وبرئاسة موسى ناصر، أضيف الى الكلية الصف الجامعي الأول بفرعيه العلمي والأدبي، وتبعه الصف الجامعي الثاني في 1961 وأصبحت الكلية تؤهل الطلبة للانتقال مباشرة إلى الصف الجامعي الثالث في كثير من الجامعات في الوطن العربي وخارجه.
وفي 1961 ألغت إدارة الكلية الصفوف الابتدائية والإعدادية والثانوية بصورة تدريجية إلى أن تم إلغاء آخر صف ثانوي في نهاية العام الدراسي 1966-1967. وفي حزيران (يونيو) 1972 تقرر الاستمرار في تطوير الكلية بالتوسع في الدراسة الجامعية لتصل إلى أربع سنوات تؤدي إلى درجة البكالوريوس في الآداب والعلوم، كما تقرر بناء حرم جامعي جديد على مشارف بلدة بيرزيت. وفي عام 1975-1976 تحول اسم الكلية إلى «جامعة بيرزيت». واشتملت حينذاك على كليتي الآداب والعلوم. وفي نيسان (أبريل) 1976 قبلت الجامعة عضواً في اتحاد الجامعات العربية كما قبلت في 1977 عضواً في الاتحاد العالمي للجامعات. وفي 11 تموز (يونيو) 1976 احتفلت الجامعة بتخريج أول فوج من حملة درجة البكالوريوس في الآداب وفي العلوم.
وتضم الجامعة اليوم كليات لتدريس الآداب والعلوم والتجارة والاقتصاد والهندسة والحقوق والإدارة العامة وكلية الدراسات العليا التي تؤهل طلابها لشهادة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة والدراسات الدولية والتربية والتاريخ العربي – الإسلامي وعلم الاجتماع والاقتصاد وإدارة الأعمال وهندسة المياه والبيئة والقانون، اضافة إلى برنامج الماجستير والدبلوم العالي في المرأة والقانون والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحوسبة العلمية والإحصاء التطبيقي والعلوم الطبية المخبرية و هندسة التخطيط والتصميم العمراني والرعاية الصحية الأولية والصحة العامة والمجتمعية والجغرافيا. كما تخصص الجامعة برنامجا للدراسات العربية والفلسطينية للطلبة الأجانب.

الأحد، 25 فبراير 2007

شبان 48 يرفضون «الخدمة المدنية» في الجيش الاسرائيلي ... وآخرون يقبلون مرغمين


نشر في الحياة - 12/02/07
في مدينة الناصرة، عاصمة الجليل الفلسطيني، أطلقوا الشرارة؛ مئات الشبان والصبايا من عرب منطقة 48 التقوا في مؤتمر شعبي مناهض للخدمة «الوطنية» التي تحاول إسرائيل فرضها عليهم كفاتحة لجر الشبان العرب، الى الخدمة العسكرية. وجاء المهرجان بمبادرة من اتحاد الشباب الديمقراطي، لكنه ليس التحرك الأول ولا الأخير في المعركة ضد ما يعتبره هؤلاء الشبان محاولة جديدة لفرض «الأسرلة».
لقد فرضت إسرائيل الخدمة العسكرية بموجب قانون سن في العام 1949. لكنها لم تطبق القانون على المواطنين العرب لدوافع أمنية. وفي مسعى الى زرع الفتنة الطائفية بين المواطنين الفلسطينيين، أبطلت في العام 1956 استثناء الشبان الدروز من الخدمة العسكرية. وبمرور السنوات، اتسعت الخطة بفتح أبواب الجيش الإسرائيلي أمام المتطوعين العرب من بقية الطوائف.


*سهير اسعد*

في السنوات الأخيرة انطلقت أصوات إسرائيلية تطالب بفرض الخدمة على الشبان العرب، ولكن في ضوء رفض الشبان العرب للخدمة في جيش يحارب شعبهم الفلسطيني من جهة، والدول العربية من جهة أخرى، اخترعت القيادة الإسرائيلية مسميات مضللة لهذا المشروع. فتارة أسموها «خدمة مدنية» وتارة «خدمة وطنية». ومع كل صوت يرفعه عرب 48 مطالبين بالحقوق والمساواة، يربط الإسرائيليون تحقيق ذلك بما يسمونه «الواجبات».

قبل سنتين حاولت إسرائيل مجدداً تحقيق مآربها، وخرجت لجنة رسمية بتوصيات تدعو إلى «منح امتيازات لمن ينضم إلى الخدمة». ولاقت هذه التوصيات، معارضة واسعة في المجتمع الفلسطيني، الذي اعتبر ربط الحصول على الحقوق والمساواة بالخدمة الوطنية أو المدنية، يتناقض مع المواثيق والمعاهدات الدولية.
والمتتبع لأوضاع المواطنين العرب في منطقة 48، يجد أنه لا يوجد أي اختلاف في تعامل المؤسسة الإسرائيلية، القائم على سياسة التمييز والاضطهاد، مع أي شريحة من شرائح المجتمع العربي، لا بين تلك التي يخدم أولادها في الجيش، ولا تلك التي لم تتطوع للخدمة، فالقرى العربية الدرزية والقرى البدوية لا تختلف مطلقا من حيث أوضاعها عن بقية البلدات العربية، لا من حيث الخدمات ولا من حيث سياسة مصادرة الأراضي ولا في غيرها من المجالات الحياتية.
غير ان بعض الشباب قبل الإغراءات الإسرائيلية والتحق بالخدمة، بعضهم في الجيش، وآخرون في الشرطة. وترفض المؤسسة الإسرائيلية نشر معطيات رسمية حول نسبة هؤلاء، لكنه حسب تقديرات المحامي سعيد نفاع، بلغ عدد المتطوعين العرب في الشرطة قرابة 7000 شاب، وعدد المتطوعين في الأجهزة الأمنية المختلفة 4000 شاب، وهي معطيات أثارت قلقه وقلق المحاربين ضد «أسرلة الشبان العرب».
وبحسب معطيات نشرتها وسائل إعلام عبرية، أخيراً، ارتفعت نسبة المجندين من الشبان المسلمين والمسيحيين في السنوات الأخيرة، وهي معطيات قرعت ناقوس الخطر وقادت إلى التحرك الشبابي المناهض للخدمة.


*صالح علي*
احد المبادرين إلى هذا التحرك كان صالح علي (28 سنة) من سكان الناصرة، الذي يعتبر «أن الحديث لا يجري عن خدمة وطنية أو مدنية كونها لا تمت بصلة الى الوطنية الفلسطينية».
ويضيف: «ان الهدف من هذا المشروع هو سلخ الشبان العرب عن شعبهم الفلسطيني ومقدمة لضمهم إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف تفتيت البنية الاجتماعية والقومية العربية». ويرى أنه «إذا كان لا بد من الخدمة الوطنية فيجب أن تكون خدمة وطنية فلسطينية من خلال مؤسساتنا الأهلية والوطنية وليس من خلال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية».
وترى الشابة سهير أسعد (19 سنة)، من قرية اكسال، في مشروع الخدمة «محاولة لكسر الحاجز النفسي لدى الشبان العرب المعارضين لكل ما يرتبط بالجيش الإسرائيلي».
وتقول إن «الأهداف الخفية لهذا المشروع أعمق من أهدافه المعلنة فإسرائيل تسعى إلى سلخنا عن مجتمعنا الفلسطيني وجعلنا نُغلب المصلحة الشخصية وتنمية الشعور بالأنانية».


والموقف ذاته تتبناه عناب حلبي (19 سنة) من قرية دالية الكرمل. وعناب هي ابنة للطائفة العربية الدرزية التي فرضت عليها الخدمة الإجبارية، وتقول «إن إسرائيل استخدمت الشبان الدروز سلاحاً لتمزيق النسيج الوطني للعرب الفلسطينيين في منطقة 48».
ويرى الشبان الثلاثة في الادعاء بأن «الخدمة تحقق المساواة»، مسألة مثيرة للسخرية. ويقولون إن دولة تدعي الديموقراطية يجب أن لا تربط الحقوق بالواجبات. «الحقوق تولد مع الإنسان وإذا لم أتجند فهذا لا يعني انه يحق للدولة حرماني من حقوقي»، تقول سهير.
وتقول عناب انه على رغم فرض الخدمة على الشبان الدروز فإن أوضاعهم لا تختلف عن بقية الشبان العرب، بل إنهم يواجهون التمييز داخل صفوف الجيش.
*عناب حلبي*
وتعتبر أن إسرائيل نجحت بفرض الأسرلة على جانب من الشبان الدروز، لكنها لم تصل إلى باطنهم: «نحن لسنا كما يحاولون تصويرنا، وإذا كان هناك من يبحث من بيننا عن مصالح ومآرب شخصية وسياسية، فهؤلاء لا يمثلوننا».
ويقول صالح: «إسرائيل لا تعدنا بحقوق جماعية كما تدعي مقابل الخدمة، وحتى لو فعلت ذلك فسنبقى على موقفنا الرافض للخدمة وسنواصل نضالنا لتحصيل حقوقنا خصوصاً اننا أصحاب الأرض الأصليين».
وترى عناب حلبي ان أمام المعروفيين الأحرار مهمة صعبة، «خصوصاً في هذه الظروف، حيث بتنا نواجه وللأسف جدالاً يثور حول ما إذا كان الدروز عرباً»!
وتنتمي عناب إلى جمعية الجذور التي انطلقت أخيراً للعمل في الشارع الدرزي ضد التجنيد الإجباري. وتقول: «الجدناع» يأتون إلى المدارس ويغرون شبابنا للانخراط في الجيش، ونحن نشجع طلابنا على رفض الخدمة وشق طريقهم في مجالات التعليم». وتجزم بأن «التجنيد لم يحقق أي شيء للدروز».
في مهرجان الناصرة فاق عدد الحضور توقعات المبادرين، ويعتبر صالح علي هذا التجاوب مؤشراً الى نجاح الحملة ضد الخدمة، على رغم صعوبة المهمات المنتظرة. ويقول إن الخطوة المقبلة تشمل تنظيم حملات توعية في مختلف البلدات العربية والمبادرة إلى تشكيل هيئات محلية لمحاربة المشروع.
وتوجه سهير نداء إلى من وقعوا في حبائل المشروع الصهيوني وتقول إن الخدمة لن تحسن حياتهم بل ستفقدهم ثلاث سنوات يمكنهم استغلالها لتحقيق مكاسب علمية. ففي النهاية، تقول سهير، «حتى بعد انتهاء الخدمة سيسمع الجندي العربي من الجنود اليهود عبارة «عربي قذر».

فرق تكسر الصورة النمطية عن أطفال الحجارة ... الراب الفلسطيني ضد الاحتلال والمخدرات

فرقة دام الفلسطينية




نشر في الحياة - 19/02/07


ترتبط الاغنية الفلسطينية إلى حد بعيد بالهم الوطني الجماعي للشعب المكافح من أجل تحرره، لكنها ليست متخلفة عن الركب الموسيقي بكل مكوناته. وعلى مدار سنوات طويلة كانت الاغنية الفلسطينية لحناً يساند الثورة وصوتاً يعكس هموم الناس وأوجاعهم. حتى عندما يغني الفلسطيني للحبيبة يغني ايضاً للأم والأرض والشجر والعصافير والبحر.
وشهدت فلسطين شتى الالوان الموسيقية التي عرفها العالم، فهناك الأغاني الشعبية المنوعة في مضامينها وأشكالها الفنية، كالعتابا والميجانا والشروقيات والزجل والتهاليل، وهناك اغاني الحب والافراح والعمل والأطفال، وهناك الاغاني السياسية الملتزمة. ومن جيل إلى جيل يتوارث الفلسطينيون اغانيهم وموسيقاهم، خصوصاً الشعبي منها، فيحافظ بعضهم على المضمون واللحن، فيما يجدد البعض الآخر ويطور، بحسب الظروف. وشهدت الأراضي الفلسطينية في العقود الثلاثة الأخيرة نهضة غنائية تمثلت بظهور عشرات المغنين والملحنين والفرق الفنية التي كانت بغالبيتها ملتزمة الخط الوطني، نذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر فرقة «يعاد» من بلدة الرامة التي ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي وسارت على خطى فرقة «العاشقين»، وفرقة «صابرين» التي جمعت في صفوفها شباناً من أراضي 1948 والاراضي المحتلة عام 1967، وفرقة «سرية رام الله» التي امتازت بالجمع بين الاغنية والرقص الشعبي، وأمل مرقس التي امتازت بأداء أغاني فيروز ومن ثم اغانيها الخاصة ذات النكهة الرحبانية، وريم بنا التي امتازت في شكل خاص بالتهاليل والاغاني الشعبية. وكانت هناك، أيضاً، فرق الغناء الخاصة باحياء حفلات الأعراس، لكن هذه الفرق أدت اغاني المطربين والمغنين العرب بقديمهم وحديثهم، ولم تضف إلى اللحن الفلسطيني أي جديد. ومع انتشار ظاهرة الـ «دي.جي»، الأقل تكلفة، خفت نجم الكثير من هذه الفرق، فاختفى بعضها عن الساحة، وبقي البعض الآخر يظهر بين الحين والآخر، خصوصاً في مواسم الأفراح وحفلات رأس السنة.
والمتتبع لمسيرة الأغنية الفلسطينية، يجد أن الشباب الفلسطيني يواكب آخر صرعات الموسيقى ويطوعها في خدمة هموم شعبه وآلامه. وآخر هذه الصرعات التي انتشرت في العقد الأخير، تمثلت بظهور عشرات فرق الراب. ولدت موسيقى الراب من رحم الغضب في حي برونكس في مدينة نيويورك، عام 1974، وكانت إلى ما قبل قرابة عشر سنوات مجهولة أو مستهجنة بالنسبة إلى الشباب الفلسطيني، ربما لما يرافقها من صخب موسيقي لم يعتد شباب فلسطين سماعه.
ويقول مغني الراب الفلسطيني تامر النفار، الذي يعتبر اول من شكل فرقة لهذا اللون الغنائي في منطقة 1948، وتحديداً في مدينة اللد، انه كان يكره موسيقى «الهب هوب» لكنه عندما سمعها شعر بأنها تحكي عن مدينته اللد التي تحولت إلى احياء معزولة تعجّ بالفقر وتجار المخدرات. فرقة DAM التي يقودها تامر تأسست عام 1998، وتسعى إلى التعبير عن الكثير من القضايا التي يواجهها الشباب الفلسطيني، وتعكس في كثير من اغانيها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والوضع الاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون داخل منطقتي 1948 و 1967.
وتعتبر أغنية «مين الإرهابي» بمثابة الصرخة التي اطلقها هذا الثلاثي باسم كل الشعوب العربية التي تتعرض للارهاب المنظم وتُتهم هي به. ويمكن القول ان هذه الاغنية لا تجسد معاناة الفلسطينيين في منطقة 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، بل تعتبر سوطاً يرفع في وجه الجلاد الاميركي - الاسرائيلي. ومن كلماتها: «مين ارهابي؟! مين ارهابي؟! كيف ارهابي وأنا عايش في بلادي؟؟!! مين ارهابي؟! انت ارهابي! ماكلني وانا عايش في بلادي، قاتلني زي ما قتلت جدادي. أتجه للقانون؟! عالفاضي، مانت ياعدو بتلعب دور الشاهد المحامي والقاضي، علي قاضي بنهايتي بادي»!
وقدمت فرقة «DAM» عشرات الحفلات في فلسطين وأوروبا والولايات المتحدة، وأنتجت البومات عدة، كان اولها عام 1998 بعنوان «أوقفوا بيع المخدرات»، ثم البوم «مين ارهابي» عام 2001 والبوم «ولدت هنا» العام 2004 و»اهداء» في 2006، وهو اول البوم يصدر للفرقة من جانب شركة دولية هي EMI ومن انتاج شركة «ريد سيركل» البريطانية. قررت مؤسسة عبدالمحسن القطَّان أخيراً، تكريم فرقة DAM عن البومها «اهداء» بمنحها «جائزة القطَّان التقديرية لعمل ثقافي مميز»، وذلك «تقديراً لما يمثله هذا الألبوم من ريادة فنية على الساحة الموسيقية الفلسطينية ولقدرته على التجاوب مع هموم الشباب الفلسطيني بطريقة خلاقة، وبأسلوب تعبر فيه الفرقة بأصالة عن مضامين اجتماعية وسياسية جريئة وملتصقة بهموم الشباب العربي».
مع انتشار أغاني فرقة DAM، ظهرت على الساحة الفلسطينية فرق راب أخرى، في عكا والقدس والناصرة وجنين ورام الله وغزة وشفاعمرو وسخنين وكفر ياسيف وحيفا وغيرها.
ومن هذه الفرق فرقة G-Town وفرقة MWR و «صباياز»، و «طعم الالم»، و «FreeDoms» و «شخصية» و «الجيش الأسود» والـ «S.B.R» و D.R و «دز ستريك» و «اولاد بلدنا» و «ويذ أوت مـاسك» و P. R. Palestinian Rappers ، و «عربيات»، وفرقة «إر إف إم» التي فازت بجائزة مونت كارلو الشرق الأوسط للموسيقى عام 2006. وهناك الكثير من المغنين المنفردين الذين ظهروا على الساحة أخيراً أمثال DoMaN، ملحم شامي، حسن الشيخ يحيى وغيرهم.
ويمكن القول ان الشبان الفلسطينيين أجادوا جيداً لعبة الراب والغضب الكامن في موسيقاها وولجوا عالمها من أوسع أبوابه. وربما كانت اغنية «الراب سلاحنا» لفرقة P.R التي انطلقت من داخل مدينة غزة المحاصرة، خير ما يعبر عن نجاح الشبان الفلسطينيين بتحويل هذا الفن إلى سلاح آخر، في معركة طويلة ومتواصلة نحو الحرية. يقول مطلع الاغنية: «قاومنا قاومنا واخترنا الراب سلاحنا، الم حاضر مستقبل حامل بكفه كلامنا، ليوصل لأمتنا العربية كمان يجمعنا، كله بيوقف لما يسمع الإحساس من قلوبنا نزعنا». وفي مقطع آخر: «عاصفة نازفة رجال أسود عطاءٌ ولاءٌ كفاح بلا حدود، بالراب العربي جاي أمحي صراع موجود».
لقد استخدمت هذه الفرق بغالبيتها، اسماء أجنبية، بعضها غريب عن المجتمع الفلسطيني، لكنها قدمت اغاني تعكس في كثير من كلماتها اسلوباً ربما يبدو مغايراً لأسلوب الاغاني الثورية الفلسطينية المعهودة، فتعبر، بقالب نثري وسردي، عن هموم الفلسطيني وتطلعاته ايما تعبير، بل انها اجادت استخدام سلاح لا يقل تأثيراً عن حجارة اطفال الانتفاضة.



الخميس، 15 فبراير 2007

عزوف الفلسطينيين عن الزواج اقتصادي

حيفا - وليد ياسين الحياة - 15/02/07//
«لا ثمن للحرية»، عبارة تختصر بها سلوى، الشابة من مدينة حيفا، قرارها العزوف عن الزواج. ولكن القرار مرفوض مع كل العبارات التي تمثّله والذرائع التي تدعمه، في مجتمع ينظر الى اللواتي يتأخرن على الزواج بعين الشفقة، بعد وضعهن في خانة العنوسة.
مشكلة العزوف عن الزواج منتشرة في كل المجتمعات، لكنها باتت «حالة» لافتة في المجتمع الفلسطيني لتزايد نسبتها بين الرجال والنساء. ولكن، خلافاً لمجتمعات حاولت البحث عن حلول، لا تجد في الشارع الفلسطيني من يولي اهتماماً للمسألة. والمؤسسات الأهلية التي تهتم بالأسرة والتنمية تُحجم عن التطرق الى هذه المشكلة ربما «لأنها لا تعتبرها من أولويات القضايا التي يواجهها المجتمع الفلسطيني»، كما يقول شاب فلسطيني من غزة، يعتبر أن من الطبيعي أن يتزوج الإنسان وانه شخصياً يرغب بذلك، لكنه لا يرى ذلك ممكناً «في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة».
مجتمع فتي وعنوسة عالية
وتشير معطيات نشرها مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى أن المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الفتية، وأن نسبة المواطنين العازبين تصل الى 39.6 في المئة من كلا الجنسين. وتصل النسبة بين الذكور إلى 44.5 في المئة مقابل 34.6 في المئة بين الاناث.
وهناك من يعتقد بأن العزوف عن الزواج بين فلسطينيي الداخل، بدأ في النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم، وهناك من يرى أنه بدأ مع اندلاع الانتفاضة الثانية في 2000. لكن نسبة كبيرة من أصحاب النظرتين تتفق على أن المشكلة اتسعت في شكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مع تعرض المجتمع الفلسطيني الى المقاطعة الدولية وتفشي البطالة.
وفي البحث عن أسباب العزوف عن الزواج، يغيب الى حد كبير عامل القناعة الفردية ويطغى العامل الاقتصادي وعوامل اجتماعية مرتبطة بالتقاليد. ويقول محمد، وهو «فلسطيني أعزب على رغم أنفه»، كما يعرف عن نفسه، إن ضيق ذات اليد تعتبر من مقدمة الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة، «فتكاليف الزواج مرتفعة وتفوق طاقة شبّان كثيرين، يستصعبون توفير مساكن مناسبة وتلبية متطلبات الزواج، كالمهر وجهاز العروس وتكاليف الفرح وإعالة الأسرة».
سهام، الموظفة في مؤسسة اعلامية فلسطينية تدعم أقوال محمد، وتسأل: «كيف يمكن تكوين أسرة في ظل ظروف كهذه؟». وتزوجت سهام قبل نصف سنة من موظف في دائرة حكومية، لكن مجموع راتبيهما معاً لا يتعدى 200 دولار شهرياً. ومن هذا المبلغ يدفعان 150 دولاراً أجرة شهرية للمنزل، «فما الذي يمكن تحقيقه بالبقية؟»، تتساءل وتقول انها تضطر وزوجها لتناول الطعام في بيت والديه.
وترى سهام أن حالتها تمثل شريحة اجتماعية واسعة، وأن الأوضاع الاقتصادية تعمّق ظاهرة العزوف عن الزواج والطلاق أو فسخ الخطوبة. وهي فكرت قبل زواجها بأسبوع بتأجيل زفافها او فسخ الخطبة.
ولا تقتصر حالة العزوف عن الزواج على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل تطاول أيضاً، فلسطينيين في مناطق 48. وهناك أيضاً تجد العامل الاقتصادي سبباً رادعاً لكثير من الشبان والصبايا. وفي مناطق الجليل والنقب، خصوصاً في القرى العربية التي لا تعترف بها السلطة الاسرائيلية، السبب المركزي الذي يمنع الشبان عن التفكير بالزواج، هو تعذّر تأمين منزل يؤوي العائلة.
ففي هذه القرى تمنع إسرائيل السكان من البناء وتسعى الى ترحيلهم، ما يخلق حالة متواصلة من القلق وعدم الاستقرار، تهدد الكيان الأسري.
وبحسب معطيات «لجنة الأربعين»، التي تتابع قضية الاعتراف بهذه القرى، فإن هذه المشكلة تتوسّع. «في بعض البيوت تجد رجالاً تجاوزوا سن الأربعين ولم يقدِموا على الزواج بسبب هذه المشكلة»، يقول أحد المسؤولين في اللجنة.
مسببات وأضرار
اضافة الى العامل الاقتصادي، هناك من يعتقد بوجود أسباب أخرى للعزوف عن الزواج، منها: ميول الشبان الفلسطينيين الى استكمال دراستهم وتأهيلهم العلمي، والتي تمتد فترات طويلة يمتنع خلالها الشباب عن الارتباط الأسري. لكن جهات متدينة ترى أن «ضعف الوازع الديني وانتشار الأعراف الاجتماعية الغربية التي تسهل أمور العلاقة الجنسية خارج الأسرة، وانتشار الزواج العرفي والزواج الموقت، تساهم في تعميق المشكلة، حسبما يقول الشيخ مهند الصاوي. وبرأيه فإن «عزوف الرجل عن الزواج، الذي يفضي الى عنوسة المرأة، يعتبر حياداً عن السبيل السوي والتنكر لسنّة الهية». ويضيف الشيخ الصاوي ان للمشكلة أضراراً خلقية كالوقوع في الرذيلة والشذوذ الجنسي، وتهديد كيان الأسرة.
أما الطب النفسي فيرى ان للعزوف عن الزواج آثاراً سلبية، تبدأ من الشعور بالقلق وتصل الى أمراض جسدية كفقدان البصر والإصابة بالشلل، نتيجة ما يصيب العازب أو العانس من حالات عصبية. ويرى الدكتور ايمن محمود أن العنوسة قد تؤدي بالفتاة الى الهذيان المزمن، نتيجة لما تتعرض له من ضغوط في العائلة والمجتمع، ناهيك بآلام كثيرة عند فترة الحيض. أما الشبان فقد يتعرضون الى آلام حادة في الرأس نتيجة عدم إشباع الرغبة الجنسية.
ويرى الطالب الجامعي سامح أن تأخر الزواج قد يؤدي بالشاب الى الانحدار الى المستوى البهيمي، ويقول: «ربما أكون شاباً خلوقاً لكن غياب الزوجة الشرعية قد يدفعني الى أمور تقلّص الفارق بيني وبين الحيوان. قد ارتكب جريمة اغتصاب، أو أي جريمة أخرى لإرضاء الغريزة، أو لتوفير متطلبات الزواج».

الخميس، 8 فبراير 2007

فقط 144 حالة تسرّب من المدارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة... العمل لإعالة الأسرة والتحصيل العلمي ورشق الحجارة

جنّين (الضفة الغربية) - وليد ياسين الحياة - 08/02/07//
سلام أبو بكر (الحياة) «استيقظ من فراشي، أغسل وجهي، انظف أسناني، أرتب فراشي، أرتدي ملابسي، أمشط شعري، أتناول فطوري، أحمل حقيبتي وأمضي إلى المدرسة».
«نشيد النظافة» يضبط إيقاع النهوض والاستعداد. والنشيط هو الذي ينجز كل تعليماته، من دون تلكّؤ، فبهذا النشيد يبدأ المشوار إلى المدرسة، كل يوم، طوال 15 سنة. والتلاميذ يحفظونه جيّداً، ومع ذلك يرتكب بعضهم خطأً في الترتيب، كأن يمضي تلميذ إلى المدرسة قبل أن يستيقظ. والذي يرتكب هذا الخطأ تحديداً، يكون طائشاً ولا مبالياً، أو أنه لم ينم طوال الليل لأسباب مختلفة، منها هدير دبابة أو اشتباك «أخوي»... والمدرسة لا تنتظر، في اليوم التالي، من يصيبه هذا النوع من الأرق.
وسلام أبو بكر (9 سنوات)، من جنّين في الضفة الغربية، تتوسّل «نشيد النظافة» على طريقتها، لتنطلق كل يوم إلى مدرستها، ولو في أحلك الظروف. حتى أنها قبلت أن تسلك الدرب ذاتها، خلال الإجازة الفصلية، لتستعيد مشوارها، والبريق في عينيها.
هو المشوار الذي يكرره التلاميذ في أنحاء المعمورة، كل يوم. لكن محطاته، بالنسبة إلى تلميذ في فلسطين، قد تختلف عن محطات أقرانه في العالم... ففي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة يستيقظ هذا التلميذ على «أنغام» مختلفة: جنود يعلنون منع التجول، أو أزيز رصاص بين البيوت خلال مواجهة بين شبان المقاومة وجنود الاحتلال أو مواجهة محلية بين «فتح» و«حماس»...
و«أحياناً نسمع دوي النيران من دون أي سبب»، تستدرك سلام الصغيرة، وهي من سكان حي خروبي المجاور لضاحية صباح الخير، على مشارف الجهة الشرقية لمدينة جنّين. وهي طالبة في الصف الثالث، في مدرسة فاطمة خاتون، يفصل بيتها عن مدرستها نحو كيلومترين، وتنتقل إليها بالحافلة. لكنها، في أحيان كثيرة، تقطع المسافة سيراً على الأقدام.
وللوهلة الأولى، تظنّ أن الاضطرار إلى السير سببه حالة أمنية، فلا يعود السؤال عنه مهماً، خصوصاً أنك داخل منطقة «ساخنة». غير أن كلام الصبية ينفي هذا الافتراض، إذ يكشف السبب الحقيقي: «سائق حافلة الركاب يتقاضى مبلغ «شيكل» (العملة الاسرائيلية)، مقابل نقل الطالب في كل اتجاه. ولكن، أحياناً وبسبب الضيقة الاقتصادية، يعجز والدي عن تأمين الأجرة لي ولأختي». ووالد سلام يعمل موظفاً في دائرة رسمية. ومنذ فرض المقاطعة والحصار «أصبح الحصول على شيكل حلماً يراود الطلاب والتلاميذ»... والأهل والسائقين، أيضاً.
وخلال تعقّب وجهتها اليومية، حضرت سلام مع شقيقتها كرمل (7 سنوات). كان الطريق خالياً إلاّ من بعض المارّة الذين تعجّبوا من منظرهما، وهما ترزحان تحت الحقيبتين الثقيلتين، لأن المدارس مغلقة بسبب العطلة الفصلية.
وسلام «تحب المدرسة، ولا تحب العطلة أبداً»، على ما أفصحت أختها الصغيرة. فحين أضرب المعلمون، في مطلع السنة الدراسية، بسبب عدم دفع رواتبهم، لم تفرح للإضراب، لأنني «خسرت الكثير من دروسي». وتردف: «اريد من المعلمين ألا يُضرِبوا كي نواصل الدراسة، كي يتعلم الأطفال». وصمتت للحظة ثم أضافت: «العلم يفيد الانسان، انه سلاح المستقبل، اريد أن أتعلم، وأبني مستقبلي».
أسوأ من الاحتلال
وفي طريقهم إلى المدرسة يتحدّث التلاميذ عن الدروس، وأحياناً يلعبون، ومنهم من يستغرق في اللهو حتى يسمع الجرس من بعيد، فيهرع إلى الصف. وأحياناً، تضيف سلام، «نتحدث عن الأوضاع»! وتقصد الصراع بين «الأشقاء» (الفصائل الفلسطينية)، الذي تراه أسوأ بكثير من المواجهة مع الاحتلال، «ولا أعود أشعر بأمان». الصراع مع الاحتلال لم ينته بالانسحاب الإسرائيلي من شوارع المدن، فجنود الاحتلال يواصلون التوغل، وتتواصل المواجهات. والأطفال الفلسطينيون شهودٌ «مواظبون» على المواجهات، لا بل ان عدداً كبيراً منهم يشارك فيها برشق الحجارة.
أما سلام، فعلى عكس هؤلاء، تختبئ والسبب: «أنا لا أحب الجيش ولا أحب الحرب، أخاف كثيراً من جيش الاحتلال واختبئ إذا وقعت مواجهة على طريق المدرسة».
أعباء الطالب الفلسطيني
العديد من تلاميذ المدارس الفلسطينية يضطرون أحياناً كثيرة إلى تحمل بعض الأعباء، على رغم صغر سنهم. «اذهب لشراء الحاجيات بعد انتهاء الدراسة»، تقول سلام، وهـذا لا شيء مقـارنـة بمن يعملون للمشاركة في إعالة أسـرهم. فما يكاد الجـرس يقرع حتى يسارعوا الى مفترقات الطرق لبيع القداحات ومشابك الغسيل والصابون والأقلام... أملاً في جمع بعض الشواكل».
ولا تخلو ظروف عملهم من الأخطار، خصوصاً عندما يتراكضون بين السيارات ويستعطفون ركابها لشراء حاجة ما. وهناك أولاد يعيشون فقراً مدقعاً لا تملك أسرهم ثمن ربطة خبز، فيهربون من الدراسة للعمل.
ثائر، والد سلام، يشير إلى ان نسبة كبيرة من الأولاد يتسرّبون من المدارس بسبب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة. لكن هذه النسبة ليست مرتفعة، بحسب معطيات مديرية التربية والتعليم في جنين.
وتوضّح رئيسة المديرية، سلام الطاهر، أن الوزارة وضعت خطة متكاملة لمحاربة التسرب: «قسم الارشاد عمل كثيراً في هذا المجال، وصلنا إلى البيوت وتمكناً من اعادة الكثير من التلاميذ إلى مقاعد الدراسة». وهي تقول ان المعطيات المتوافرة لديها تشير إلى أن من بين 39 ألف طالب في المدارس التابعة لمديرية جنين، سُجّلت 144 حالة تسرب فقط. وتعتبر الطاهر أن من أسباب هذه الظاهرة الأوضاع الاقتصادية (للذكور)، والزواج المبكر (للإناث)، والضعف في التحصيل العلمي (للجنسين معاً).
ثلاث جهات تشرف على التعليم
ويخضع جهاز التعليم في المدارس الأساسية الفلسطينية لإشراف ثلاث جهات: وزارة التربية والتعليم، ووكالة غوث اللاجئين.
وتقول الطاهر ان مديرية التربية والتعليم تشرف في شكل كامل على التعليم في المدارس الرسمية. أما مدارس القطاع الخاص فتشرف عليها المديرية إدارياً فقط. والمنهاج الدراسي تحدده الوزارة، باستثناء بعض المقررات التي تحددها المدارس الأهلية.
ويختلف الأمر في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). فعلى رغم أن منهاجها الدراسي هو المتّبع في المدارس الرسمية، تبقى مدارس الأونروا مستقلة إدارياً ولا علاقة للوزارة بها بتاتاً.
ويبلغ عدد المدارس الحكومية في مديرية جنين 113 مدرسة، يتعلم فيها قرابة 40500 طالب وطالبة، ومثلها في مديرية قباطية. اما رياض الأطفال فيبلغ عددها في مديرية جنين 65 ومثلها تقريباً في مديرية قباطية. ويبلغ عدد الاطفال الذين تحتضنهم هذه الرياض قرابة 8000 طفل.
ووفق معطيات نشرتها منظمة «يونيسف»، يبلغ عدد الأطفال دون سن 18 سنة في فلسطين 1.9 مليون طفل، وبحسب تقديرات جهاز الإحصاء المركزي لسنة 2006، يصل عدد التلاميذ في المدارس الأساسية في فلسطين إلى مليون طالب يتعلمون في 2277 مدرسة حكومية وخاصة منتشرة في الضفة الغربية وغزة (1715 في الضفة و 562 في قطاع غزة).
وتفسّر الإحصاءات اكتظاظ القاعات في المدارس الحكومية مما يضر بالعملية التعليمية ويضعفها. وتشير تقارير «يونيسف» إلى أن أكثر من 23 في المئة من الطلبة عانوا بعد سنة 2002، صعوبة الوصول إلى مدارسهم بسبب الحواجز الإسرائيلية.