الاثنين، 25 أغسطس 2008

عطلة نهاية الأسبوع في إسرائيل تزيد العنف بين المهاجرين


حيفا - وليد ياسين الحياة - 25/08/08//
مساء السبت قبل الأخير كان يمكن أن يكون عادياً بالنسبة الى أهالي مدينة شفاعمرو، في جليل فلسطين، لولا المصاب الأليم الذي نزل كالصاعقة على عائلة حمودي ومن حولها كل أهالي المدينة. في ذلك المساء سافر ابن العائلة الشاب حسان حمودي مع أصدقائه إلى منطقة خليج حيفا، للاستمتاع بمشاهدة معرض للسيارات في منطقة تبين لاحقاً أنها تتحول مساء كل سبت إلى ما يشبه الغرب الجامح للسائقين الشبان، الذين يصلون إلى المنطقة من مختلف مناطق الجليل ويقودون سياراتهم بسرعة جنونية، أسفرت في ذلك المساء عن كارثة. فحين كان حسان يجتاز الشارع مع رفاقه، صدمته سيارة كانت تسير بسرعة جنونية، بحسب رواية رفاق حسان، ويستقلها ثلاثة شبان من قرية عرابة. برمشة عين، تطاير جسد حسان الغض في الهواء وسقط على مؤخرة سيارة أخرى.في اليوم التالي فتح بيت العزاء وأَمّه الناس لمواساة عائلة الفقيد، وكان من بين المعزين الكثير من رجال الدين الذين اخذ كل منهم دوره في الوعظ والمواساة، والتركيز على جرائم القتل جراء ما سموه «طيش الشباب» أو «التربية الخاطئة». لكن ما حدث لحسان وما يحدث يومياً في شوارع إسرائيل ليس مجرد «طيش شباب» أو «تربية خاطئة» بل حلقة من حلقات العنف المستشري بكل مظاهره في المجتمع وبخاصة في أوساط الشباب.وفي تقرير أعدته الشرطة الإسرائيلية حول مظاهر العنف بين الشباب الاسرائيلي، يتبين ان نسبة العنف تتزايد باضطراد وفي شكل خاص في نهاية الأسبوع، أي ليلتي الجمعة والسبت، حيث يتم تسجيل عشرات حوادث العنف في الشوارع وفي الملاهي الليلية، خصوصاً في أوساط الشباب المتحدرين من فئات اجتماعية تواجه أزمات عدة تعوق انخراطهم في المجتمع وتعمق مظاهر الجنوح والعنف بينهم. وبحسب اهران جايلبرغ الذي يعمل مع الشبيبة التي تعيش أزمات اجتماعية، فإن «لانتشار مظاهر العنف في أوساط الشبيبة مسببات عدة، يعتبر التمييز الاجتماعي والتوزيع غير العادل للموارد من مركباتها الأساسية». ويضيف ان «الفرد الذي يشعر بالتمييز ضده وبالقلق إزاء الوضع الاقتصادي لأسرته، غالباً ما يميل إلى انتهاج العنف». وبرأيه فإن العنف في أوساط الشباب «يعكس صرخة جماعية من اجل إيجاد واقع يقوم على المساواة».لكن تقارير الشرطة لا تولي مسببات العنف في المجتمع الاسرائيلي أي أهمية، وتتعامل معها كأرقام مجردة على رغم التحذيرات المتكررة من جانب الباحثين والخبراء، والدعوات الى إجراء أبحاث معمقة لمظاهر العنف الآخذة في الازدياد. وارتفع مثلاً عدد الملفات الجنائية التي فتحتها الشرطة إثر حوادث عنف ارتكبها الشبان، إلى أكثر من 40 ألف ملف في العقد الأخير. وفي هذا السياق لا بد من التعامل بحذر مع الإحصاءات الرسمية لأنها غالباً ما لا تأخذ في الاعتبار حوادث العنف التي لم تصل إلى الشرطة لأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال امتناع أصحاب العلاقة والشرطة عن فتح ملفات جنائية للقاصرين.وترتفع نسبة العنف بين فئات المهاجرين إلى إسرائيل خصوصاً الروس والأثيوبيين. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، يشير بحث أجراه معهد بروكدايل إلى نشوء مظاهر مقلقة في صفوف المهاجرين الأثيوبيين الشبان، تبدأ بارتفاع نسبة التسرب المدرسي والتي وصلت إلى 6.2 في المئة، أي ضعفي نسبة التسرب في أوساط الفئات الاجتماعية الأخرى، بينما تزيد نسبة عدم الانضباط في المدارس لدى المهاجرين الإثيوبيين بـ 14 في المئة عن النسبة الكلية للفئات العمرية المشابهة في المجتمع الاسرائيلي. وغالباً ما ينخرط هؤلاء في أعمال عنيفة في الشوارع. وبحسب أرقام الشرطة، فإن 2.6 في المئة من الأولاد الإثيوبيين تورطوا في أعمال عنف فُتحت في أعقابها ملفات جنائية لهم، بينما تصل النسبة بين الأولاد الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية أخرى إلى 1.4 في المئة.

الجمعة، 1 أغسطس 2008

بين الأمس واليوم ... الوفاء لمن يهتم بوجع الناس

حيفا - وليد ياسين الحياة - 24/01/08//
في غرفة الانتظار، في عيادة الدكتور حسين، جلس بعض المرضى بانتظار وصول الطبيب من المستشفى، وبدء مناوبته في عيادته الخاصة. الساعة التي تجاوزت الخامسة، تنفي ما تشير إليه اللائحة المعلّقة على مدخل العيادة، ومفادها أنه يبدأ عمله عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر. وكلما توجّه مريض بالسؤال إلى الممرضة عن موعد وصول الطبيب، تتفوه بالإجابة المقتضبة نفسها: "انه في الطريق».
أم محمد، سيدة في الخمسين من عمرها تعاني من السكري، وتتناول تشكيلة منوعة من الأدوية التي سجلها لها الطبيب. في اليوم الذي سبق حضورها إلى العيادة انتهت الأدوية لديها، فقررت الانتظار إلى اليوم التالي، كي تزور طبيب العائلة وتحصل على وصفة لشراء كمية جديدة من الأدوية.
بالنسبة اليها تعتبر كل دقيقة تمضي حاسمة، فالتأخر عن تناول الدواء في موعده يمكن ان يؤدي إلى مضاعفات، وقد أثار تأخر الطبيب عن موعده غضبها، فبدأت تصرخ في وجه الممرضة. بعد تهدئة روعها من قبل الحضور، بدأت بالترحم على أيام زمان، «كنا نذهب إلى الدكتور موفق ولو في منتصف الليل، فيفتح بابه ويعالجنا.
أما اليوم، فلا تستطيع المجيء إلى الطبيب إلا في ساعات محددة، وفوق هذا تجده يتأخر ولا يهتم ان كنا سنموت أو لا».
مضت أكثر من ساعة حتى وصل الطبيب إلى عيادته، وحين بدأ باستدعاء المرضى إلى غرفته، كان بعضهم قد ملّ الانتظار وحمل نفسه مغادرًا للبحث عن طبيب آخر أو إلى بيته. وتجيب، أم محمد، عن أسباب عدم ذهابها الى طبيب آخر: «ممنوع، تسجيلنا لدى الدكتور حسين، يحتم علينا تلقي العلاج لديه، وإذا ما ذهبنا إلى طبيب آخر، يعمل مع الصندوق ذاته، فلن نتمكن من الرجوع إلى طبيب العائلة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، هذا هو القانون».
حكاية أم محمد، لا تختلف كثيراً عن حكايات كثيرة نسمعها من مرضى يتذمرون من تأخر الأطباء عن الحضور إلى عياداتهم الخاصة بسبب انشغالهم في عيادات أخرى أو في المستشفيات منذ سريان مفعول التعديلات القانونية التي أتاحت لصناديق المرضى في إسرائيل تشغيل أطباء خصوصيين من خلال عياداتهم الخاصة.
في البداية استبشر المرضى خيراً بهذا القانون واعتقدوا بأنه يمكن لهذا التعديل حلّ الكثير من المشاكل المرضية التي تواجههم حين تكون العيادة العامّة في صندوق المرضى مغلقة.
وعند بدء العمل بهذا التعديل كان الأطباء يحرصون على جدول مواعيد مغر للمرضى، وإذا ما ألح الأمر، كان بعضهم يستقبلون المريض في بيوتهم، وهكذا تمكن كل واحد منهم من استقطاب عدد من المرضى الذين أصبحوا زبائن له. لكن تعديل القانون إياه ترك ثغرة أتاحت لهؤلاء الأطباء حرية التحكم بأوقات عملهم، والعمل في أماكن عدة في آن واحد. وعندها، يبدأ التحول، المريض أصبح مرتبطاً بطبيبه، لكن نسبة كبيرة من الأطباء لا يكتفون بما لديهم من مرضى، أو تفرض عليهم الظروف المعيشية ذلك، فيبدأون البحث عن مصادر دخل أخرى، ولا يتورع أحدهم عن إغلاق بابه في وجه مريضه الخاص إذا ما توجه إليه في غير ساعات دوامه.
ويعمل الطبيب حسين أيضا في أحد المستشفيات الحكومية ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي مستشفى خاص يومين آخرين، وبعد عودته من عمله، يستقبل المرضى في عيادته. أربع ساعات في المساء. وعلى رغم قصر الوقت الذي يكرسه لعيادته الخاصة تجد أن صندوق المرضى سجل لديه أكثر من 200 عضو. صحيح انه لا يستقبل هؤلاء معاً، لكن الخدمات التي يقدمها لمرضاه كثيراً ما يتحكم فيها العامل الزمني.
خروج أم محمد من غرفة الطبيب، يفتح نفسها من جديد على انتقاد طبيبها، وتقول: «لم يكلف نفسه حتى الكشف عليّ». وتوضح: "جلست أمام طاولته. أعطيته بطاقتي. كتب بعض الكلمات على الحاسوب وناولني وصفة وقال لي مع السلامة». رد أم محمد يُعتبر دلالة على العلاقة المادية التي بدأت تتحكم بعمل الأطباء. من جهته، يرفض الدكتور حسين هذا التكهن، ويصف أم محمد بـ»الثرثارة»، ويقول إنه يعرف مرضها ولا حاجة للكشف عليها كلما حضرت إلى العيادة».
حكاية الدكتور موفق
الدكتور موفق الذي ذكرته أم محمد هو طبيب لبناني الأصل، وصل إلى فلسطين قبل سنوات بعيدة، كان حينها الطبيب الوحيد في البلدة، وكانت عيادته تكتظ بالمرضى الذين يقصدونه من البلدة ومن عشرات القرى المجاورة. ويروي المعمرون من سكان البلدة أنه «لم يتأخر عن تقديم الخدمة لمرضاه حتى في بيوتهم، وانه كان يذهب إلى القرى المجاورة، ممتطياً ظهر دابة لتقديم العلاج للمحتاج». وعلى رغم مرور سنوات طويلة على اعتزال الدكتور موفق مهنة الطبّ بسبب الشيخوخة، ما زال الناس يحلفون بحياته.
صموئيل لوك فيلدز بريشته وهو يرسم «الطبيب»