الاثنين، 3 نوفمبر 2008

عدم إجرائها يُعرّض حياة الأسرة للخطر ... الغرام أساس في حياة يضمن سعادتها أطفال «أصحاء»

غزة - وليد ياسين الحياة - 03/11/08//
في طفولتها شعرت ابتسام بالألم، فحملها والدها وانطلق بها إلى المستشفى بناء على نصيحة الطبيب. بعد إجراء الفحوص لها تبين أنها تعاني نوعاً من مرض فقر الدم، لكن الطبيب المناوب طمأن الوالد ونصحه بمتابعة حالة ابنته والتأكد قبل زواجها في المستقبل، من إجراء فحوص طبية لها ولشريك حياتها المستقبلي، لمعرفة اذا كان هو الآخر مصاباً بالمرض ذاته، لأن ذلك قد يورّث المرض لأولادهما.
تقدّم شاب من بلدتها لخطبتها، وتذكر الأب نصيحة الطبيب، وناقش الأمر مع زوجته. هل يطلعان ابنتهما والمتقدم لخطبتها على نتائج الفحص، أو يتجاهلانهما، بخاصة أنه لم تظهر على ابنتهما أعراض المرض منذ الطفولة.
العقل قال لهما أن يبلغا ابنتهما وخطيبها بالأمر، والعاطفة وقفت سداً منيعاً، خوفاً مما سيقوله الشاب أو أهله ومجتمعه إذا ما طلبا منه الخضوع لفحص طبي. لم يكن الأمر سهلاً، لكن الزوجة، التي تعمل ممرضة، انهت المعضلة بالإشارة إلى زوجها باستشارة طبيب الأسرة. بعد محادثة قصيرة مع الطبيب وفحص الملف الطبي لابتسام أبلغ الطبيب الأب أنه يمكنه الاتكال على الله واتمام مشروع الزواج، لأنه لم يظهر في ملف ابنته أي دلائل تشير إلى خطورة مرضية.
استكملت الاسرة اجراءات الزواج، وتزوجت ابتسام، وبدأت العائلة تحصي الأيام بانتظار سماع بشرى الحمل. بعد شهرين من الزواج أبلغت ابتسام والدتها بأنها حامل، وتوجهتا معاً إلى طبيب النساء لاجراء فحص أولي للجنين. في البداية أبلغهما الطبيب أن كل شيء على ما يرام، لكن الفحص الثاني الذي اجرته ابتسام بعد مرور شهر على الحمل طرح علامات تساؤل لدى الطبيب. واضطرت أم ابتسام لابلاغه نتائج الفحص الذي أجري لابنتها في طفولتها، فلامها لعدم العمل بنصيحة ذلك الطبيب، وأبلغهما ضرورة إجراء الزوج فحصاً فورياً.
في مجتمع ذكوري، يرفض فيه الرجل التشكيك بقدراته وبصحته، كان رفض الزوج متوقعاً. واضطرت ابتسام إلى الاستسلام لموقفه. ومضت شهور الحمل وأنجبت ابتسام طفلة معافاة، ووجد الزوج في الأمر مناسبة لممازحة زوجته قائلاً: «هل رأيت، قلت لك إنني متكامل وليس بي عيب».
لكن الامر لم ينته بالنسبة الى ابتسام، فماذا لو حصل العكس، سألته وأصرت على ان يتوجه إلى الطبيب في حجة ما ويطلب إجراء فحص للدم. بعد قرابة شهر أجرى زوجها الفحص وتبين انه يعاني من السكري، وأدركا ان الله كان معهما وانقذ ابنتهما من مرض محتمل.
حكاية ابتسام، ابنة مخيم الشاطئ في غزة، ليست نسيج خيال، وقد رواها طبيب النساء الذي أشرف على علاجها. ويقول: «كان يمكن حدوث تشوه للجنين يندم عليه الأهل طوال العمر».
وينصح الطبيب اسماعيل كل زوج مقبل على الزواج بعدم الاستهتار بالأمر. «اعرف ان مجتمعنا لا يتقبل الأمر ببساطة، لكن اذا وقعت الواقعة سيندم الأهل حين لا ينفع الندم».
أُلفت، كانت طالبة جامعية ومرتبطة بعلاقة عاطفية مع شاب من عائلتها. خلال دراستها للصيدلة أدركت ضرورة إجراء فحص قبل الزواج، وعلى رغم أنها كانت تعلم مدى الحساسية التي ينطوي عليها إصرارها على اجراء خطيبها فحصاً غلبت العاطفة وخيرته بين إجراء الفحص أو إنهاء العلاقة بينهما. «لست مستعدة للمخاطرة بمستقبلي ومستقبل أسرتي. أنا أحبه وأريده لكننا نمضي نحو بناء أسرة وأريد لأسرتي ان تكون معافاة». طبعاً، رفض الشاب شرطها للزواج وابتعد عنها. أُلفت متزوجة اليوم من موظف في احدى الدوائر الرسمية. وتقول: «تصور ان هذا الموظف الذي لم تربطني به أي علاقة من قبل ولم يعرفني إلاّ حين تقدم لخطبتي بوساطة اسرته، كان اكثر انفتاحاً من قريبي الأكاديمي».
ويرى الدكتور اسماعيل ان ما دام الهدف من إجراء الفحص هو ضمان مجتمع صحي سليم ومعافى فلا مبرر يمنع إجراء الفحص. ويوضح: «الاستشارة الطبية يمكنها ان تجنّب الأسرة مخاطر حدوث مكروه للجنين، بل وحتى فقدان قدرة الزوجين على الانجاب. اعتقد انه لا بد من اجراء الفحوص الطبية قبل الزواج وأن يبنى الحوار بين الزوجين على المصارحة والثقة المتبادلة وتفهم العواقب واتخاذ الموقف السليم. فاصابة احدهما بمرض ما لا يعني انه عاجز او منقوص، وانما يمكن اذا ما تبين إصابتهما معاً بالمرض ذاته ان يرتكبا خطيئة بحق المجتمع وبحق اسرتهما».
من جهته يقول الطبيب النفسي حيدر غزاوي، ان رفض إجراء الفحص يعود أولاً إلى عوامل نفسية تجعل أحد الزوجين أو كلاهما معاً يعيشان مشاعر الخوف مما سيقوله المجتمع. لكن يمكن اليوم إجراء الفحوص في شكل سري، وان يقرر الشخص المعني بعد اطلاعه على نتائج الفحص ما الذي ينوي عمله، طبعاً الطبيب سيلتزم بعدم إفشاء السر إذا طلب منه ذلك، لكن على صاحب الشأن أن يُحكّم العقل، لا العاطفة، في مثل هذه الحال.

ليست هناك تعليقات: