الخميس، 27 نوفمبر 2008

عنف المعلمين مع طلاب فلسطينيين يقارب «التعذيب»

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 27/11/08//
ما زال الغموض يكتنف ظروف سقوط الطالب الفلسطيني عرفات رأفت الصواف، من الطابق الثالث في مدرسة الإمام الشافعي الثانوية بمدينة غزة، في وقت يؤكد عدد من شهود العيان ووالد الطالب أن عرفات، الذي يرقد حالياً في حالة موت سريري، في احد المستشفيات الإسرائيلية، تعرض للضرب العنيف على يد مدرس الرياضيات، وسقط من الطابق الثالث، أثناء محاولته الهرب من عصا معلمه.وفي التفاصيل، التي تناقلتها مؤسسات حقوقية فلسطينية، كان عرفات يحاول الهرب من مدرسه، لحظة خروجه من فصله الدراسي في الطابق الثاني، إثر تعرضه للضرب بسبب سلوك سلبي. ثم شوهد عرفات وهو يصعد إلى شبك الحماية الحديدي المحيط بسلالم الطابق الثالث. علقت ساقاه واختل توازنه فهوى. إلاّ أن والد الطالب يتهم المعلم مباشرة بالتسبب بسقوط ابنه، ويقول ان المدرس ضربه بالعصا وهو معلق على السلالم، ما أدى إلى سقوطه.وصف الناطق الإعلامي لدى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، الحادث بأنه «عرضي»، في حين طالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بنشر نتائج التحقيق في الحادثة، وبحماية حق الأطفال في التعليم وتعزيزه، ومكافحة مظاهر العنف في المدارس. وتزامن ذلك مع صدور بيان لمؤسسة «الضمير» ومركز «الميزان» لحقوق الإنسان، يؤكد تزايد الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون، بسبب التصاعد المستمر لاستخدام العنف في مدارس قطاع غزة. واعتبر البيان استخدام العنف في المدارس تعبيراً فظاً عن عجز من يستخدمون العنف وقصور إمكاناتهم وأدواتهم التربوية، إضافة إلى انتهاكهم معايير حقوق الإنسان والقانون الفلسطيني الذي يحظر استخدام العنف في المدارس.وفي متابعة لحادثة الطالب عرفات الصواف، يتضح ان العنف في المدارس الفلسطينية يستشري، ولا يتوقف على المدارس الحكومية فحسب، بل يتغلغل في مدارس «اونروا» التي يبدو أنها تحاول التستر على ما سماه أحد نشطاء حقوق الإنسان بـ «التعذيب داخل المدارس»، من خلال المبادرة إلى حملة لمكافحة العنف في المجتمع الفلسطيني ومدارسه.وحاول مسؤول في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، التقليل من حدة ظاهرة العنف في المدارس، بوصف مبادرة «مدارس بلا عنف» بأنها «تطبيق ملموس لترسيخ قواعد ثابتة في نشر الاحترام المتبادل والقيم الاجتماعية والانضباط السلوكي لدى الطلبة»، بينما نشر الباحث الفلسطيني في مجال حقوق الإنسان، مصطفى إبراهيم، تقريراً، يتهم فيه إدارات المدارس بممارسة «التعذيب ضد الطلبة». ومن ممارسات التعذيب التي كشفها تقريره، قيام بعض المعلمين برش الرمل على رؤوس الطلاب الذين يضعون «الجلْ» على الشعر، وإجبار الطلاب الذين يتأخرون في الوصول إلى المدرسة على ممارسة رياضة عنيفة، تشمل تمارين «عسكرية»، كما ذكر بعض الطلاب. ويقول هؤلاء إن المعلمين يفرضون عليهم إجراء تمارين الضغط والزحف على الأرض، والقرفصة على أصابع القدمين والسير مسافة طويلة تحت الضرب بالعصي. ويمارَس الضرب الجماعي بالعصي على الطلاب المعاقبين، اذ يجتمع عدد من المعلمين حول الطالب، وينهالون ضرباً على كل أنحاء جسمه. وشهد هؤلاء الطلاب ان أحد زملائهم في الثانوية العامة، أدخل المستشفى من شدة الألم إثر «فلقة» على قدميه. وأكد طالب في الصف الأول الإعدادي في إحدى المدارس التابعة لوكالة «أونروا» أن المعلمين هناك يمارسون السلوك نفسه، بل ويضيف انه إذا سقط طفل من شدة العياء، يُضرب بالعصي ويُجبر على إكمال التمرين.ويقول مصطفى: «نسمع عن عنف يمارسه طلاب المدارس، إلا أننا في قطاع غزة أصبحنا نسمع ونشاهد العنف الذي يمارسه المعلمون المناط بهم تربية الأجيال الصاعدة وتنشئتهم».من جهتها، قالت وكالة «أونروا» في بيان، إنها تسعى إلى إيجاد أفضل بيئة تعليمية ممكنة لطلابها، وإنها تنفذ نشاطات مختلفة لتزويد المعلمين والطلاب بمهارات تهدف إلى نشوء بيئة مدرسية تربي على التسامح والاحترام والتواصل، وتحرّم العنف في المدارس.وأضافت أن 20 مدرسة تبنّت مبادرة خاصة لمكافحة العنف، وان فريقاً شُكّل على أعلى المستويات، من دائرة التعليم بالوكالة، والجامعات المحلية، والاختصاصيين لوضع الخطط والنشاطات الضرورية، تمهيداً لتعميم التجربة على كل المدارس مستقبلا،ً وأن هناك تعليمات مشددة تحظر استخدام العنف في شتى صوره في مدارس الوكالة.وبحسب مصطفى، لم تتلق أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان حتى الآن، رداً على البيانات والشكاوى التي رُفعت بخصوص سقوط الطالب الصواف، ولم يُكشف عن تحقيقات في شكاوى كثيرة تقدم بها طلاب وذووهم، ضد بعض المعلمين في المدارس التي تمارس العنف الجسدي والنفسي والمعنوي على طلابها. ولم تأخذ الوزارة تلك الممارسات بجدية.

الاثنين، 24 نوفمبر 2008

دراسة تشير إلى قصور واضح في معالجتها ... 17 في المئة من الشبان الإسرائيليين «في ضائقة»

شفاعمرو (فلسطين المحتلة) - وليد ياسين الحياة - 24/11/08//
أصبح مصطلح YOUTH AT RISK أو «الشباب في ضائقة»، احد المصطلحات الأكثر شيوعاً في المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، بفعل ازدياد حوادث العنف والإهمال التي تعانيها نسبة كبيرة من الفتية والشبان الإسرائيليين.وبموجب التعريف الرسمي لـ «الشبان في ضائقة»، فإنها مجموعة الشباب الذين ترواح أعمارهم بين 14 و18سنة ، والتي تواجه أو يحتمل مواجهتها ضائقة وأخطار جسدية، نفسية أو روحانية. وبحسب المعطيات التي نشرتها جمعية «عيلم» الإسرائيلية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أي عشية الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الطفل، بلغ عدد الفتية والشبان الإسرائيليين الذين ينطبق عليهم هذا التعريف 330 ألفاً، ويشكلون ما نسبته 17 في المئة من مجموع الفتية والشبان، فيما تتحدث معطيات نشرتها جمعيات أخرى تكافح العنف ضد الأطفال والفتية والشباب، عن 350 ألف ضحية للعنف والإهمال، سواء من العائلة أم من المؤسسات الرسمية.ويتضح من معطيات جمعية «عيلم» ان قرابة 40 في المئة من هؤلاء الفتية والشبان يتعرضون للعنف العائلي و34 في المئة يتعرضون للعنف اللفظي، و18 في المئة يعانون من العنف الجسدي، فيما قال 5 في المئة إنهم تعرضوا للاعتداء الجنسي. وتشير هذه المعطيات، التي نشرتها لجنة رسمية شكلتها الحكومة لمعالجة أوضاع الفتية والشبان الذين يواجهون الضائقة، ان قرابة 165 ألف فتى وشاب لا يحصلون على أي مساعدة لمواجهة «الضائقة» التي يعانونها، فيما يعيش قرابة 135 ألفاً في عائلات تعاني من العنف الجسدي، و144 ألفاً يعانون من الإهمال، و49 ألفاً يتعرضون للتنكيل، و22 ألف فتى يعيشون في كنف عائلات تورط أفرادها في نشاط إجرامي.ويرى مختصون بمعالجة هذه الظاهرة ان مسببات الضائقة تكمن في العوامل التي تؤثر في نمو الفتية والشبان في شكل سلبي، وهي الفقر والبيئة الإجرامية والعائلات التي لا تقوم بواجباتها. ويقول احد الباحثين الاجتماعيين ان «دلائل الضائقة تنعكس في السلوكيات السلبية للشبان التي تتزايد بفعل هذه المسببات. ومن الظواهر البارزة التي تؤثر في سلوك هؤلاء الشبان ونموهم: التسرب من المدارس، الهرب من البيت، والتورط في أعمال جنائية كالاغتصاب والعنف، وممارسة الجنس في سن مبكرة، والتدخين، وتعاطي الكحول والمخدرات، والتورط مع عصابات إجرامية.ويظهر من دراسة أعدّتها أربعة معاهد فاعلة في إسرائيل ان نسبة الشبان العرب الذين يتسربون من مدارسهم تصل إلى 30 في المئة مقابل 10 في المئة في الوسط اليهودي، بينما تبلغ نسبة الفتية الذين يعيشون في عائلات فقيرة 30 في المئة من مجموع الفتية في إسرائيل، أما الفتية الذين يعيشون في عائلات أحادية الوالدين، بسبب الطلاق أو الإنجاب غير الشرعي، فتصل إلى 8 في المئة. ويقول معدو الدراسة ان الفتية الذين يعيشون في ظلّ ضوائق خطيرة داخل الأسرة، يفقدون القدرة على نيل حقوقهم التي حددتها المعاهدة الدولية لحقوق الطفل في العديد من المجالات، أبرزها: فقدان الانتماء العائلي، فقدان المقدرة على العيش والنمو الطبيعي، القصور في التحصيل العلمي والمهني، فقدان الراحة والثقة بالنفس، فقدان الانتماء الاجتماعي وعدم المقدرة على حماية أنفسهم من الآخرين ومن ذاتهم.وتضيف الدراسة التي أُجريت على نزلاء مؤسسة للأولاد في ضائقة في إحدى المدن الرئيسة في إسرائيل ان الفتيان الذين يعانون الضائقة ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي، وجاؤوا من مختلف أنحاء البلاد. فبين هؤلاء يوجد أبناء عائلات يهودية وعربية، يهود من قدامى المستوطنين الإسرائيليين ومن المهاجرين الجدد، أبناء أحياء فقيرة وأبناء أحياء ثرية، وكلهم يجمعهم عامل مشترك هو الشعور بالغربة في مجتمعاتهم وممارسة سلوكيات غير أخلاقية، كالتشرد، الإجرام، الإدمان على المخدرات والكحول وممارسة العنف والفوضى وغيرها.ومن المعطيات المثيرة التي خرجت بها الدراسة يبرز العدد الكبير للفتيان الذين تم تحويلهم على رعاية سلطة الرفاه نتيجة إهمالهم من عائلاتهم، اذ بلغ عددهم 52 ألف فتى، فيما بلغ عدد الفتية الذين ترعاهم السلطة نتيجة تعرضهم إلى التنكيل قرابة 16 ألفاً.ويتضح من هذه المعطيات، أيضاً، ان نسبة كبيرة من الفتيات اللواتي تتم معالجتهن من سلطة الرفاه، وصلن إلى هناك جرّاء مواجهتهن أوضاعاً نفسية بالغة الصعوبة (57 في المئة)، كما ان هناك نسبة كبيرة ممن حاولن الانتحار (24 في المئة). وأما نسبة اللواتي مارسن الزنا فتصل إلى 5 في المئة، فيما وصلت نسبة الفتيات اللواتي مارسن الجنس في شكل غير مراقب إلى 36 في المئة. ووصلت نسبة المتورطات في أعمال جنائية إلى 48 في المئة، ونسبة متعاطيات السموم إلى 34 في المئة.وعلى رغم قيام السلطات الإسرائيلية بخطوات عملية للحد من ظاهرة الشبان في ضائقة، إلا أن الدراسة تشير إلى قصور واضح في معالجة هذه الظاهرة في مجالات عدة. وعلى سبيل المثال، تشير الدراسة إلى عدم الاهتمام بتوفير الأطر الكافية لمعالجة هذه الظاهرة، وتقلص نوعية الخدمات المطلوب توافرها لمعالجة الشرائح الاجتماعية كافة، وعدم الاهتمام بتقديم الخدمات كاملة للمحتاجين. ويبرز هذا القصور في شكل خاص في الدوائر التي تعالج هذه الشريحة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل وفي أوساط المهاجرين الروس والأثيوبيين.

الخميس، 20 نوفمبر 2008

يدمر أسس الحياة الأسرية... عنف الوالدين يخلّف ضحية ... وجلاداً

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 20/11/08//
وقف سعيد مشدوهاً أمام ابنة شقيقته سماح وهي تصرخ في وجه والديها أنها تتمنى الموت على مواصلة العيش معهما، في هذا الجحيم. كانت سماح عادت لتوها من عملها. وما إن فتحت الباب حتى أطلقت صرختها الطويلة تلك التي شعر في أثنائها خالها، سعيد، وكأن سكيناً تمزق جسد الشابة. لم تكن في حاجة إلى الاستفسار عما يحدث، فقد ألفت مشاهد العنف اليومية بين والديها.
حضر سعيد إلى منزل شقيقته بعد أن استدعاه أحد جيرانها لفض اشتباك جديد بينها وبين زوجها. وحين دخل إلى البيت كان المشهد مرعباً: شقيقته تنزف دماً بسبب ضربة وجهها إليها زوجها بزجاجة شجت رأسها. وفي الزاوية، كانت فرائص أطفالهما الأربعة ترتعد، من دون أن يأبه والداهما بهم، أو بما سبباه لهم من فزع غمر عيونهم بالدمع.
عشرون عاماً مضت منذ تزوجت شقيقة سعيد، ويكاد لا يتذكر أسبوعاً واحداً مضى، من دون أن يتكرر مشهد عنف في منزلها. وغدا سعيد العنوان الوحيد الذي يرجع إليه الجيران كلما سمعوا صراخاً ينبعث من بيت شقيقته. ولقد كان صديقاً لزوجها قبل قرانه بشقيقته سهى.
طوال السنوات العشرين، حاول مراراً وتكراراً إفهام الزوجين بأن الخلافات بينهما تنطوي على أخطار جسيمة على أطفالهما، لكن أحداً منهما لم يفهم قصده، حتى وهما يعايشان الآثار السلبية لخلافاتهما: انطواء وخوف وعنف متبادل.
في ذلك المساء، وبعد أن فشل سعيد في تهدئة الزوجين، وأدرك ان المشاكل لن تتوقف، رافق شقيقته وأولادها إلى منزله، عازماً على وضع حد للمعاناة. وبعد أشهر من التداول في قضيتهما أمام المحكمة الشرعية، تم تطليقهما. وانتقلت سهى وأولادها للعيش في منزل خاص. وعلى رغم شعور الأطفال للمرة الأولى، بأنهم بدأوا يعيشون حياتهم، وبدا ذلك واضحاً من «انتعاشهم» الجسدي والعقلي، لم يتخلوا عن والدهم. وبتشجيع من أخوالهم كانوا يزورونه مرة في الأسبوع. وبعد أشهر من الفراق، عادت الأسرة والتحمت من جديد، بعد تدخل متكرر من أهل الخير.
العاملة الاجتماعية ناريمان التي تابعت ملف الزوجين تنظر بارتياح إلى أوضاع الأسرة اليوم، وتتمنى ان يكون الزوج تلقن الدرس فعلاً، وتوقف عن ممارسة العنف بحق أسرته. وتقول: «أثناء متابعتي ملف الأسرة، وقفت على الآثار العميقة التي خلفها الشجار المتواصل بين الوالدين، في نفوس أطفالهما. فقد ترك الشجار والجدال الدائم المصحوب بالاهانة والعنف، تأثيراً سلبياً على نمو الأطفال وعلى صحتهم النفسية. الطفل لا يحتاج إلى الطعام والشراب والتعليم فحسب، بل أيضاً إلى الاستقرار والهدوء النفسي، لأن من دون ذلك يفقد قدراته، ولا يتمكن من صقل شخصية ايجابية. ومعايشته الشجار اليومي بين والديه، له انعكاسات على سلوكه في المدى البعيد».
وأجرت ناريمان لقاءات مع الوالدين، على انفراد في البداية ومن ثم معاً. وشرحت لهما أبعاد الآثار السلبية لتصرفاتهما على نفسيات أطفالهما. وتذكر كم تألّمت حين التقت الأطفال في عيادتها، وشاهدت الولد الأصغر، كيف يتصرف مع شقيقاته. «اعتقد بأن ممارسة العنف على أمه تركت آثاراً مدمرة على نفسيته، وبات يتصرف مثل والده تماماً، بتسلط ذكوري يعتقد أنه يمنحه الحق بأن يكون الآمر الناهي»، كما تقول.
وترى ناريمان أن على رغم عودة الأسرة إلى حياتها المشتركة، سيمضي وقت طويل قبل أن يتعود هذا الطفل على أنه لا يملك الحق في التحكم بشقيقاته ومعاملتهن وكأنهن خادمات له.
وهي تعتبر أن الخلافات الزوجية أمام الأطفال مسألة طبيعية، تحدث بين كل البشر، «ولكنْ ما ليس طبيعياً أن تتحول مشهداً يومياً مرعباً، مثلما كان يحصل داخل أسرة سهى». وتعتقد ان التفريق بين أفراد الأسرة مدة طويلة، ساهم في تهدئة الزوج، وإفهامه بأنه إذا أراد مواصلة بناء أسرة معافاة ومستقرة عليه ان يتغير كلياً. ومن خلال متابعتها أوضاع الأسرة بعد «لمّ الشمل»، لاحظت أن الوالدين يدركان ان عليهما السعي الى منع تطور الاختلاف بالرأي ومسائل «النزاع» بينهما، إلى صراع لا طائل منه غير إلحاق الأذى بالأبناء والبنات... وحتى الجيران والأقارب.
الخبير في علم النفس، أيمن مصطفى، يرى انه يتحتم على الوالدين، ليس الانضباط أمام أطفالهما فحسب، بل أيضاً العمل على نشر روح التربية السليمة في الأسرة، من خلال عدم التفريق بين الجنسين، وجعل الولد (الصبي) يعي أنه لا يختلف عن شقيقته (البنت)، وأنه لا يستحق رعاية واهتماماً متميّزين، وأن يدرك أن مفهوم البنت خادمة للصبي، خاطئ أو باطل. «وعلى الصبيان والبنات أن يفهموا أن حياتهم المشتركة تحتم التعاون بينهم. وبهذه الطريقة، تنمو لديهم روح المشاركة الأسرية. وأنا أؤمن بأن طفلاً يتربى على هذه الروح سيغرس المحبة في أسرته مستقبلاً، واستبعد أن يمارس العنف بحق أفرادها»، كما يقول.

الاثنين، 17 نوفمبر 2008

مجتمع يغوص في مستنقع العسكرة والاهتزاز الاجتماعي والأخلاقي ... قلق إسرائيلي من ظاهرة الانتحار بين الشباب

شفا عمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 17/11/08//
إلى جانب الأزمات الخطرة التي يواجهها الشباب في إسرائيل، وفي مقدمها تفشي ظواهر العنف والإدمان على المخدرات والكحول، يستدل من معطيات تناقلتها جهات رسمية وتنظيمات أهلية تتابع أوضاع هذه الشريحة الاجتماعية، ان نسبة اليأس من الحياة والميل إلى الانتحار باتت تشكل ظاهرة مقلقة في مجتمع يغوص من يوم الى آخر في مستنقع العسكرة والفساد الاجتماعي والأخلاقي، إلى حد أجبر دارسي هذه الظاهرة على الاعتراف بأن إسرائيل باتت تنافس الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية في هذا المجال.
وتفيد آخر الدراسات التي تناولت ظاهرة الانتحار بين الشباب في المجتمع الاسرائيلي أن 8 في المئة منهم حاولوا الانتحار بين عامي 2003 و2006، مؤكدة أن على رغم أن نسبة الانتحار في سن البلوغ ليست الأعلى مقارنة بنسبتها في أعمار أخرى، إلا أن التفكير بالانتحار ومحاولات الإقدام عليه تبرز في شكل كبير في هذا الجيل.
وجاء في تقرير قدمه الباحثان رون تكفا ونعمي مي عامي، إلى لجنة حقوق الطفل في البرلمان الاسرائيلي أن ارتفاع هذه الظاهرة في أوساط الشبان، في سن البلوغ، يعود إلى ما يرافق هذه المرحلة الحياتية من صراعات نفسية واجتماعية ودخول الشبان في حالات شديدة من التوتر والضغط ومصاعب المعيشة والدراسة. ويضيفان ان البالغين يحاولون مواجهة هذه المصاعب بطرق مختلفة: إظهار العدوانية، التمرد، الانطواء، الهروب من البيت، وفي أقصى الحالات محاولة الانتحار.
وبحسب التقرير، فإن ظاهرة الانتحار في أوساط الشباب كانت تعتبر مسألة ذاتية يحاول المجتمع التستر عليها، لكنها أضحت مشكلة يواجهها المجتمع بكل مركباته، إعلامياً، أكاديمياً ورسمياً. وهناك هيئات إسرائيلية تعالج هذه المشكلة سواء على مستوى العمل الأهلي أم على المستوى الحكومي والبرلماني.
ويستدل من معطيات أبحاث أن محاولات الانتحار تعتبر نادرة قبل سن الـ12 سنة، وأن الذكور يميلون إلى الانتحار أكثر من الإناث، لكن نسبة الإناث اللواتي حاولن الانتحار تفوق نسبة الذكور. ومن العوامل الاجتماعية البارزة التي تشير إليها هذه الأبحاث كمسببات أساسية لمحاولة الانتحار، انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة، وانخفاض مستوى ثقافة الوالدين.
تستر عائلي
ويؤكد باحثون مواجهتهم مصاعب لدى محاولتهم إحصاء حالات الانتحار في أوساط الشبان الإسرائيليين، لأن العائلات غالباً ما تحاول التستر على حصول محاولات كهذه في أوساطها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقاصرين، وثانياً لأن المستشفيات لا تلتزم دائماً توثيق محاولات الانتحار في السجلات الطبية للمرضى، بل وتخفيها أحياناً نزولاً عند رغبة الأهالي الذين يعتبرون محاولة الانتحار في أسرهم بمثابة وصمة يحاولون طمسها. فضلاً عن أن الباحثين لم يتمكنوا من إحصاء نسبة المنتحرين الذين لم يصلوا إلى المستشفيات.
لكن التقرير الذي قدّم إلى اللجنة البرلمانية لحقوق الطفل، يشير استناداً الى معطيات الوفيات في أوساط الشبيبة كما وردت في سجل الإحصاء المركزي، إلى أن نسبة الشبان، في سن الـ15-24 سنة، الذين أقدموا على الانتحار بين 1981 و2000، تصل إلى 22 في المئة من المجموع العام للمنتحرين. وتعتبر هذه النسبة مقلقة لأنها تفوق عملياً نسبة الشبان في المجتمع الاسرائيلي ككل، والتي وصلت في الفترة ذاتها إلى 18 في المئة.
وبحسب تقرير لوزارة الصحة، بلغ معدل محاولات الانتحار سنوياً، بين 2001 و2003، نحو 370 شخصاً، بينهم 70 شاباً. كما يستدل من الأرقام أن نسبة الشبان الذين أقدموا على الانتحار في العام 2000 وصلت إلى 6.9 من بين كل 100 ألف شخص، غالبيتهم من الذكور. أما محاولات الانتحار التي باءت بالفشل، فوصلت إلى 5 في المئة، غالبية من أقدم عليها من الذكور أيضاً.
وتؤكد هذه المعطيات ان نسبة الشبان الفلسطينيين في “منطقة 48” الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها، كانت عالية في هذا الجيل، أيضاً (بين سن 15 و24 سنة)، لكن نسبة الشبان اليهود الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها تضاعفت مرتين.
وفي ضوء معطيات المجلس القومي لسلامة الطفل، فإن عدد الأولاد والفتية الذين أقدموا على الانتحار خلال عامي 1990 و2000، تراوح بين 9 و15 فتى سنوياً. لكن الأرقام المثيرة للقلق في تقرير للمجلس تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الأولاد الذين يحاولون الانتحار. وعلى سبيل المثال أقدم 939 فتى تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، على الانتحار في العام 2004. وبلغت نسبة الإناث بينهم نحو 80 في المئة.
وعلى رغم كون هذه المعطيات تزيد بكثير عن معطيات وزارة الصحة للعام ذاته (نحو 500 محاولة)، الا أن المعطيات أثارت قلقاً كبيراً لدى المؤسسة الحاكمة التي سارعت إلى طلب تقرير مفصّل يوضح أسباب هذه الظاهرة وحجمها وسبل معالجتها.
ويستدل من ذلك التقرير أن المسببات الأساسية لمحاولات الانتحار خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تتلخص في المتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الاسرائيلي، ومن أبرزها: ارتفاع نسبة البطالة، ارتفاع نسبة الطلاق، التأثير الاجتماعي لوباء الايدز، ارتفاع نسبة ادمان الكحول والسموم، اتساع استخدام الانترنت والانكشاف من خلاله على ظواهر الانتحار والعنف وعلى مواقع تشرّع الانتحار وتحض على التخلص من الحياة، فضلاً عن ازدياد سبل الوصول إلى وسائل الانتحار كالحبوب المخدرة والسيارات والمسدسات.
وبحسب التقرير، فإن إقدام الشبان على ابتلاع كميات من الحبوب المخدرة يعتبر من المسببات الأساسية للانتحار. كما يشير التقرير إلى تفشي الأمراض النفسية في أوساط الشبان الإسرائيليين، لا سيما الإحباط النفسي الذي يصيب نسبة عالية منهم. كما يشير التقرير إلى حالات التجويع الإرادي (الحمية القاتلة) كأحد المسببات، وكذلك شعور الشبان بأن مشاكلهم الحياتية غير قابلة للحل، وأيضاً، تفشي ظواهر غير أخلاقية كاللواط، والاعتداءات الجنسية وغيرها.
أما عن سبل معالجة هذه الظاهرة، فينصح الباحثون بضرورة اعتماد خطط أميركية ثبتت نجاعتها، وتشمل: سنّ قوانين تلزم الحكومة تخصيص موارد مالية لمحاربة الظاهرة عبر البرامج التعليمية، تأهيل مرشدين لتشخيص مخاطر الظاهرة والعمل لمنعها، دمج المعلمين في برامج تأهيل خاصة والربط بين برامج لمكافحة ظاهرة الانتحار وبرامج مكافحة العنف والسموم، وكذلك تخصيص موازنات لإجراء أبحاث متواصلة حول الظاهرة وسبل مكافحتها.

الخميس، 13 نوفمبر 2008

«بيت الموسيقى» يوسّع الآفاق لأطفال فلسطين... غرباً

شفاعمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 13/11/08//
عندما تدخل منزل المواطن زهر الدين سعد، في قرية المغار،في منطقة 48، تخال نفسك عند مدخل دار للاوركسترا أو معهد موسيقي صغير. أبناء زهر الدين الأربعة، عمر (13 سنة) ومصطفى (11 سنة) وطيبة (10 سنوات) وغاندي (9 سنوات)، وهبهم الله نعمة عشق الموسيقى وملأ صدورهم بأشجانها، فاختار كل واحد منهم آلته المحببة، وانطلقوا جميعاً يعزفون مقطوعات موسيقية تجعلك تنتشي طرباً على أنغام الآلات التي استسلمت لأنامل الأشقاء الأربعة.
والأربعة يدرسون العزف في «بيت الموسيقى» القائم في مدينة شفاعمرو، التي تبعد مسافة سفر ساعة على الأقل من قريتهم. ومع ذلك، تجدهم يبكرون في الاستيقاظ صباح كل احد، ليتوجهوا إلى المعهد، بشغف العاشق «لتلقي مزيد من رشفات الحب»، كما يقول والدهم، مضيفاً: «أصبحت الموسيقى تشكل الغذاء الروحي لأبنائي. الله أنعم علي بأربعة موهوبين أتوقع لهم مستقبلاً مشرقاً».
ويعتز سعد بتميز ابنه مصطفى في العزف على الآلات الوترية، وهو حائز «جائزة مارسيل خليفة» لأبناء جيله، في المسابقة التي نظمها «معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى» في القدس، في تموز (يوليو) الماضي. ويكاد مصطفى يطير فرحاً وهو يتحدث عن مشاركته بعد فوزه بالجائزة، في الحفلة التي أقيمت في «قصر الثقافة» في رام الله، لتوزيع الجوائز على الفائزين، وقدم معزوفة.
ويذكر الفتى أنه عشق الموسيقى منذ طفولته، ووجد تجاوباً كبيراً من والديه، ما شجعه على مواصلة الطريق. وهو يحلم بتحقيق «مجد» في عالم الموسيقى ويؤمن بأن الموسيقى، ستشكل مصدر رزق له ولأشقائه.
وبحماسة مصطفى، يتحدث الطالب الجامعي سعيد سلباق، من مدينة شفاعمرو، الذي تخرج من بيت الموسيقى والتحق بمعهد عال للموسيقى لاستكمال دراسته الجامعية. بدأ سعيد دراسة الموسيقى، منذ كان في السادسة من عمره. وحين بلغ الثالثة عشرة التحق بـ «بيت الموسيقى» واستمر فيه، حتى اجتاز امتحانات الشهادة التوجيهية. ويقول: «منذ صغري، كنت اعزف على البيانو قبل دراسة أصول العزف. وحين التحقت ببيت الموسيقى، توسّعت آفاقي، وتعزّز حسي الموسيقي. ويمكنني أن أقول اليوم إنني لا أطيق العيش من دون موسيقى».
يلفت سعيد إلى أن عائلته دعمته بكل قواها، وهي تواكب مسيرته باهتمام كبير، «لا بل حين كانوا يشعرون بأنني أميل إلى التخلي، كانوا يدفعونني إلى المواصلة». وهو ينتقد بشدة قلة الاهتمام بالموسيقى في المنهاج التعليمي الرسمي، الذي ينقطع بعد الصف السادس ابتدائي.
ويقول انه يتحتم على المدارس العربية بخاصة، ان تعمل على تقريب الطلاب من الموسيقى، فناً وعلماً، من خلال منهاج دراسي، أو على الأقل، من خلال نشاطات موسيقية. ولا يخاف الشاب من المستقبل المهني، بل يصرّ على أن ما لمسه من اهتمام بالموسيقيين الشبان أمثاله، وان كان ليس كافياً، يجعله يثابر وينشد التعمق في هذا المضمار.
جمعيّة «بيت الموسيقى» تأسست في مدينة شفاعمرو، في 1999، بمبادرة من الموسيقي عامر نخلة ومجموعة موسيقيّين محترفين جمعهم السعي إلى خلق إطار مهني لتعليم الموسيقى. وذلك بهدف سدّ الفراغ في هذا المجال الفني، داخل المجتمع الفلسطيني في منطقة 48.
ويُعتبر المعهد الإطار الموسيقي الأكاديمي الوحيد الخاص بالأقليّة الفلسطينيّة في الداخل. وهو المعهد العربي الأوّل الذي حصل على اعتراف رسمي من وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية.
ويعتز عامر نخلة بمساهمة معهده في تغيير نظرة المجتمع إلى الموسيقى وفنونها، وبانتزاعه اعترافاً محلياً ودولياً، جعل منه مركزاً حيوياً نابضاً بالنشاطات. ويقول: «المعهد نجح في إدخال الموسيقى إلى المجتمع الفلسطيني بمفهومها العلمي، فلم تعد مجرد هواية يلجأ إليها الطالب في ساعات الفراغ، وإنما باتت موضوعاً علمياً له قيمته ووزنه في حياة طلابنا».
ويرى نخلة ان الموسيقى تجذب الأطفال منذ الصغر، ومن يحظى بالاهتمام والرعاية يحقق النجاح، ويضيف: «نحن نلمس في معهدنا مدى اهتمام الأهالي بأبنائهم وبناتهم، بدليل قدومهم من قرى تبعد عشرات الكيلومترات عن شفاعمرو». ويشير إلى أن المجتمع الفلسطيني في الداخل، يفتقر إلى أطر تحمي الأطفال وتوفر لهم نشاطات تربوية وثقافية. وقد وجد كثير من الأهالي في «بيت الموسيقى»، الإطار المناسب لتنمية قدرات الأبناء «ونحن نعتز بأن المعهد يضم طلاباً من مختلف مناطق الجليل».
ويتمنى نخلة ان يتمكن الموسيقيون الصغار وشبان المستقبل من التواصل مع أترابهم في العالم العربي، «فمجال التطور للموسيقي الفلسطيني هنا، محدود جداً. لكننا،على رغم كل ذلك، يجب ان لا نيأس وان نواصل السعي إلى فتح أبواب العالم العربي أمام موسيقيينا، مثلما نجحنا في فتح أبواب أوروبية».

الاثنين، 10 نوفمبر 2008

شباب فلسطين في خطر على الطرقات وإسرائيل تقلص موازنة مكافحة الحوادث

شفاعمرو – وليد ياسين الحياة - 10/11/08//
في معطيات نشرتها الجمعية الإسرائيلية «ضوء أخضر» التي تحارب حوادث الطرق داخل منطقة 48 (في الوسطين اليهودي والعربي الفلسطيني) تبرز في شكل مقلق نسبة القتلى الفلسطينيين التي تراوح بين 35 و 37 في المئة من عدد القتلى، أي ما يزيد بنسبة 17 في المئة تقريباً عن نسبة الفلسطينيين من مجمل السكان داخل منطقة 48، وتتزايد نسبة ضحايا حوادث الطرق الفلسطينيين في مجال الإصابات بجروح خطيرة جراء حوادث السير لتصل إلى 41 في المئة. لكن ما يضاعف القلق إزاء هذه المعطيات هو نسبة الشبان الفلسطينيين الذين دفعوا بأرواحهم ثمناً لحرب الشوارع التي بلغ عدد ضحاياها 30 ألفاً منذ عام 1948، ويستدل من هذه المعطيات ان القتلى العرب الذين تراوح أعمارهم بين صفر و19سنة، تصل إلى 78 في المئة من مجموع القتلى. وتعترف جمعية «ضوء أخضر» بأن المسببات الأساسية لازدياد حوادث السير في المجتمع العربي الفلسطيني في منطقة 48، تكمن في البنى التحتية المتهرئة للشوارع في البلدات العربية، وانعدام الإضاءة وغياب الفصل بين المناطق المعدة لسير المركبات وتلك المخصصة للمشاة، إضافة إلى النسبة الكبيرة للشاحنات، وقلة الإرشاد للسائقين والمشاة، واستهتار السائقين، والمشاة أيضاً، بخاصة الشبان، بقوانين السير والحذر على الطرق، وكذلك القيادة الخطرة للشبان في ساعات الليل، بخاصة تحت تأثير الكحول. وتضيف الجمعية إلى هذه المسببات كلها، مسبباً أساسياً يرتبط بتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، ما يجعل نسبة كبيرة من السائقين العرب يستخدمون سيارات قديمة، لا تتم صيانتها في الشكل المطلوب.
هذه المعطيات التي طرحت في تقرير صدر للجمعية عشية يوم دراسي عقد في مدينة الناصرة، تستبق النشاط المركزي للجمعية الذي سيقام في الخامس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تضامناً مع ضحايا الطرق، والذي يجرى تنظيمه تحت شعار «30 ألف قتيل على الطرق – رقم لا أستطيع التعايش معه». ويقول المدير العام للجمعية شموئيل آبو آب ان:«الحملة تدعو السائقين إلى إيقاف حركة المركبات في هذا اليوم، وتوجيه رسالة صارخة من الجمهور تطالب الحكومة الإسرائيلية بتكثيف محاربة حوادث الطرق».
ويضيف: « نشهد تدهوراً كبيراً في حال الأمان على الطرق على مختلف الجبهات. فمنذ عام 1948 قتل على الشوارع 30 ألف مواطن ولا أحد ينبس ببنت شفة أو يحتج، وبينما يتزايد عدد القتلى من عام إلى آخر نجد الحكومة تعمق استهتارها وتقرر تقليص مبلغ 200 مليون شيكل من موازنة مكافحة حوادث الطرق، وتتهرب من تطبيق توصيات اللجنة التي كلفت التحقيق في مسببات حوادث الطرق، كما ترفض تطبيق الخطة الوطنية للأمان على الطرق، ما يعني استهتارها بحياة المواطنين، وبمستقبل البلاد ، ذلك ان نسبة كبيرة من ضحايا حوادث الطرق هم من الجيل الشاب».
من جهته يضيف الدكتور جمال زحالقة، النائب في البرلمان الإسرائيلي إلى مسببات حوادث الطرق التي أوردتها الجمعية، مسبباً آخر لازدياد عدد القتلى العرب في حوادث الطرق، هو ان غالبية حوادث الطرق التي يسقط فيها الضحايا العرب تقع على الطرقات أثناء سفر الشبان العرب من وإلى أماكن العمل البعيدة من أماكن سكناهم بسبب شح فرص العمل في مناطقهم أو في محيط بلداتهم. ويطالب زحالقة الجهات المسؤولة في المجتمع الفلسطيني في الداخل بزيادة التثقيف في المدارس على الاحتراس على الطرق، مضيفاً: «علينا الاعتراف بوجود أزمة في تعامل عدد كبير من شباننا مع أنظمة السير والقيادة الآمنة على الطرقات». في المقابل تحمل الدكتورة غيلا ميلر، أستاذة العلوم الاجتماعية في جامعة بار ايلان الإسرائيلية، الأهالي مسؤولية استهتار أولادهم بأنظمة السير. وتقول ان دراسة أكاديمية تثبت ان الشبان يميلون إلى تقليد ذويهم في قيادة السيارة. وتضيف ان الدراسة التي فحصت سلوك 130 سائقاً شاباً وذويهم على الطرقات حددت أربعة أنواع لقيادة السيارة: قيادة خطيرة، مقلقة، عدوانية وحذرة. وتبين وجود علاقة واضحة ومباشرة بين سلوك الأهالي وأولادهم في الشارع. ولذلك تقول: «هناك حاجة ملحة إلى تفهم الأهالي بأنهم يشكلون نموذجاً لأولادهم ويجب ان يكونوا الموجهين لهم أثناء قيادة السيارة».

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

عدم إجرائها يُعرّض حياة الأسرة للخطر ... الغرام أساس في حياة يضمن سعادتها أطفال «أصحاء»

غزة - وليد ياسين الحياة - 03/11/08//
في طفولتها شعرت ابتسام بالألم، فحملها والدها وانطلق بها إلى المستشفى بناء على نصيحة الطبيب. بعد إجراء الفحوص لها تبين أنها تعاني نوعاً من مرض فقر الدم، لكن الطبيب المناوب طمأن الوالد ونصحه بمتابعة حالة ابنته والتأكد قبل زواجها في المستقبل، من إجراء فحوص طبية لها ولشريك حياتها المستقبلي، لمعرفة اذا كان هو الآخر مصاباً بالمرض ذاته، لأن ذلك قد يورّث المرض لأولادهما.
تقدّم شاب من بلدتها لخطبتها، وتذكر الأب نصيحة الطبيب، وناقش الأمر مع زوجته. هل يطلعان ابنتهما والمتقدم لخطبتها على نتائج الفحص، أو يتجاهلانهما، بخاصة أنه لم تظهر على ابنتهما أعراض المرض منذ الطفولة.
العقل قال لهما أن يبلغا ابنتهما وخطيبها بالأمر، والعاطفة وقفت سداً منيعاً، خوفاً مما سيقوله الشاب أو أهله ومجتمعه إذا ما طلبا منه الخضوع لفحص طبي. لم يكن الأمر سهلاً، لكن الزوجة، التي تعمل ممرضة، انهت المعضلة بالإشارة إلى زوجها باستشارة طبيب الأسرة. بعد محادثة قصيرة مع الطبيب وفحص الملف الطبي لابتسام أبلغ الطبيب الأب أنه يمكنه الاتكال على الله واتمام مشروع الزواج، لأنه لم يظهر في ملف ابنته أي دلائل تشير إلى خطورة مرضية.
استكملت الاسرة اجراءات الزواج، وتزوجت ابتسام، وبدأت العائلة تحصي الأيام بانتظار سماع بشرى الحمل. بعد شهرين من الزواج أبلغت ابتسام والدتها بأنها حامل، وتوجهتا معاً إلى طبيب النساء لاجراء فحص أولي للجنين. في البداية أبلغهما الطبيب أن كل شيء على ما يرام، لكن الفحص الثاني الذي اجرته ابتسام بعد مرور شهر على الحمل طرح علامات تساؤل لدى الطبيب. واضطرت أم ابتسام لابلاغه نتائج الفحص الذي أجري لابنتها في طفولتها، فلامها لعدم العمل بنصيحة ذلك الطبيب، وأبلغهما ضرورة إجراء الزوج فحصاً فورياً.
في مجتمع ذكوري، يرفض فيه الرجل التشكيك بقدراته وبصحته، كان رفض الزوج متوقعاً. واضطرت ابتسام إلى الاستسلام لموقفه. ومضت شهور الحمل وأنجبت ابتسام طفلة معافاة، ووجد الزوج في الأمر مناسبة لممازحة زوجته قائلاً: «هل رأيت، قلت لك إنني متكامل وليس بي عيب».
لكن الامر لم ينته بالنسبة الى ابتسام، فماذا لو حصل العكس، سألته وأصرت على ان يتوجه إلى الطبيب في حجة ما ويطلب إجراء فحص للدم. بعد قرابة شهر أجرى زوجها الفحص وتبين انه يعاني من السكري، وأدركا ان الله كان معهما وانقذ ابنتهما من مرض محتمل.
حكاية ابتسام، ابنة مخيم الشاطئ في غزة، ليست نسيج خيال، وقد رواها طبيب النساء الذي أشرف على علاجها. ويقول: «كان يمكن حدوث تشوه للجنين يندم عليه الأهل طوال العمر».
وينصح الطبيب اسماعيل كل زوج مقبل على الزواج بعدم الاستهتار بالأمر. «اعرف ان مجتمعنا لا يتقبل الأمر ببساطة، لكن اذا وقعت الواقعة سيندم الأهل حين لا ينفع الندم».
أُلفت، كانت طالبة جامعية ومرتبطة بعلاقة عاطفية مع شاب من عائلتها. خلال دراستها للصيدلة أدركت ضرورة إجراء فحص قبل الزواج، وعلى رغم أنها كانت تعلم مدى الحساسية التي ينطوي عليها إصرارها على اجراء خطيبها فحصاً غلبت العاطفة وخيرته بين إجراء الفحص أو إنهاء العلاقة بينهما. «لست مستعدة للمخاطرة بمستقبلي ومستقبل أسرتي. أنا أحبه وأريده لكننا نمضي نحو بناء أسرة وأريد لأسرتي ان تكون معافاة». طبعاً، رفض الشاب شرطها للزواج وابتعد عنها. أُلفت متزوجة اليوم من موظف في احدى الدوائر الرسمية. وتقول: «تصور ان هذا الموظف الذي لم تربطني به أي علاقة من قبل ولم يعرفني إلاّ حين تقدم لخطبتي بوساطة اسرته، كان اكثر انفتاحاً من قريبي الأكاديمي».
ويرى الدكتور اسماعيل ان ما دام الهدف من إجراء الفحص هو ضمان مجتمع صحي سليم ومعافى فلا مبرر يمنع إجراء الفحص. ويوضح: «الاستشارة الطبية يمكنها ان تجنّب الأسرة مخاطر حدوث مكروه للجنين، بل وحتى فقدان قدرة الزوجين على الانجاب. اعتقد انه لا بد من اجراء الفحوص الطبية قبل الزواج وأن يبنى الحوار بين الزوجين على المصارحة والثقة المتبادلة وتفهم العواقب واتخاذ الموقف السليم. فاصابة احدهما بمرض ما لا يعني انه عاجز او منقوص، وانما يمكن اذا ما تبين إصابتهما معاً بالمرض ذاته ان يرتكبا خطيئة بحق المجتمع وبحق اسرتهما».
من جهته يقول الطبيب النفسي حيدر غزاوي، ان رفض إجراء الفحص يعود أولاً إلى عوامل نفسية تجعل أحد الزوجين أو كلاهما معاً يعيشان مشاعر الخوف مما سيقوله المجتمع. لكن يمكن اليوم إجراء الفحوص في شكل سري، وان يقرر الشخص المعني بعد اطلاعه على نتائج الفحص ما الذي ينوي عمله، طبعاً الطبيب سيلتزم بعدم إفشاء السر إذا طلب منه ذلك، لكن على صاحب الشأن أن يُحكّم العقل، لا العاطفة، في مثل هذه الحال.