الأحد، 25 فبراير 2007

شبان 48 يرفضون «الخدمة المدنية» في الجيش الاسرائيلي ... وآخرون يقبلون مرغمين


نشر في الحياة - 12/02/07
في مدينة الناصرة، عاصمة الجليل الفلسطيني، أطلقوا الشرارة؛ مئات الشبان والصبايا من عرب منطقة 48 التقوا في مؤتمر شعبي مناهض للخدمة «الوطنية» التي تحاول إسرائيل فرضها عليهم كفاتحة لجر الشبان العرب، الى الخدمة العسكرية. وجاء المهرجان بمبادرة من اتحاد الشباب الديمقراطي، لكنه ليس التحرك الأول ولا الأخير في المعركة ضد ما يعتبره هؤلاء الشبان محاولة جديدة لفرض «الأسرلة».
لقد فرضت إسرائيل الخدمة العسكرية بموجب قانون سن في العام 1949. لكنها لم تطبق القانون على المواطنين العرب لدوافع أمنية. وفي مسعى الى زرع الفتنة الطائفية بين المواطنين الفلسطينيين، أبطلت في العام 1956 استثناء الشبان الدروز من الخدمة العسكرية. وبمرور السنوات، اتسعت الخطة بفتح أبواب الجيش الإسرائيلي أمام المتطوعين العرب من بقية الطوائف.


*سهير اسعد*

في السنوات الأخيرة انطلقت أصوات إسرائيلية تطالب بفرض الخدمة على الشبان العرب، ولكن في ضوء رفض الشبان العرب للخدمة في جيش يحارب شعبهم الفلسطيني من جهة، والدول العربية من جهة أخرى، اخترعت القيادة الإسرائيلية مسميات مضللة لهذا المشروع. فتارة أسموها «خدمة مدنية» وتارة «خدمة وطنية». ومع كل صوت يرفعه عرب 48 مطالبين بالحقوق والمساواة، يربط الإسرائيليون تحقيق ذلك بما يسمونه «الواجبات».

قبل سنتين حاولت إسرائيل مجدداً تحقيق مآربها، وخرجت لجنة رسمية بتوصيات تدعو إلى «منح امتيازات لمن ينضم إلى الخدمة». ولاقت هذه التوصيات، معارضة واسعة في المجتمع الفلسطيني، الذي اعتبر ربط الحصول على الحقوق والمساواة بالخدمة الوطنية أو المدنية، يتناقض مع المواثيق والمعاهدات الدولية.
والمتتبع لأوضاع المواطنين العرب في منطقة 48، يجد أنه لا يوجد أي اختلاف في تعامل المؤسسة الإسرائيلية، القائم على سياسة التمييز والاضطهاد، مع أي شريحة من شرائح المجتمع العربي، لا بين تلك التي يخدم أولادها في الجيش، ولا تلك التي لم تتطوع للخدمة، فالقرى العربية الدرزية والقرى البدوية لا تختلف مطلقا من حيث أوضاعها عن بقية البلدات العربية، لا من حيث الخدمات ولا من حيث سياسة مصادرة الأراضي ولا في غيرها من المجالات الحياتية.
غير ان بعض الشباب قبل الإغراءات الإسرائيلية والتحق بالخدمة، بعضهم في الجيش، وآخرون في الشرطة. وترفض المؤسسة الإسرائيلية نشر معطيات رسمية حول نسبة هؤلاء، لكنه حسب تقديرات المحامي سعيد نفاع، بلغ عدد المتطوعين العرب في الشرطة قرابة 7000 شاب، وعدد المتطوعين في الأجهزة الأمنية المختلفة 4000 شاب، وهي معطيات أثارت قلقه وقلق المحاربين ضد «أسرلة الشبان العرب».
وبحسب معطيات نشرتها وسائل إعلام عبرية، أخيراً، ارتفعت نسبة المجندين من الشبان المسلمين والمسيحيين في السنوات الأخيرة، وهي معطيات قرعت ناقوس الخطر وقادت إلى التحرك الشبابي المناهض للخدمة.


*صالح علي*
احد المبادرين إلى هذا التحرك كان صالح علي (28 سنة) من سكان الناصرة، الذي يعتبر «أن الحديث لا يجري عن خدمة وطنية أو مدنية كونها لا تمت بصلة الى الوطنية الفلسطينية».
ويضيف: «ان الهدف من هذا المشروع هو سلخ الشبان العرب عن شعبهم الفلسطيني ومقدمة لضمهم إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف تفتيت البنية الاجتماعية والقومية العربية». ويرى أنه «إذا كان لا بد من الخدمة الوطنية فيجب أن تكون خدمة وطنية فلسطينية من خلال مؤسساتنا الأهلية والوطنية وليس من خلال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية».
وترى الشابة سهير أسعد (19 سنة)، من قرية اكسال، في مشروع الخدمة «محاولة لكسر الحاجز النفسي لدى الشبان العرب المعارضين لكل ما يرتبط بالجيش الإسرائيلي».
وتقول إن «الأهداف الخفية لهذا المشروع أعمق من أهدافه المعلنة فإسرائيل تسعى إلى سلخنا عن مجتمعنا الفلسطيني وجعلنا نُغلب المصلحة الشخصية وتنمية الشعور بالأنانية».


والموقف ذاته تتبناه عناب حلبي (19 سنة) من قرية دالية الكرمل. وعناب هي ابنة للطائفة العربية الدرزية التي فرضت عليها الخدمة الإجبارية، وتقول «إن إسرائيل استخدمت الشبان الدروز سلاحاً لتمزيق النسيج الوطني للعرب الفلسطينيين في منطقة 48».
ويرى الشبان الثلاثة في الادعاء بأن «الخدمة تحقق المساواة»، مسألة مثيرة للسخرية. ويقولون إن دولة تدعي الديموقراطية يجب أن لا تربط الحقوق بالواجبات. «الحقوق تولد مع الإنسان وإذا لم أتجند فهذا لا يعني انه يحق للدولة حرماني من حقوقي»، تقول سهير.
وتقول عناب انه على رغم فرض الخدمة على الشبان الدروز فإن أوضاعهم لا تختلف عن بقية الشبان العرب، بل إنهم يواجهون التمييز داخل صفوف الجيش.
*عناب حلبي*
وتعتبر أن إسرائيل نجحت بفرض الأسرلة على جانب من الشبان الدروز، لكنها لم تصل إلى باطنهم: «نحن لسنا كما يحاولون تصويرنا، وإذا كان هناك من يبحث من بيننا عن مصالح ومآرب شخصية وسياسية، فهؤلاء لا يمثلوننا».
ويقول صالح: «إسرائيل لا تعدنا بحقوق جماعية كما تدعي مقابل الخدمة، وحتى لو فعلت ذلك فسنبقى على موقفنا الرافض للخدمة وسنواصل نضالنا لتحصيل حقوقنا خصوصاً اننا أصحاب الأرض الأصليين».
وترى عناب حلبي ان أمام المعروفيين الأحرار مهمة صعبة، «خصوصاً في هذه الظروف، حيث بتنا نواجه وللأسف جدالاً يثور حول ما إذا كان الدروز عرباً»!
وتنتمي عناب إلى جمعية الجذور التي انطلقت أخيراً للعمل في الشارع الدرزي ضد التجنيد الإجباري. وتقول: «الجدناع» يأتون إلى المدارس ويغرون شبابنا للانخراط في الجيش، ونحن نشجع طلابنا على رفض الخدمة وشق طريقهم في مجالات التعليم». وتجزم بأن «التجنيد لم يحقق أي شيء للدروز».
في مهرجان الناصرة فاق عدد الحضور توقعات المبادرين، ويعتبر صالح علي هذا التجاوب مؤشراً الى نجاح الحملة ضد الخدمة، على رغم صعوبة المهمات المنتظرة. ويقول إن الخطوة المقبلة تشمل تنظيم حملات توعية في مختلف البلدات العربية والمبادرة إلى تشكيل هيئات محلية لمحاربة المشروع.
وتوجه سهير نداء إلى من وقعوا في حبائل المشروع الصهيوني وتقول إن الخدمة لن تحسن حياتهم بل ستفقدهم ثلاث سنوات يمكنهم استغلالها لتحقيق مكاسب علمية. ففي النهاية، تقول سهير، «حتى بعد انتهاء الخدمة سيسمع الجندي العربي من الجنود اليهود عبارة «عربي قذر».

فرق تكسر الصورة النمطية عن أطفال الحجارة ... الراب الفلسطيني ضد الاحتلال والمخدرات

فرقة دام الفلسطينية




نشر في الحياة - 19/02/07


ترتبط الاغنية الفلسطينية إلى حد بعيد بالهم الوطني الجماعي للشعب المكافح من أجل تحرره، لكنها ليست متخلفة عن الركب الموسيقي بكل مكوناته. وعلى مدار سنوات طويلة كانت الاغنية الفلسطينية لحناً يساند الثورة وصوتاً يعكس هموم الناس وأوجاعهم. حتى عندما يغني الفلسطيني للحبيبة يغني ايضاً للأم والأرض والشجر والعصافير والبحر.
وشهدت فلسطين شتى الالوان الموسيقية التي عرفها العالم، فهناك الأغاني الشعبية المنوعة في مضامينها وأشكالها الفنية، كالعتابا والميجانا والشروقيات والزجل والتهاليل، وهناك اغاني الحب والافراح والعمل والأطفال، وهناك الاغاني السياسية الملتزمة. ومن جيل إلى جيل يتوارث الفلسطينيون اغانيهم وموسيقاهم، خصوصاً الشعبي منها، فيحافظ بعضهم على المضمون واللحن، فيما يجدد البعض الآخر ويطور، بحسب الظروف. وشهدت الأراضي الفلسطينية في العقود الثلاثة الأخيرة نهضة غنائية تمثلت بظهور عشرات المغنين والملحنين والفرق الفنية التي كانت بغالبيتها ملتزمة الخط الوطني، نذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر فرقة «يعاد» من بلدة الرامة التي ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي وسارت على خطى فرقة «العاشقين»، وفرقة «صابرين» التي جمعت في صفوفها شباناً من أراضي 1948 والاراضي المحتلة عام 1967، وفرقة «سرية رام الله» التي امتازت بالجمع بين الاغنية والرقص الشعبي، وأمل مرقس التي امتازت بأداء أغاني فيروز ومن ثم اغانيها الخاصة ذات النكهة الرحبانية، وريم بنا التي امتازت في شكل خاص بالتهاليل والاغاني الشعبية. وكانت هناك، أيضاً، فرق الغناء الخاصة باحياء حفلات الأعراس، لكن هذه الفرق أدت اغاني المطربين والمغنين العرب بقديمهم وحديثهم، ولم تضف إلى اللحن الفلسطيني أي جديد. ومع انتشار ظاهرة الـ «دي.جي»، الأقل تكلفة، خفت نجم الكثير من هذه الفرق، فاختفى بعضها عن الساحة، وبقي البعض الآخر يظهر بين الحين والآخر، خصوصاً في مواسم الأفراح وحفلات رأس السنة.
والمتتبع لمسيرة الأغنية الفلسطينية، يجد أن الشباب الفلسطيني يواكب آخر صرعات الموسيقى ويطوعها في خدمة هموم شعبه وآلامه. وآخر هذه الصرعات التي انتشرت في العقد الأخير، تمثلت بظهور عشرات فرق الراب. ولدت موسيقى الراب من رحم الغضب في حي برونكس في مدينة نيويورك، عام 1974، وكانت إلى ما قبل قرابة عشر سنوات مجهولة أو مستهجنة بالنسبة إلى الشباب الفلسطيني، ربما لما يرافقها من صخب موسيقي لم يعتد شباب فلسطين سماعه.
ويقول مغني الراب الفلسطيني تامر النفار، الذي يعتبر اول من شكل فرقة لهذا اللون الغنائي في منطقة 1948، وتحديداً في مدينة اللد، انه كان يكره موسيقى «الهب هوب» لكنه عندما سمعها شعر بأنها تحكي عن مدينته اللد التي تحولت إلى احياء معزولة تعجّ بالفقر وتجار المخدرات. فرقة DAM التي يقودها تامر تأسست عام 1998، وتسعى إلى التعبير عن الكثير من القضايا التي يواجهها الشباب الفلسطيني، وتعكس في كثير من اغانيها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والوضع الاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون داخل منطقتي 1948 و 1967.
وتعتبر أغنية «مين الإرهابي» بمثابة الصرخة التي اطلقها هذا الثلاثي باسم كل الشعوب العربية التي تتعرض للارهاب المنظم وتُتهم هي به. ويمكن القول ان هذه الاغنية لا تجسد معاناة الفلسطينيين في منطقة 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، بل تعتبر سوطاً يرفع في وجه الجلاد الاميركي - الاسرائيلي. ومن كلماتها: «مين ارهابي؟! مين ارهابي؟! كيف ارهابي وأنا عايش في بلادي؟؟!! مين ارهابي؟! انت ارهابي! ماكلني وانا عايش في بلادي، قاتلني زي ما قتلت جدادي. أتجه للقانون؟! عالفاضي، مانت ياعدو بتلعب دور الشاهد المحامي والقاضي، علي قاضي بنهايتي بادي»!
وقدمت فرقة «DAM» عشرات الحفلات في فلسطين وأوروبا والولايات المتحدة، وأنتجت البومات عدة، كان اولها عام 1998 بعنوان «أوقفوا بيع المخدرات»، ثم البوم «مين ارهابي» عام 2001 والبوم «ولدت هنا» العام 2004 و»اهداء» في 2006، وهو اول البوم يصدر للفرقة من جانب شركة دولية هي EMI ومن انتاج شركة «ريد سيركل» البريطانية. قررت مؤسسة عبدالمحسن القطَّان أخيراً، تكريم فرقة DAM عن البومها «اهداء» بمنحها «جائزة القطَّان التقديرية لعمل ثقافي مميز»، وذلك «تقديراً لما يمثله هذا الألبوم من ريادة فنية على الساحة الموسيقية الفلسطينية ولقدرته على التجاوب مع هموم الشباب الفلسطيني بطريقة خلاقة، وبأسلوب تعبر فيه الفرقة بأصالة عن مضامين اجتماعية وسياسية جريئة وملتصقة بهموم الشباب العربي».
مع انتشار أغاني فرقة DAM، ظهرت على الساحة الفلسطينية فرق راب أخرى، في عكا والقدس والناصرة وجنين ورام الله وغزة وشفاعمرو وسخنين وكفر ياسيف وحيفا وغيرها.
ومن هذه الفرق فرقة G-Town وفرقة MWR و «صباياز»، و «طعم الالم»، و «FreeDoms» و «شخصية» و «الجيش الأسود» والـ «S.B.R» و D.R و «دز ستريك» و «اولاد بلدنا» و «ويذ أوت مـاسك» و P. R. Palestinian Rappers ، و «عربيات»، وفرقة «إر إف إم» التي فازت بجائزة مونت كارلو الشرق الأوسط للموسيقى عام 2006. وهناك الكثير من المغنين المنفردين الذين ظهروا على الساحة أخيراً أمثال DoMaN، ملحم شامي، حسن الشيخ يحيى وغيرهم.
ويمكن القول ان الشبان الفلسطينيين أجادوا جيداً لعبة الراب والغضب الكامن في موسيقاها وولجوا عالمها من أوسع أبوابه. وربما كانت اغنية «الراب سلاحنا» لفرقة P.R التي انطلقت من داخل مدينة غزة المحاصرة، خير ما يعبر عن نجاح الشبان الفلسطينيين بتحويل هذا الفن إلى سلاح آخر، في معركة طويلة ومتواصلة نحو الحرية. يقول مطلع الاغنية: «قاومنا قاومنا واخترنا الراب سلاحنا، الم حاضر مستقبل حامل بكفه كلامنا، ليوصل لأمتنا العربية كمان يجمعنا، كله بيوقف لما يسمع الإحساس من قلوبنا نزعنا». وفي مقطع آخر: «عاصفة نازفة رجال أسود عطاءٌ ولاءٌ كفاح بلا حدود، بالراب العربي جاي أمحي صراع موجود».
لقد استخدمت هذه الفرق بغالبيتها، اسماء أجنبية، بعضها غريب عن المجتمع الفلسطيني، لكنها قدمت اغاني تعكس في كثير من كلماتها اسلوباً ربما يبدو مغايراً لأسلوب الاغاني الثورية الفلسطينية المعهودة، فتعبر، بقالب نثري وسردي، عن هموم الفلسطيني وتطلعاته ايما تعبير، بل انها اجادت استخدام سلاح لا يقل تأثيراً عن حجارة اطفال الانتفاضة.



الخميس، 15 فبراير 2007

عزوف الفلسطينيين عن الزواج اقتصادي

حيفا - وليد ياسين الحياة - 15/02/07//
«لا ثمن للحرية»، عبارة تختصر بها سلوى، الشابة من مدينة حيفا، قرارها العزوف عن الزواج. ولكن القرار مرفوض مع كل العبارات التي تمثّله والذرائع التي تدعمه، في مجتمع ينظر الى اللواتي يتأخرن على الزواج بعين الشفقة، بعد وضعهن في خانة العنوسة.
مشكلة العزوف عن الزواج منتشرة في كل المجتمعات، لكنها باتت «حالة» لافتة في المجتمع الفلسطيني لتزايد نسبتها بين الرجال والنساء. ولكن، خلافاً لمجتمعات حاولت البحث عن حلول، لا تجد في الشارع الفلسطيني من يولي اهتماماً للمسألة. والمؤسسات الأهلية التي تهتم بالأسرة والتنمية تُحجم عن التطرق الى هذه المشكلة ربما «لأنها لا تعتبرها من أولويات القضايا التي يواجهها المجتمع الفلسطيني»، كما يقول شاب فلسطيني من غزة، يعتبر أن من الطبيعي أن يتزوج الإنسان وانه شخصياً يرغب بذلك، لكنه لا يرى ذلك ممكناً «في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة».
مجتمع فتي وعنوسة عالية
وتشير معطيات نشرها مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى أن المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الفتية، وأن نسبة المواطنين العازبين تصل الى 39.6 في المئة من كلا الجنسين. وتصل النسبة بين الذكور إلى 44.5 في المئة مقابل 34.6 في المئة بين الاناث.
وهناك من يعتقد بأن العزوف عن الزواج بين فلسطينيي الداخل، بدأ في النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم، وهناك من يرى أنه بدأ مع اندلاع الانتفاضة الثانية في 2000. لكن نسبة كبيرة من أصحاب النظرتين تتفق على أن المشكلة اتسعت في شكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مع تعرض المجتمع الفلسطيني الى المقاطعة الدولية وتفشي البطالة.
وفي البحث عن أسباب العزوف عن الزواج، يغيب الى حد كبير عامل القناعة الفردية ويطغى العامل الاقتصادي وعوامل اجتماعية مرتبطة بالتقاليد. ويقول محمد، وهو «فلسطيني أعزب على رغم أنفه»، كما يعرف عن نفسه، إن ضيق ذات اليد تعتبر من مقدمة الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة، «فتكاليف الزواج مرتفعة وتفوق طاقة شبّان كثيرين، يستصعبون توفير مساكن مناسبة وتلبية متطلبات الزواج، كالمهر وجهاز العروس وتكاليف الفرح وإعالة الأسرة».
سهام، الموظفة في مؤسسة اعلامية فلسطينية تدعم أقوال محمد، وتسأل: «كيف يمكن تكوين أسرة في ظل ظروف كهذه؟». وتزوجت سهام قبل نصف سنة من موظف في دائرة حكومية، لكن مجموع راتبيهما معاً لا يتعدى 200 دولار شهرياً. ومن هذا المبلغ يدفعان 150 دولاراً أجرة شهرية للمنزل، «فما الذي يمكن تحقيقه بالبقية؟»، تتساءل وتقول انها تضطر وزوجها لتناول الطعام في بيت والديه.
وترى سهام أن حالتها تمثل شريحة اجتماعية واسعة، وأن الأوضاع الاقتصادية تعمّق ظاهرة العزوف عن الزواج والطلاق أو فسخ الخطوبة. وهي فكرت قبل زواجها بأسبوع بتأجيل زفافها او فسخ الخطبة.
ولا تقتصر حالة العزوف عن الزواج على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل تطاول أيضاً، فلسطينيين في مناطق 48. وهناك أيضاً تجد العامل الاقتصادي سبباً رادعاً لكثير من الشبان والصبايا. وفي مناطق الجليل والنقب، خصوصاً في القرى العربية التي لا تعترف بها السلطة الاسرائيلية، السبب المركزي الذي يمنع الشبان عن التفكير بالزواج، هو تعذّر تأمين منزل يؤوي العائلة.
ففي هذه القرى تمنع إسرائيل السكان من البناء وتسعى الى ترحيلهم، ما يخلق حالة متواصلة من القلق وعدم الاستقرار، تهدد الكيان الأسري.
وبحسب معطيات «لجنة الأربعين»، التي تتابع قضية الاعتراف بهذه القرى، فإن هذه المشكلة تتوسّع. «في بعض البيوت تجد رجالاً تجاوزوا سن الأربعين ولم يقدِموا على الزواج بسبب هذه المشكلة»، يقول أحد المسؤولين في اللجنة.
مسببات وأضرار
اضافة الى العامل الاقتصادي، هناك من يعتقد بوجود أسباب أخرى للعزوف عن الزواج، منها: ميول الشبان الفلسطينيين الى استكمال دراستهم وتأهيلهم العلمي، والتي تمتد فترات طويلة يمتنع خلالها الشباب عن الارتباط الأسري. لكن جهات متدينة ترى أن «ضعف الوازع الديني وانتشار الأعراف الاجتماعية الغربية التي تسهل أمور العلاقة الجنسية خارج الأسرة، وانتشار الزواج العرفي والزواج الموقت، تساهم في تعميق المشكلة، حسبما يقول الشيخ مهند الصاوي. وبرأيه فإن «عزوف الرجل عن الزواج، الذي يفضي الى عنوسة المرأة، يعتبر حياداً عن السبيل السوي والتنكر لسنّة الهية». ويضيف الشيخ الصاوي ان للمشكلة أضراراً خلقية كالوقوع في الرذيلة والشذوذ الجنسي، وتهديد كيان الأسرة.
أما الطب النفسي فيرى ان للعزوف عن الزواج آثاراً سلبية، تبدأ من الشعور بالقلق وتصل الى أمراض جسدية كفقدان البصر والإصابة بالشلل، نتيجة ما يصيب العازب أو العانس من حالات عصبية. ويرى الدكتور ايمن محمود أن العنوسة قد تؤدي بالفتاة الى الهذيان المزمن، نتيجة لما تتعرض له من ضغوط في العائلة والمجتمع، ناهيك بآلام كثيرة عند فترة الحيض. أما الشبان فقد يتعرضون الى آلام حادة في الرأس نتيجة عدم إشباع الرغبة الجنسية.
ويرى الطالب الجامعي سامح أن تأخر الزواج قد يؤدي بالشاب الى الانحدار الى المستوى البهيمي، ويقول: «ربما أكون شاباً خلوقاً لكن غياب الزوجة الشرعية قد يدفعني الى أمور تقلّص الفارق بيني وبين الحيوان. قد ارتكب جريمة اغتصاب، أو أي جريمة أخرى لإرضاء الغريزة، أو لتوفير متطلبات الزواج».

الخميس، 8 فبراير 2007

فقط 144 حالة تسرّب من المدارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة... العمل لإعالة الأسرة والتحصيل العلمي ورشق الحجارة

جنّين (الضفة الغربية) - وليد ياسين الحياة - 08/02/07//
سلام أبو بكر (الحياة) «استيقظ من فراشي، أغسل وجهي، انظف أسناني، أرتب فراشي، أرتدي ملابسي، أمشط شعري، أتناول فطوري، أحمل حقيبتي وأمضي إلى المدرسة».
«نشيد النظافة» يضبط إيقاع النهوض والاستعداد. والنشيط هو الذي ينجز كل تعليماته، من دون تلكّؤ، فبهذا النشيد يبدأ المشوار إلى المدرسة، كل يوم، طوال 15 سنة. والتلاميذ يحفظونه جيّداً، ومع ذلك يرتكب بعضهم خطأً في الترتيب، كأن يمضي تلميذ إلى المدرسة قبل أن يستيقظ. والذي يرتكب هذا الخطأ تحديداً، يكون طائشاً ولا مبالياً، أو أنه لم ينم طوال الليل لأسباب مختلفة، منها هدير دبابة أو اشتباك «أخوي»... والمدرسة لا تنتظر، في اليوم التالي، من يصيبه هذا النوع من الأرق.
وسلام أبو بكر (9 سنوات)، من جنّين في الضفة الغربية، تتوسّل «نشيد النظافة» على طريقتها، لتنطلق كل يوم إلى مدرستها، ولو في أحلك الظروف. حتى أنها قبلت أن تسلك الدرب ذاتها، خلال الإجازة الفصلية، لتستعيد مشوارها، والبريق في عينيها.
هو المشوار الذي يكرره التلاميذ في أنحاء المعمورة، كل يوم. لكن محطاته، بالنسبة إلى تلميذ في فلسطين، قد تختلف عن محطات أقرانه في العالم... ففي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة يستيقظ هذا التلميذ على «أنغام» مختلفة: جنود يعلنون منع التجول، أو أزيز رصاص بين البيوت خلال مواجهة بين شبان المقاومة وجنود الاحتلال أو مواجهة محلية بين «فتح» و«حماس»...
و«أحياناً نسمع دوي النيران من دون أي سبب»، تستدرك سلام الصغيرة، وهي من سكان حي خروبي المجاور لضاحية صباح الخير، على مشارف الجهة الشرقية لمدينة جنّين. وهي طالبة في الصف الثالث، في مدرسة فاطمة خاتون، يفصل بيتها عن مدرستها نحو كيلومترين، وتنتقل إليها بالحافلة. لكنها، في أحيان كثيرة، تقطع المسافة سيراً على الأقدام.
وللوهلة الأولى، تظنّ أن الاضطرار إلى السير سببه حالة أمنية، فلا يعود السؤال عنه مهماً، خصوصاً أنك داخل منطقة «ساخنة». غير أن كلام الصبية ينفي هذا الافتراض، إذ يكشف السبب الحقيقي: «سائق حافلة الركاب يتقاضى مبلغ «شيكل» (العملة الاسرائيلية)، مقابل نقل الطالب في كل اتجاه. ولكن، أحياناً وبسبب الضيقة الاقتصادية، يعجز والدي عن تأمين الأجرة لي ولأختي». ووالد سلام يعمل موظفاً في دائرة رسمية. ومنذ فرض المقاطعة والحصار «أصبح الحصول على شيكل حلماً يراود الطلاب والتلاميذ»... والأهل والسائقين، أيضاً.
وخلال تعقّب وجهتها اليومية، حضرت سلام مع شقيقتها كرمل (7 سنوات). كان الطريق خالياً إلاّ من بعض المارّة الذين تعجّبوا من منظرهما، وهما ترزحان تحت الحقيبتين الثقيلتين، لأن المدارس مغلقة بسبب العطلة الفصلية.
وسلام «تحب المدرسة، ولا تحب العطلة أبداً»، على ما أفصحت أختها الصغيرة. فحين أضرب المعلمون، في مطلع السنة الدراسية، بسبب عدم دفع رواتبهم، لم تفرح للإضراب، لأنني «خسرت الكثير من دروسي». وتردف: «اريد من المعلمين ألا يُضرِبوا كي نواصل الدراسة، كي يتعلم الأطفال». وصمتت للحظة ثم أضافت: «العلم يفيد الانسان، انه سلاح المستقبل، اريد أن أتعلم، وأبني مستقبلي».
أسوأ من الاحتلال
وفي طريقهم إلى المدرسة يتحدّث التلاميذ عن الدروس، وأحياناً يلعبون، ومنهم من يستغرق في اللهو حتى يسمع الجرس من بعيد، فيهرع إلى الصف. وأحياناً، تضيف سلام، «نتحدث عن الأوضاع»! وتقصد الصراع بين «الأشقاء» (الفصائل الفلسطينية)، الذي تراه أسوأ بكثير من المواجهة مع الاحتلال، «ولا أعود أشعر بأمان». الصراع مع الاحتلال لم ينته بالانسحاب الإسرائيلي من شوارع المدن، فجنود الاحتلال يواصلون التوغل، وتتواصل المواجهات. والأطفال الفلسطينيون شهودٌ «مواظبون» على المواجهات، لا بل ان عدداً كبيراً منهم يشارك فيها برشق الحجارة.
أما سلام، فعلى عكس هؤلاء، تختبئ والسبب: «أنا لا أحب الجيش ولا أحب الحرب، أخاف كثيراً من جيش الاحتلال واختبئ إذا وقعت مواجهة على طريق المدرسة».
أعباء الطالب الفلسطيني
العديد من تلاميذ المدارس الفلسطينية يضطرون أحياناً كثيرة إلى تحمل بعض الأعباء، على رغم صغر سنهم. «اذهب لشراء الحاجيات بعد انتهاء الدراسة»، تقول سلام، وهـذا لا شيء مقـارنـة بمن يعملون للمشاركة في إعالة أسـرهم. فما يكاد الجـرس يقرع حتى يسارعوا الى مفترقات الطرق لبيع القداحات ومشابك الغسيل والصابون والأقلام... أملاً في جمع بعض الشواكل».
ولا تخلو ظروف عملهم من الأخطار، خصوصاً عندما يتراكضون بين السيارات ويستعطفون ركابها لشراء حاجة ما. وهناك أولاد يعيشون فقراً مدقعاً لا تملك أسرهم ثمن ربطة خبز، فيهربون من الدراسة للعمل.
ثائر، والد سلام، يشير إلى ان نسبة كبيرة من الأولاد يتسرّبون من المدارس بسبب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة. لكن هذه النسبة ليست مرتفعة، بحسب معطيات مديرية التربية والتعليم في جنين.
وتوضّح رئيسة المديرية، سلام الطاهر، أن الوزارة وضعت خطة متكاملة لمحاربة التسرب: «قسم الارشاد عمل كثيراً في هذا المجال، وصلنا إلى البيوت وتمكناً من اعادة الكثير من التلاميذ إلى مقاعد الدراسة». وهي تقول ان المعطيات المتوافرة لديها تشير إلى أن من بين 39 ألف طالب في المدارس التابعة لمديرية جنين، سُجّلت 144 حالة تسرب فقط. وتعتبر الطاهر أن من أسباب هذه الظاهرة الأوضاع الاقتصادية (للذكور)، والزواج المبكر (للإناث)، والضعف في التحصيل العلمي (للجنسين معاً).
ثلاث جهات تشرف على التعليم
ويخضع جهاز التعليم في المدارس الأساسية الفلسطينية لإشراف ثلاث جهات: وزارة التربية والتعليم، ووكالة غوث اللاجئين.
وتقول الطاهر ان مديرية التربية والتعليم تشرف في شكل كامل على التعليم في المدارس الرسمية. أما مدارس القطاع الخاص فتشرف عليها المديرية إدارياً فقط. والمنهاج الدراسي تحدده الوزارة، باستثناء بعض المقررات التي تحددها المدارس الأهلية.
ويختلف الأمر في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). فعلى رغم أن منهاجها الدراسي هو المتّبع في المدارس الرسمية، تبقى مدارس الأونروا مستقلة إدارياً ولا علاقة للوزارة بها بتاتاً.
ويبلغ عدد المدارس الحكومية في مديرية جنين 113 مدرسة، يتعلم فيها قرابة 40500 طالب وطالبة، ومثلها في مديرية قباطية. اما رياض الأطفال فيبلغ عددها في مديرية جنين 65 ومثلها تقريباً في مديرية قباطية. ويبلغ عدد الاطفال الذين تحتضنهم هذه الرياض قرابة 8000 طفل.
ووفق معطيات نشرتها منظمة «يونيسف»، يبلغ عدد الأطفال دون سن 18 سنة في فلسطين 1.9 مليون طفل، وبحسب تقديرات جهاز الإحصاء المركزي لسنة 2006، يصل عدد التلاميذ في المدارس الأساسية في فلسطين إلى مليون طالب يتعلمون في 2277 مدرسة حكومية وخاصة منتشرة في الضفة الغربية وغزة (1715 في الضفة و 562 في قطاع غزة).
وتفسّر الإحصاءات اكتظاظ القاعات في المدارس الحكومية مما يضر بالعملية التعليمية ويضعفها. وتشير تقارير «يونيسف» إلى أن أكثر من 23 في المئة من الطلبة عانوا بعد سنة 2002، صعوبة الوصول إلى مدارسهم بسبب الحواجز الإسرائيلية.