الخميس، 23 أكتوبر 2008

دورات لتعزيز مواهب الأبناء... بذل الغالي والرخيص لا يكفي لتحقيق «المجد»

شفاعمرو (الضفة الغربية) - وليد ياسين الحياة - 23/10/08//
وقفت آيات على المسرح، تحمل في يدها مسطرة خشبية صغيرة. وبدأت تشرح أمام أولياء الأمور الذين كلفوا أنفسهم عناء الحضور، تفاصيل «الاختراع» الذي نفّذته مع زميلة لها في إطار التحضير لمعرض العلوم في مدرستها.
تحدثت آيات بحماسة عن استغلالها الجرائد القديمة في صنع مكعبات، يمكن استخدامها لبناء «مكان» صغير، كمغارة، في زاوية غرفة الجلوس، أو صنع تزيينات أخرى. وبعد انتهاء المحاضرة، انحنت، كما يفعل الممثلون، شاكرة الحضور الذين صفقوا لها كثيراً، قبل أن تختفي في الكواليس، بينما نزلت صديقتها عن الخشبة وجلست بين والديها، في القاعة.
انتهت مرحلة عرض «الأبحاث» التي قدمها الطلاب، وتوجهت مجموعات «المخترعين الصغار»، كل إلى الزاوية التي عرضت فيها «اختراعها»، كي يشرحوا للحضور عنها، وهم يمرّون أمامها. علامات الانزعاج كانت بادية بوضوح على وجه آيات. وتوجهت صديقتها إلى رئيس لجنة أولياء الأمور في المدرسة، وكشفت له سر هذا الانزعاج: «تضايقت زميلتي لأنها لم تشاهد والديها بين الحضور!».
آيات من الطالبات الموهوبات في المدرسة الإعدادية في شفا عمرو. والدها يعرف ذلك جيداً، ويفاخر بإنجازاتها في كل مجلس. ولكنه في ذلك اليوم المهم جداً بالنسبة الىابنته، لم يكلف نفسه عناء التفرغ ساعة من الزمن والحضور لافتتاح المعرض وسماع محاضرة ابنته. وحين توجه إليه رئيس لجنة أولياء الأمور مستفسراً عن سبب غيابه، فوجئ بجواب لم يتوقعه من أكاديمي: «كنت هناك في الصباح قبل الافتتاح»، قال وضحك، أما ابنته فكادت تبكي.
حكاية آيات لم تكن فريدة من نوعها في ذلك اليوم، فقد غاب عن المعرض عدد كبير من الأهل الذين شارك أبناؤهم في عرض «اختراعاتهم» العلمية. بعضهم شعر بغياب ذويهم وبدا عليهم الانزعاج وهم يرون أقرانهم يبتسمون بسعادة إلى جانب ذويهم، وبعضهم الآخر لم يبالِ، فقد تعودوا إهمال ذويهم.
في كلمته أمام الطلاب وذويهم، أكد مفتش العلوم في المدرسة، أهمية هذا المعرض والبشائر التي يحملها هؤلاء المخترعون الصغار، وطالب الأهالي بمساندة أولادهم وتشجيعهم على نهل العلوم. ولم يتردد رئيس لجنة أولياء الأمور في الإعراب عن مدى دهشته مما عرضه الطلاب الذين تمنى ان يخرج من بينهم «الفرد نوبل عربي، وبن حيان عصري». وانتقد غياب بعض أولياء الأمور، بخاصة أولئك الذين شارك أولادهم فيه.
في إسرائيل تولي وزارة التربية والتعليم اهتماماً كبيراً في العلوم. ولعل من أهم الجوانب التي تعكس هذا الاهتمام، دعم الطلاب الموهوبين في المدارس من خلال دورات إثراء، والسعي دائماً إلى ضمان وجود تمثيل للمدارس الإسرائيلية في مسابقات ومعارض دولية للعلوم.
وتفخر وزارة التربية بطلابها الذين يحققون نتائج عالية في مسابقات دولية للرياضيات مثلاً، ويهتم الإعلام الاسرائيلي، أيضاً، بإبراز تلك الإنجازات. لكن هذا الاهتمام لا ينعكس بصورته المتكاملة والحادة على المجتمع العربي في الداخل. صحيح ان المدارس العربية تطبّق المنهاج التعليمي نفسه الذي تعتمده المدارس العبرية، وتولي الوزارة، من خلال مفتشيها في المناطق العربية، بعض الاهتمام في تشجيع العلوم، لكن نسبة قليلة من الأهالي يهتمون بمتابعة تعليم أولادهم وإثراء مواهبهم العلمية أو الفنية. وحكاية آيات ليست الا غيض من فيض.
ثمة عائلات تحيا على أمل رؤية أبنائها يحتلون مناصب عالية ويحققون مكاسب وإنجازات علمية في مدارسهم. ولا يترددون ببذل الغالي والرخيص في سبيل توفير كل متطلبات العلوم للأبناء. عائلة عبود من مدينة الناصرة لاحظت نبوغ طفلها سليم في العزف على البيانو منذ الصغر، فدعمته وأرسلته إلى دورات إثراء حين كان في العاشرة من عمره، ومن ثم سافر لاستكمال دراسته في الأكاديمية الملكية في لندن والمدرسة العليا للموسيقى في هانوفر في ألمانيا. ومن هناك انطلق «موتزارت الفلسطيني» ليجوب أنحاء العالم، ويحصد جائزتين مهمتين في الموسيقى، «جائزة فلسطين في الموسيقى» في 1998، وجائزة «الموهبة الشابة للعام 2000»، في «مهرجان إسين» في ألمانيا. ظهر سليم كعازف بيانو منفرد مع عدد من عازفي الأوركسترا العالمية في برلين، وفرانكفورت، وفلورنسا، وبروكسيل، وأوسلو، وشيكاغو، ولندن، وأمستردام، ونيويورك، وقبل عامين، شارك في مهرجان سالزبورغ، حيث قدم حفلة، بمصاحبة أوركسترا فيينا الفيلهارمونية. وعزف في معهد «موتسارتيوم» العريق، واشترك في مهرجانات «ريزور» و«رافينيا» و«مينتون». وأحيا، العام الماضي، أمسيتين في مهرجان «موتزارت الفلسطيني» الذي نظمته جوقة لندن بالتعاون مع مؤسسات فلسطينية موسيقية في القدس ورام الله وبيت لحم ونابلس، بمشاركة أكثر من مئتي عازف محلي ودولي.
وعمل سليم مع قادة لفرق عالمية، بينهم: دانييل بارينباوم وزوبين ميهتا وريكاردو موتي وفلاديمير فيدوسييف. وحين عزف للمرة الأولى في قاعة كارينغي الشهيرة في نيويورك، مع فرقة سيفيك من شيكاغو بقيادة المايسترو دانيال بارنباوم، وهو في سن 22، لم يغمر الفرح أسرته الصغيرة فقط، بل كل فلسطيني اعتز بانتماء سليم إلى شعبه.
ومثل سليم، هناك الفنان وسام جبران من الناصرة، أيضاً، الحائز جائزة الإبداع في التّأليف الموسيقي من مكتب رئيس الحكومة، في 2004، والجائزة الأولى في العزف على العود في «المهرجان الدولي للعود 2005» في القدس.وأسس وسام الأوركسترا العربية - اليهوديّة وأدارها، قبل ست سنوات، واستقال من قيادتها منذ مدة بعد عودتها من جولة لها في أسبانيا، على ضوء «خلافات مبدئيّة في طريقة إدارة هذه الفرقة الأوركسترالية التي تحمل معنى سياسياً وحضاريا وإنسانياً»، كما قال.
وتلى الاستقالة فصل كل من يؤيّد موقف وسام إثر رفضه المشاركة في جولة عروض نظمها المتحف اليهودي في برلين، وأحد أهم رموز الصهيونيّة في ألمانيا، في سياق الاحتفالات الستينيّة بإعلان إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: