الاثنين، 29 سبتمبر 2008

اربعون في المئة من فلسطينيي أراضي 1948 يغيّرون اختصاصهم أو يتسربون من الجامعة

شفا عمرو (فلسطين المحتلة) – وليد ياسين الحياة - 29/09/08//
تعرض الجامعات والكليات الإسرائيلية، وكذلك الأجنبية تشكيلة كبيرة من الاختصاصات. ولكن هذه الجامعات والكليات قد تحرم الطالب فرصة العيش الكريم، في بلد يُعتبر فيه الطالب الفلسطيني في أدنى سلّم الأولويات لجهة القبول في العمل، مقارنة بالطلاب اليهود أو المهاجرين الذين جاؤوا إسرائيل «على طبق من فضة»، ووفروا لها قوى عاملة جاهزة في مختلف مجالات الحياة الأكاديمية، فاحتلوا مكان الصدارة.
إلى ما قبل عقدين من الزمن، كانت الاختصاصات ذات الموقع والاسم الرنّانين، كالطب والصيدلة والهندسة المعمارية، تحتل مركز الصدارة في أولويات الطالب الفلسطيني، وكان الكثير من الطلبة الفلسطينيين يتحملون مشقات السفر إلى الخارج ومصاعب الغربة في سبيل الحصول على «الشهادة الذهبية»، ومن ثم يبدأ المشوار الأصعب: البحث عن عمل.
ومع بدء موجة الهجرة الروسية الواسعة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي بدأ التحول في اختيار المواضيع الدراسية، وأصبح الطلاب الفلسطينيون يختارون مواضيع قد لا تلبي طموحاتهم ولكنها تضمن لهم المستقبل على الأقل.
وأمام التخبط الذي يواجهه الطالب تشير معطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، فإن أكثر من 40 في المئة من الطلاب الفلسطينيين في منطقة الـ 48 يغيّرون تخصصهم بعد السنة الأولى أو يتركون الجامعة.
ويقول الدكتور ايتمار جاتي، المدرس في قسم التربية وعلم النفس في الجامعة العبرية في القدس، إن اختيار المهنة قرار مهم جداً ويجب تخصيص الوقت والتفكير الجدي له. اذ ان تغيير موضوع التعليم أو التسرب منه ينطوي على ثمن اقتصادي ونفسي باهظ. ومن الناحية الاقتصادية، علماً ان تكلفة التعليم للسنة الواحدة تتراوح بين 11 و20 الف دولار اميركي. ومن الناحية النفسية، قد يؤدي تغيير موضوع التعليم إلى وقوع الطالب في تخبط من شأنه أن يتسبب بانخفاض رغبته في التعليم، وأحياناً الإحساس بالفشل.
ويضيف ان بحثاً أجري على 366 طالباً فلسطينياً من منطقة الـ 48 بيّن أن أكثر صعوبة يواجهها الطلاب عند توجههم لاختيار موضوع التعليم هي معتقدات وتوقعات خاطئة يمكن أن تؤثر في اتخاذهم القرار، كالاعتقاد أن في امكان المهنة حل كل مشاكله الشخصية، أو أن اختيار المهنة هو قرار أبدي.
ويقول مدير جمعية التوجيه الدراسي للطلبة العرب، مارون فرحات، ان الأسئلة الرئيسة التي تتزاحم في ذهن الطالب العربي عشية الدخول إلى الجامعة تتمحور حول ما إذا كان سيجد عملاً في المستقبل، أو ما إذا كان السوق بحاجة الى هذه المهنة أو تلك؟ ويقول ان الأهل والأقارب والمعلمين يحاولون تقديم المساعدة وفق منظورهم، لكن يجب الفصل التام بين عملية اختيار المهنة وسوق العمل.
ويدير فرحات جمعية تأسست بمبادرة شخصية من مجموعة من الأكاديميين الفلسطينيين الذين مروا بالتجربة الصعبة في اختيار المهنة، وتعمل منذ سنوات على مساعدة الطلاب الفلسطينيين في منطقة الـ 48 لاتخاذ القرار السليم عشية التحاقهم بالدراسة الأكاديمية. ومن المشاريع التي تقدّمها الجمعية مشروع «المدرسة الجامعية» الذي يهدف إلى توسيع آفاق الطلاب في المرحلة الإعدادية حول إمكانات التعليم العالي والأكاديمي وشروط القبول وإمكانات العمل المتوافرة في سوق العمل وتطوير مهارات فكرية وتطبيقية تساعد الطلاب في اكتشاف ميولهم المهنية وخلق تجربة تعليمية خاصة لديهم، إضافة إلى تطوير مجالات اهتمام جديدة. ويقترح البرنامج على الطلاب تشكيلة من الدورات التي تساعده على اتخاذ القرار. وتنظم الجمعية مخيماً صيفياً للطلاب الثانويين يهدف إلى تشجيع التعليم العالي وتحضير الطلاب للحياة الجامعية المستقبلية وتوجيههم لتعلم اختصاصات ومهن يحتاجها المجتمع الفلسطيني في الداخل. وتتخلل المخيم زيارات لمؤسسات تعليمية أكاديمية.

الاثنين، 15 سبتمبر 2008

التفجيرات الانتحارية والعمالة ...وجهان لعملة البطالة الفلسطينية

شفا عمرو (فلسطين المحتلة) – وليد ياسين الحياة - 15/09/08//
على بعد أمتار قليلة من حاجز عسكري أقامه جنود الاحتلال الاسرائيلي بالقرب من بلدة زلفة، على الحدود بين منطقة 48 ومحافظة جنين، شمال الضفة الغربية، تحلق الكثير من الآباء والأمهات الفلسطينيين حول سائق سيارة أجرة وأخذوا يساومونه على كلفة نقلهم من الحاجز إلى مدخل سجن «مجدو العسكري»، حيث يحتجز جنود الاحتلال أولادهم.
في مكان غير بعيد من هذا التزاحم، جلست مسنّة فلسطينية على الأرض، تحتضن رضيعاً. بدت وكأنها غير مبالية بما يحدث من حولها، او انها ليست على عجلة كأولئك المتزاحمين. التفتت إلى صوت شابة خرجت من بين المتزاحمين ونادت عليها: «يلا يا حاجة، تعالي»، واقتربت من المسنّة وتناولت الطفل من حضنها، ثم سارت أمامها باتجاه سيارة الأجرة.
الشابة، والدة الرضيع الذي ترعاه «جدته»، هي زوجة الابن الأصغر لهذه العجوز. اسمه أحمد، شاب، يحمل شهادة الماجستير في الاقتصاد، تخرج قبل عامين ونصف عام في جامعة خليجية، وعاد إلى أسرته في نابلس، على أمل أن يجد عملاً يسترزق منه ويساعد أسرته على مواجهة الجوع الذي فرضه الحصار على الفلسطينيين. لكن أحلامه سرعان ما تبخرت، وفقد الأمل بالحصول على وظيفة في مجتمع يعاني نسبة بطالة عالية، تتفاقم عاماً بعد عام في ضوء سياسة الحصار والتجويع الإسرائيلية وعجز السلطة الفلسطينية عن استيعاب الأكاديميين في مؤسساتها.
قرر أحمد، بحسب ما تروي زوجته «حشر أحلامه داخل كيس محكم الإغلاق»، وانطلق للعمل في أرض عائلته. حرث الأرض وزرعها وكان الموسم الأول وفيراً، فقررت أمه تزويجه من ابنة شقيقتها، التي تخرجت هي أيضاً بشهادة دبلوم في جامعة النجاح واضطرت للتخلي عن أحلامها حين وافقت أسرتها على زواجها من ابن خالتها.
بعد شهر من زفافه، وجد أحمد نفسه يبحث مجدداً في سوق البطالة عن عمل، بعد أن دهمت جرافات الاحتلال ارض عائلته ودمرت مزرعته الصغيرة، وقضت على باب رزقه الوحيد.
لم يتمكن أحمد من إيجاد عمل، وتدهورت أوضاع الأسرة، بخاصة بعد وفاة والده. بدأ الجوع يتسرّب إلى بطون الأسرة، بعد أن بات من الصعب إيجاد كوب من الطحين من أجل خبز رغيف. تسلل اليأس إلى نفس أحمد، وبات عصبياً. لاحظت زوجته الشابة التغيرات التي طرأت على حياته، ولم تجد من سبيل إلاّ اللجوء إلى أسرتها، فمرة تحضر الطعام جاهزاً من هناك، وأخرى تستعين بوالدها لشراء حاجيات منزلها، في محاولة منها للتخفيف من الضغوط على زوجها. وأحمد يشاهد ما يحدث ويتألم بصمت. ومن دون سابق إنذار غاب احمد أسبوعين عن المنزل، ليعود منفرج الأسارير، وجيبه مملوءة ببضع مئات من الدولارات الأميركية.
لم تسأله زوجته من أين؟ وكيف حدث هذا التحول؟ خشية من العواقب. وبعد أقل من أسبوع، ابلغ احمد زوجته أنه سيتوجه إلى مخيم جنين لزيارة زميل له. في تلك الليلة، وحين كان احمد يجلس مع مجموعة من شبان المخيم في باحة بيت صديقه، سمعوا دوي انفجار آتياً من جهة مدخل البيت، وقبل ان يتمكنوا من التحرك، كانت ثلّة من جنود الاحتلال تحاصرهم وتوجه بنادقها إلى صدورهم. اقتيد احمد مع بقية الشبان إلى السجن، وبعد تحقيق وتعذيب داما نحو شهرين في أقبية أجهزة الاستخبارات، وجهت قوات الاحتلال إليه تهمة التخطيط لعمليات فدائية وحكم عليه بالسجن حتى عشر سنوات.
«حين اعتقلوه كنت حاملاً في الأسبوع الأول»، تقول زوجته. «خفت على الجنين، وفي لحظة يأس قررت التخلص منه، لأنني خشيت من الجوع والفضيحة. لكن الله ستر، وأنقذ الجنين فأنجبته، وعمره اليوم 17 شهراً، وأحضرته معي لزيارة والده».
لم تكمل حديثها، إذ نودي على الزائرين للدخول إلى قاعة الانتظار، ودخلت مع الوافدين للزيارة. بعد نحو ساعة خرجت، وأكملت حديثها: «حين قرر احمد العمل في الأرض كان بحاجة إلى مبلغ يساعده على تحضير الأرض وشراء الحبوب، فاستدان مبلغاً من مؤسسة خيرية في المدينة، على أن يعيده بأقساط شهرية. وبالطبع كانت المؤسسة تدير سجلات مالية وكان اسم احمد من بين المسجلين فيها. خلال العدوان الاسرائيلي على جنين عام 2002، دهمت قوات الاحتلال المؤسسة وصادرت ملفاتها، وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت تقريباً كل الشبان الذين وردت أسماؤهم في السجلات، وكان احمد من بينهم. وبعد اعتقال لمدة شهر أطلقوا سراحه، ومنذ تلك اللحظة تغير. كان يغيب ساعات طويلة ولا يرجع إلى المنزل إلا في المساء. لم يعرف احد ما الذي يفكر فيه الشاب الجامعي، ولا ما الذي حدث معه في السجن، ولا أين اختفى حين قال انه سيسافر إلى صديق في رام الله، إذ إنه أخفى أي تفاصيل حتى عن زوجته. ومضت الأيام، وبات احمد يمثل سراً كبيراً بالنسبة الى المرأة التي من المفترض أن تكون كاتمة أسراره. وتوضح: «بعد اعتقاله فقط، فهمت».
في اليوم التالي على اعتقال أحمد، حضر لزيارة أسرته ناشط في إحدى الحركات الأصولية وسلّمها مبلغاً مالياً، مفسراً «إنه دين لأحمد». لكن احمد كان فقيراً، وبالتأكيد لم يملك مثل هذا المبلغ الذي احضره الزائر، وأصرّت زوجته على معرفة مصدر المال، وبعد أيام حضرت إلى بيتها شابة في مثل عمرها، وروت لها ان احمد تجنّد في صفوف هذه «الحركة»، وكان يخطط للقيام بعملية انتحارية داخل إسرائيل.
انكشف السر أمام الزوجة الشابة، وعرفت لماذا كان يغيب ساعات وأياماً من دون ان تعرف ماذا يفعل أو الى أين يذهب. فهمت انه خضع للإغراء المالي كي يعيل أسرته ويمنع سقوطها على مذبح الجوع. وبحسب الزوجة، فإن أحمد لم يكن شخصاً يؤيد قتل النفس، ولم يكن متعصباً دينياً أيضاً، وخلال الفترة الوجيزة من عمرهما المشترك كانت تشاهد البريق في عينيه وهو يحدثها عن أحلامه وعن القصر الذي سيبنيه لها على طرف كرم الزيتون.
وفهمت منه، حين بدأت زيارته في سجنه، انه حاول الهجرة والعودة إلى الخليج للبحث عن عمل، لكن اسمه كان مدوناً على اللائحة السوداء، ومنع من المغادرة. بحث عن عمل في كل ورش البناء ومع الحمالين في السوق، وكان مستعداً لنسيان شهادته والعمل في جمع القمامة، لكنه لم يجد مكاناً يستوعبه.
وفي احد الأيام، جاءه شخص غريب إلى الكرم وأخذ يحدثه عن مدينة يافا، المدينة التي تهجّرت منها أسرة احمد، وعن جمال البحر وبيت عائلته المطل على مسجد «حسن بك»، قبل أن يتحول وعائلته لاجئين على رقعة أخرى من أرض فلسطين، وشدّه الحديث إلى ان سمع ذلك الغريب يسأله: «لماذا لا تعمل معنا وتعيل أسرتك بكرامة؟».
أحمد الذي قارب حالاً من اليأس، واعتقد ان «الغريب» يعرض عليه عملاً، ولم يتردد للحظة في الموافقة. وبعد أيام، فهم نوعية العمل المقترح، لكنه لم يتراجع، بل وجد في نفسه التصميم القوي على المضي قدماً، وهو يرى بأم عينيه ويعيش يومياً الذل الذي يفرضه الاحتلال على شعبه.
وانخرط احمد في العمل الفدائي، لكن الأمر لم يطل، فبعد شهر من بدء التدريبات، جاءت تلك المداهمة الليلية لبيت صديقه في المخيم، واعتقالهم. ولم يعرف احمد إلا بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال ان احد الشبان الذين سهروا معه في تلك الليلة، كان عميلاً. ذلك الشاب، أيضاً، كان عاطلاً من العمل، وضحية أخرى من ضحايا البطالة المتفشية في الشارع الفلسطيني، وبعد تسلله إلى داخل الخط الأخضر للبحث عن عمل، اعتُقل، وعُذِّب، وأُجبر على تصوير مشاهد مخلّة بالآداب، وهدّدوه بنشر الصور إذا لم يتعامل معهم، فسقط!

الخميس، 11 سبتمبر 2008

الفلسطينيون ضحايا 11 سبتمبر أيضاً... أي كارثة ونكبتنا مستمرة منذ 1948؟

شفاعمرو - وليد ياسين الحياة - 11/09/08//
فور وقوع أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كان الفلسطينيون أول من وجّهت إليهم أصابع الاتهام، وتعرضوا لعقوبات أميركية، في إطار ما عُرف لاحقاً باسم «الحرب على الإرهاب». حينذاك، صعّدت الإدارة الأميركية هجومها على القيادة الفلسطينية، وطالبت بتغييرها، متبنية الموقف الإسرائيلي الذي اعتبر ياسر عرفات، «عدواً ينبغي عزله».
وهكذا بدأت محاولات زج الفلسطينيين في أحداث 11 أيلول فور حصولها، حين ظهرت، في مشهد تلفزيوني، مجموعة من الفلسطينيين يضحكون ويرقصون. وزعم مصور الشريط انهم كانوا يبتهجون بما حل بالولايات المتحدة. وانتشر هذا المشهد في محطات تلفزة عالمية، وبثته القنوات الإسرائيلية مراراً، في محاولة لإظهار الفلسطينيين كشعب يرقص على دماء الضحايا.
في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني نكبات كثيرة وأعمال قتل وذبح ارتكبت في حقه، تتجاوز في بشاعتها أحداث 11 أيلول، ولكنها لم تلق اهتماماً دولياً مثلما لقيت أحداث 11 أيلول، أو العمليات التي تستهدف إسرائيليين.
في أيلول، يتذكر الفلسطينيون «أيلول الأسود» و «مجزرة صبرا وشاتيلا»، ولا ينسون نكبتهم الكبرى في 1948 وما سبقها وما تلاها من مجازر اسرائيلية. بعضهم يستعيد أحداث 11 أيلول 2001، من دون أن تخونه الذاكرة، فمشاهد الدمار والأنقاض والضحايا آنذاك، نقلتهم (ولا تزال تنقلهم) سريعاً إلى مشاهد مشابهة لأبناء شعبهم، وهم «يبحثون بين الأنقاض عن ضحاياهم بعد كل عدوان إسرائيلي، بسلاح أميركي»، كما تقول الإعلامية الفلسطينية مقبولة نصّار (34 سنة) من قرية عرابه.
كانت نصّار في رحلة إلى جبل طارق، في 11 أيلول. وتتذكر تكرار مشهد الطائرات وهي تخترق مبنيي «مركز التجارة العالمي». واعتقدت حينذاك أنه جزء من فيلم «أكشن» أميركي. وفي ذاكرة نصار، لا يزال يتردّد صوت تلك المرأة الأفريقية التي كانت جالسة الى جانبها، يقول لها: «أميركا صدّرت الحرب إلى كل مكان، والآن وصلت إليها...».
ولا تنسى الصحافية الشابة تلك اللحظة التي بدأ فيها توجيه أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين: «الأخبار الأولى تحدّثت عن أن خطف الطائرات هو تخصّص فلسطيني. وكفلسطينية خفت أن أقول للناس في أسبانيا، في ذلك اليوم، إنني فلسطينية. كنا نقول إننا من الأراضي المقدسة، فنحن لدينا معرفة وافية في حماية أنفسنا من غضب الآخر، بعد حدوث تفجير».
قسام قعدان (22 سنة)، من باقة الغربية، كان صغيراً حين وقعت الهجمات، ويقول: «زادني إيماناً بأن لا توجد قوة على هذه الأرض لا تقهر». والطالبة الجامعية رلى نصير (23 سنة)، من شفاعمرو، بقيت في ذهنها الصورة المشوهة التي لحقت بالإنسان العربي.
ويتفق مهندس الكومبيوتر يامن روك (27 سنة)، من الناصرة، ورجل القانون نضال رزق (44 سنة) المقيم في الولايات المتحدة، على أن أحداث 11 أيلول أساءت كثيراً إلى القضية الفلسطينية والحقوق العربية بعامة. ويحمل روك في ذاكرته الكثير من الحزن والأسى على الضحايا والكثير من السخط على المنظمات التي تدعم القتل باسم الدين يقول. «لقد أضرّ هذا العمل بنا كفلسطينيين. خلط الأوراق وذهبت مقاومة الفلسطينيين الصالحة بعزاء أعمال المتطرفين الطالحة». ويعقب رزق بقوله ان الأحداث «ساهمت في توسيع دائرة الشك حول الحقوق العربية، والفلسطينية بخاصة، وخسرنا عدداً كبيراً من المتعاطفين مع القضايا العربية».
ويتفق المتحدثون على شعورهم بالتضامن مع الضحايا الذين وقعوا في 11 أيلول، لكن هذا التضامن لا ينفصم عن هويتهم كشعب يتعرض يومياً للعدوان، ويُعتبر الضحية الأولى لسياسة الاحتلال المدعومة أميركياً.
مقبولة نصار تضامنت وتعاطفت مع الناس الذين كانوا يبحثون عن أهلهم بين «غيوم الدخان والغبار»، ولم تلبث تلك المشاهد أن اقترنت بمشاهد الأمهات والأطفال الفلسطينيين، وهم يبحثون عن ضحاياهم وسط الدمار الذي تخلفه الطائرات الإسرائيلية. وهي ترى أن الأميركيين هم «ضحايا نظامهم» وتلومهم على جهلهم بما تفعله حكومتهم في العالم... «ولكن في نهاية الأمر، يجب التفريق بين الأنظمة والشعوب»، كما تقول.
وترى رلى نصير ان «الواجب الإنساني يحتم علينا التضامن مع ضحايا أي حادث كان، على رغم أن الترويج لفكرة الإرهاب كان الناتج الأساسي لتلك الواقعة. وبعيداً من التساؤلات، يقف المرء أمام حقيقة الموت كما لم يعهده من قبل. ولذلك، شعرتُ بالرهبة لرؤية الموت يتجلى ببساطة أمام عدسات الكاميرات».
ويؤكد روك تضامنه مع الضحايا وإلا «نفقد إنسانيّتنا وعقلنا»، ويضيف: «نحن الفلسطينيين أكثر شعوب الأرض تعرضاً لأعمال البطش والإذلال من الإسرائيليين والغرب... فهل نبذر مساعي مقاومتنا في أعمال قتل ليس لها طائل»؟
ويرى رزق ان الموت هو أسوأ الأمور التي يمكن ان تطاول الإنسان وأن القيمة الفضلى هي للحياة، في حين يثني قسام على تضامن «الإنسان» مع ضحايا أي حدث قاتل ودموي، «خصوصاً الأبرياء منهم».
أحداث 11 أيلول تركت تأثيراً في الناس في فلسطين، وفي الأوضاع في المنطقة عموماً. وبرأي نصير يكفي أن تتلفّظ بكلمة «الحادي عشر»، كي يُفهم مغزى الحديث، وهي لا تعتقد أن الإعلام يساعد الناس على نسيان مثل هذه المآسي. وتعتبر نصار أن ذلك الحدث «غيّر وجهة التاريخ وقلب موازين القوى في المنطقة... وتلك التفجيرات وما تلاها عمّقت الفجوات والعداءات بين الشرق والغرب، وحولت الصراع إلى صراع بارد ذي طابع ديني».
ويعتقد روك ان أحداث 11 أيلول، زادت من تشرذم العرب ووهنهم، كما زادت من «تبعيّتنا لمعايير الولايات المتحدة». وخلافاً له يعتقد قعدان أن مثل هذه الأحداث «لا تترك تأثيراً طويل المدى في الناس، على رغم ان تداعياتها تثيرهم أحياناً».
لا مجال للمقارنة مع ذكرى النكبة
في الحديث عن الذكرى (أي ذكرى)، لا ينسى الفلسطينيون نكبة شعبهم في 1948. وعلى رغم ان المتحدثين هم من الجيلين الثاني والثالث بعد «النكبة»، تراهم يتمسكون بذكراها ويبحثون عما يبقيها متّقدة، رافضين المقارنة بينها وبين أحداث 11 أيلول أو أي حدث آخر.
مقبولة نصار ابنة لأم مهجّرة، يعيش أفراد أسرتها في مخيمات اللاجئين في لبنان وسورية، ونكبة 48 بالنسبة إليها «جريمة إنسانية كبرى لا استطيع التصور كيف نُفّذت... تطهير شعب برمّته، لا يقارن بهذه التفجيرات. لسنا في موقع المساءلة إذا ما كنا نتعاطف مع الشعوب الأخرى أو لا، لأن نكبتنا حدث مستمر، ومع ذلك، تنكره أو تتجاهله شعوب وحكومات».
رلى نصير تقول إن النكبة موضوع لم يُتداول كثيراً في المحيط الذي وُلدت فيه، لأسباب فهمتها متأخّرة، «لكنني ساعدتُ نفسي وانتشلتها من الجهل. ولا اتعاطى مع ذكرى النكبة مثلما أتعاطى مع ذكرى 11 أيلول، لأنني لا أرى مجالاً للمقارنة، فالفرق كبير. المشاعر التي تعترينا، يومياً، أمام ذكرى النكبة بعيدة كل البعد من ذكرى تعود مرة كل عام عبر وسائل الإعلام. القرب الجغرافي يحتّم علينا رؤية أوضح لمعاناة الفلسطيني اليومية منذ ستين سنة ، معاناة لا نزال نستعيدها حتى هذه اللحظة، ونعيشها كل لحظة».
قعدان يرفض أيضاً المقارنة: «نحن نتحدث عن نكبة شعب بأكمله، لا عن هجوم. النكبة موجودة في داخلي. وأسعى لكي تبقى ذكراها على مرّ الأجيال».
يوافقه رزق الذي يعتبر أن النكبة ليست لمن عاش فــصولها مــباشرة فــقط. وهي تركت في نفــس روك مزيجاً من الــحزن والأمل، «تارةً أبكي على ما ضاع من أرض وعرض، وتارة أخرى يغمرني أمل في مــستقبل مــشرق وعيــش هني!».

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

التسمم في الصين يستعيد فضيحة «رميديا» في إسرائيل... لا مفرّ من شراء منتجات «مشبوهة»

شفاعمرو (الضفة الغربية) – وليد ياسين الحياة - 09/10/08//
تسمم الأطفال الصينيين جراء تناولهم الحليب الملوث بمادة الملامين، أعاد إلى الأذهان في إسرائيل تفاصيل فضيحة شركة «رميديا» الاسرائيلية لإنتاج الحليب النباتي للأطفال، وقد تفجرت، في 2003، عندما كشف فحص مخبري ان الحليب الذي يُصنّع وفق امتياز ألماني وتسوقه الشركة الإسرائيلية في إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، كان يفتقد إلى «فيتامين B1»، الأمر الذي اعتبر مخالفة خطيرة لقوانين الإنتاج الغذائي.
وبحسب نتائج التحقيقات التي أجريت في حينه، تسبب إخراج الفيتامين «بي 1» من حليب «رميديا» بإصابة نحو 17 طفلاً يهودياً وعربياً بمرض نادر يقارب الشلل الدماغي، أدى إلى وفاة ثلاثة منهم. وهو الأمر الذي أثار ضجة كبرى في إسرائيل، والى تحرك واسع على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، بل وصل إلى حد خروج أصوات يهودية، اتهمت الألمان بتعمّد إحداث خلل في التركيبة، بهدف نشر مرض نادر، «واستمرار ما بدأه النازيون تجاه اليهود قبيل الحرب العالمية الثانية وإبانها».
في ذلك الحين، ادعى المستوردون الإسرائيليون ان شركة «هومانا» الالمانية التي تصنع الحليب لإسرائيل تضطر للسير بحسب تعليمات رجال الدين اليهود الذين يطالبون بأن يكون المنتوج مصنعاً وفق تعاليم الدين اليهودي، وأنهم بهذا التغيير أسقطوا الفيتامين. وحسبوا أن هذا التغيير لا يحتاج إلى مصادقة خاصة من وزارة الصحة. لكن هذا الادعاء لم يخمد حال الهلع. ورفعت دعاوى قضائية كبدت «رميديا» خسائر فادحة، كادت تقضي على مستقبلها في السوق.
وعلى رغم انكار علاقتها في الموضوع ورفض تحملها المسؤولية في البداية، سارعت شركة «هومانا» الالمانية إلى إنقاذ الشركة الاسرائيلية من محنتها وتراجعت عن روايتها السابقة، لتعلن انها تتحمل المسؤولية كاملة، عما سمته «الخطأ» بإدخال كميات قليلة من الفيتامين «بي 1» إلى الحليب، لا تتفق مع الكميات المسجلة على الحاوية. وفُتح في كل من إسرائيل والمانيا، في حينه، تحقيق جنائي قاد إلى اعتقال مسؤولين في الشركتين.
وعلى رغم أن إسرائيل من الدول المتشددة في تطبيق القوانين التي تتعلق بصحة مواطنيها في شكل خاص، «ضُبطت عارية» في قضية «رميديا» وجاهدت لمعالجة الموضوع على وجه السرعة، من خلال اتخاذ اجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الفضيحة، من جهة، واصدار أوامر بتشديد الفحوص على المواد الغذائية الخاصة بالاطفال، قبل المصادقة على تسويقها.
وأعلن وزير الصحة الاسرائيلي آنذاك، داني نيفيه، عن فحص مكونات غذاء الاطفال في شكل مشابه تماماً للفحوص التي تجرى لمركّبات الأدوية. وأصدر اوامره بإجراء فحوص كيماوية ومخبرية لكل المواد الغذائية الخاصة بالاطفال. كما توجه إلى نظرائه الاوروبيين برسالة حذر فيها من تكرار الامر في المستقبل، حتى اذا كان ذلك في شكل متعمد!
ولم تكن المواد الغذائية الخاصة بالاطفال تخضع للفحوص المخبرية قبل تلك الحادثة، وكان يكفي التدقيق الإداري بالمعطيات التي يقدّمها المستوردون. وبعد قضية «رميديا» فُرض فحص لكل المركبات الغذائية، على طول خط الإنتاج، من بداية تصنيعها حتى وصولها إلى السوق.
يشار إلى انه قبل مضي نصف عام على قرار الوزير نيفيه، فوجئت الاوساط الطبية الاسرائيلية بصدور قرار آخر عن الوزارة يقضي برفع عبارة «بمصادقة وزارة الصحة» عن المنتجات الغذائية، بخاصة غذاء الاطفال المصنّع. وجاء ذلك القرار بناء على توصية لجنة «فاينرو» التي حققت في ابعاد فضيحة «رميديا» وتوصلت إلى سلسلة من الاخفاقات في سياسة مراقبة المواد الغذائية في إسرائيل.
واستُبدلت العبارة باخرى تقول إن هذا الغذاء يتفق مع هذه الشروط او تلك، او انه تم فحص عينة منه... وما شابه.
إلاّ أن الأوساط الطبية هاجمت القرار واتهمت وزارة الصحة بالتنصل من المسؤولية، لأن غذاء الاطفال ليس مجرد غذاء لسد الجوع، وانما يحتوي مكونات تساعد على نمو الطفل في شكل سليم، ولذلك فإن أي خلل في تركيبة هذا الغذاء، او نقصان أي نسبة من الفيتامين قد ينطوي على أخطار جسيمة، بحسب جهات طبية.
واليوم، يجري فحص مقاييس المواد الغذائية في إسرائيل بحسب مستوى الخطورة الكامن في طريقة تركيب العنصر الغذائي ونوعية الجمهور الذي يستهلكه، والسجل التاريخي للمستورد او المنتج. ويُمنع في اسرائيل تسويق أي منتج غذائي مصنع لا يحمل تسجيلاً لتاريخ التصنيع والصلاحية.
وتلعب وسائل الاعلام الاسرائيلية دور «الحارس الامين» في هذه القضية، وهي لا تتوانى عن تفجير أي قضية تتعلق بمواد غذائية فاسدة او لا تتفق مع المقاييس المحددة. ويبث التلفزيون الاسرائيلي برنامجاً اسبوعياً خاصاً للتوعية ومراقبة المواد الغذائية، اسمه «كول بوتيك». وقبل شهرين كشف هذا البرنامج فضيحة لا تقل خطورة عن فضيحة «رميديا»، وتتعلق بانتشار الفئران والجرذان في شبكة مطاعم شهيرة للوجبات السريعة، ما ألحق خسائر فادحة بالشركة. وقبل فترة وجيزة، فضح شركة عربية للتسويق، واتهم أصحابها بتزوير تاريخ انتهاء صلاحية المنتجات الغذائية المعلبة، وبيعها للمستهلكين باسعار مغرية.
لكن، يبدو ان المواطن الذي لا تسمح له حاله بشراء المواد الغذائية باسعار مرتفعة من الاسواق التجارية الخاضعة للرقابة الشديدة، لا يأبه بمثل هذه التحذيرات. والايام الماضية التي سبقت عيد الفطر اثبتت ذلك، اذ شوهد آلاف المواطنين في فرع للشركة التجارية المذكورة يشترون منتجاتها الغذائية حتى تلك المشتبه بتزييف تاريخ صلاحيتها.