الجمعة، 1 أغسطس 2008

بين الأمس واليوم ... الوفاء لمن يهتم بوجع الناس

حيفا - وليد ياسين الحياة - 24/01/08//
في غرفة الانتظار، في عيادة الدكتور حسين، جلس بعض المرضى بانتظار وصول الطبيب من المستشفى، وبدء مناوبته في عيادته الخاصة. الساعة التي تجاوزت الخامسة، تنفي ما تشير إليه اللائحة المعلّقة على مدخل العيادة، ومفادها أنه يبدأ عمله عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر. وكلما توجّه مريض بالسؤال إلى الممرضة عن موعد وصول الطبيب، تتفوه بالإجابة المقتضبة نفسها: "انه في الطريق».
أم محمد، سيدة في الخمسين من عمرها تعاني من السكري، وتتناول تشكيلة منوعة من الأدوية التي سجلها لها الطبيب. في اليوم الذي سبق حضورها إلى العيادة انتهت الأدوية لديها، فقررت الانتظار إلى اليوم التالي، كي تزور طبيب العائلة وتحصل على وصفة لشراء كمية جديدة من الأدوية.
بالنسبة اليها تعتبر كل دقيقة تمضي حاسمة، فالتأخر عن تناول الدواء في موعده يمكن ان يؤدي إلى مضاعفات، وقد أثار تأخر الطبيب عن موعده غضبها، فبدأت تصرخ في وجه الممرضة. بعد تهدئة روعها من قبل الحضور، بدأت بالترحم على أيام زمان، «كنا نذهب إلى الدكتور موفق ولو في منتصف الليل، فيفتح بابه ويعالجنا.
أما اليوم، فلا تستطيع المجيء إلى الطبيب إلا في ساعات محددة، وفوق هذا تجده يتأخر ولا يهتم ان كنا سنموت أو لا».
مضت أكثر من ساعة حتى وصل الطبيب إلى عيادته، وحين بدأ باستدعاء المرضى إلى غرفته، كان بعضهم قد ملّ الانتظار وحمل نفسه مغادرًا للبحث عن طبيب آخر أو إلى بيته. وتجيب، أم محمد، عن أسباب عدم ذهابها الى طبيب آخر: «ممنوع، تسجيلنا لدى الدكتور حسين، يحتم علينا تلقي العلاج لديه، وإذا ما ذهبنا إلى طبيب آخر، يعمل مع الصندوق ذاته، فلن نتمكن من الرجوع إلى طبيب العائلة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، هذا هو القانون».
حكاية أم محمد، لا تختلف كثيراً عن حكايات كثيرة نسمعها من مرضى يتذمرون من تأخر الأطباء عن الحضور إلى عياداتهم الخاصة بسبب انشغالهم في عيادات أخرى أو في المستشفيات منذ سريان مفعول التعديلات القانونية التي أتاحت لصناديق المرضى في إسرائيل تشغيل أطباء خصوصيين من خلال عياداتهم الخاصة.
في البداية استبشر المرضى خيراً بهذا القانون واعتقدوا بأنه يمكن لهذا التعديل حلّ الكثير من المشاكل المرضية التي تواجههم حين تكون العيادة العامّة في صندوق المرضى مغلقة.
وعند بدء العمل بهذا التعديل كان الأطباء يحرصون على جدول مواعيد مغر للمرضى، وإذا ما ألح الأمر، كان بعضهم يستقبلون المريض في بيوتهم، وهكذا تمكن كل واحد منهم من استقطاب عدد من المرضى الذين أصبحوا زبائن له. لكن تعديل القانون إياه ترك ثغرة أتاحت لهؤلاء الأطباء حرية التحكم بأوقات عملهم، والعمل في أماكن عدة في آن واحد. وعندها، يبدأ التحول، المريض أصبح مرتبطاً بطبيبه، لكن نسبة كبيرة من الأطباء لا يكتفون بما لديهم من مرضى، أو تفرض عليهم الظروف المعيشية ذلك، فيبدأون البحث عن مصادر دخل أخرى، ولا يتورع أحدهم عن إغلاق بابه في وجه مريضه الخاص إذا ما توجه إليه في غير ساعات دوامه.
ويعمل الطبيب حسين أيضا في أحد المستشفيات الحكومية ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي مستشفى خاص يومين آخرين، وبعد عودته من عمله، يستقبل المرضى في عيادته. أربع ساعات في المساء. وعلى رغم قصر الوقت الذي يكرسه لعيادته الخاصة تجد أن صندوق المرضى سجل لديه أكثر من 200 عضو. صحيح انه لا يستقبل هؤلاء معاً، لكن الخدمات التي يقدمها لمرضاه كثيراً ما يتحكم فيها العامل الزمني.
خروج أم محمد من غرفة الطبيب، يفتح نفسها من جديد على انتقاد طبيبها، وتقول: «لم يكلف نفسه حتى الكشف عليّ». وتوضح: "جلست أمام طاولته. أعطيته بطاقتي. كتب بعض الكلمات على الحاسوب وناولني وصفة وقال لي مع السلامة». رد أم محمد يُعتبر دلالة على العلاقة المادية التي بدأت تتحكم بعمل الأطباء. من جهته، يرفض الدكتور حسين هذا التكهن، ويصف أم محمد بـ»الثرثارة»، ويقول إنه يعرف مرضها ولا حاجة للكشف عليها كلما حضرت إلى العيادة».
حكاية الدكتور موفق
الدكتور موفق الذي ذكرته أم محمد هو طبيب لبناني الأصل، وصل إلى فلسطين قبل سنوات بعيدة، كان حينها الطبيب الوحيد في البلدة، وكانت عيادته تكتظ بالمرضى الذين يقصدونه من البلدة ومن عشرات القرى المجاورة. ويروي المعمرون من سكان البلدة أنه «لم يتأخر عن تقديم الخدمة لمرضاه حتى في بيوتهم، وانه كان يذهب إلى القرى المجاورة، ممتطياً ظهر دابة لتقديم العلاج للمحتاج». وعلى رغم مرور سنوات طويلة على اعتزال الدكتور موفق مهنة الطبّ بسبب الشيخوخة، ما زال الناس يحلفون بحياته.
صموئيل لوك فيلدز بريشته وهو يرسم «الطبيب»

ليست هناك تعليقات: