الاثنين، 17 نوفمبر 2008

مجتمع يغوص في مستنقع العسكرة والاهتزاز الاجتماعي والأخلاقي ... قلق إسرائيلي من ظاهرة الانتحار بين الشباب

شفا عمرو (الجليل) - وليد ياسين الحياة - 17/11/08//
إلى جانب الأزمات الخطرة التي يواجهها الشباب في إسرائيل، وفي مقدمها تفشي ظواهر العنف والإدمان على المخدرات والكحول، يستدل من معطيات تناقلتها جهات رسمية وتنظيمات أهلية تتابع أوضاع هذه الشريحة الاجتماعية، ان نسبة اليأس من الحياة والميل إلى الانتحار باتت تشكل ظاهرة مقلقة في مجتمع يغوص من يوم الى آخر في مستنقع العسكرة والفساد الاجتماعي والأخلاقي، إلى حد أجبر دارسي هذه الظاهرة على الاعتراف بأن إسرائيل باتت تنافس الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية في هذا المجال.
وتفيد آخر الدراسات التي تناولت ظاهرة الانتحار بين الشباب في المجتمع الاسرائيلي أن 8 في المئة منهم حاولوا الانتحار بين عامي 2003 و2006، مؤكدة أن على رغم أن نسبة الانتحار في سن البلوغ ليست الأعلى مقارنة بنسبتها في أعمار أخرى، إلا أن التفكير بالانتحار ومحاولات الإقدام عليه تبرز في شكل كبير في هذا الجيل.
وجاء في تقرير قدمه الباحثان رون تكفا ونعمي مي عامي، إلى لجنة حقوق الطفل في البرلمان الاسرائيلي أن ارتفاع هذه الظاهرة في أوساط الشبان، في سن البلوغ، يعود إلى ما يرافق هذه المرحلة الحياتية من صراعات نفسية واجتماعية ودخول الشبان في حالات شديدة من التوتر والضغط ومصاعب المعيشة والدراسة. ويضيفان ان البالغين يحاولون مواجهة هذه المصاعب بطرق مختلفة: إظهار العدوانية، التمرد، الانطواء، الهروب من البيت، وفي أقصى الحالات محاولة الانتحار.
وبحسب التقرير، فإن ظاهرة الانتحار في أوساط الشباب كانت تعتبر مسألة ذاتية يحاول المجتمع التستر عليها، لكنها أضحت مشكلة يواجهها المجتمع بكل مركباته، إعلامياً، أكاديمياً ورسمياً. وهناك هيئات إسرائيلية تعالج هذه المشكلة سواء على مستوى العمل الأهلي أم على المستوى الحكومي والبرلماني.
ويستدل من معطيات أبحاث أن محاولات الانتحار تعتبر نادرة قبل سن الـ12 سنة، وأن الذكور يميلون إلى الانتحار أكثر من الإناث، لكن نسبة الإناث اللواتي حاولن الانتحار تفوق نسبة الذكور. ومن العوامل الاجتماعية البارزة التي تشير إليها هذه الأبحاث كمسببات أساسية لمحاولة الانتحار، انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة، وانخفاض مستوى ثقافة الوالدين.
تستر عائلي
ويؤكد باحثون مواجهتهم مصاعب لدى محاولتهم إحصاء حالات الانتحار في أوساط الشبان الإسرائيليين، لأن العائلات غالباً ما تحاول التستر على حصول محاولات كهذه في أوساطها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقاصرين، وثانياً لأن المستشفيات لا تلتزم دائماً توثيق محاولات الانتحار في السجلات الطبية للمرضى، بل وتخفيها أحياناً نزولاً عند رغبة الأهالي الذين يعتبرون محاولة الانتحار في أسرهم بمثابة وصمة يحاولون طمسها. فضلاً عن أن الباحثين لم يتمكنوا من إحصاء نسبة المنتحرين الذين لم يصلوا إلى المستشفيات.
لكن التقرير الذي قدّم إلى اللجنة البرلمانية لحقوق الطفل، يشير استناداً الى معطيات الوفيات في أوساط الشبيبة كما وردت في سجل الإحصاء المركزي، إلى أن نسبة الشبان، في سن الـ15-24 سنة، الذين أقدموا على الانتحار بين 1981 و2000، تصل إلى 22 في المئة من المجموع العام للمنتحرين. وتعتبر هذه النسبة مقلقة لأنها تفوق عملياً نسبة الشبان في المجتمع الاسرائيلي ككل، والتي وصلت في الفترة ذاتها إلى 18 في المئة.
وبحسب تقرير لوزارة الصحة، بلغ معدل محاولات الانتحار سنوياً، بين 2001 و2003، نحو 370 شخصاً، بينهم 70 شاباً. كما يستدل من الأرقام أن نسبة الشبان الذين أقدموا على الانتحار في العام 2000 وصلت إلى 6.9 من بين كل 100 ألف شخص، غالبيتهم من الذكور. أما محاولات الانتحار التي باءت بالفشل، فوصلت إلى 5 في المئة، غالبية من أقدم عليها من الذكور أيضاً.
وتؤكد هذه المعطيات ان نسبة الشبان الفلسطينيين في “منطقة 48” الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها، كانت عالية في هذا الجيل، أيضاً (بين سن 15 و24 سنة)، لكن نسبة الشبان اليهود الذين أقدموا على الانتحار في الفترة ذاتها تضاعفت مرتين.
وفي ضوء معطيات المجلس القومي لسلامة الطفل، فإن عدد الأولاد والفتية الذين أقدموا على الانتحار خلال عامي 1990 و2000، تراوح بين 9 و15 فتى سنوياً. لكن الأرقام المثيرة للقلق في تقرير للمجلس تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الأولاد الذين يحاولون الانتحار. وعلى سبيل المثال أقدم 939 فتى تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، على الانتحار في العام 2004. وبلغت نسبة الإناث بينهم نحو 80 في المئة.
وعلى رغم كون هذه المعطيات تزيد بكثير عن معطيات وزارة الصحة للعام ذاته (نحو 500 محاولة)، الا أن المعطيات أثارت قلقاً كبيراً لدى المؤسسة الحاكمة التي سارعت إلى طلب تقرير مفصّل يوضح أسباب هذه الظاهرة وحجمها وسبل معالجتها.
ويستدل من ذلك التقرير أن المسببات الأساسية لمحاولات الانتحار خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تتلخص في المتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الاسرائيلي، ومن أبرزها: ارتفاع نسبة البطالة، ارتفاع نسبة الطلاق، التأثير الاجتماعي لوباء الايدز، ارتفاع نسبة ادمان الكحول والسموم، اتساع استخدام الانترنت والانكشاف من خلاله على ظواهر الانتحار والعنف وعلى مواقع تشرّع الانتحار وتحض على التخلص من الحياة، فضلاً عن ازدياد سبل الوصول إلى وسائل الانتحار كالحبوب المخدرة والسيارات والمسدسات.
وبحسب التقرير، فإن إقدام الشبان على ابتلاع كميات من الحبوب المخدرة يعتبر من المسببات الأساسية للانتحار. كما يشير التقرير إلى تفشي الأمراض النفسية في أوساط الشبان الإسرائيليين، لا سيما الإحباط النفسي الذي يصيب نسبة عالية منهم. كما يشير التقرير إلى حالات التجويع الإرادي (الحمية القاتلة) كأحد المسببات، وكذلك شعور الشبان بأن مشاكلهم الحياتية غير قابلة للحل، وأيضاً، تفشي ظواهر غير أخلاقية كاللواط، والاعتداءات الجنسية وغيرها.
أما عن سبل معالجة هذه الظاهرة، فينصح الباحثون بضرورة اعتماد خطط أميركية ثبتت نجاعتها، وتشمل: سنّ قوانين تلزم الحكومة تخصيص موارد مالية لمحاربة الظاهرة عبر البرامج التعليمية، تأهيل مرشدين لتشخيص مخاطر الظاهرة والعمل لمنعها، دمج المعلمين في برامج تأهيل خاصة والربط بين برامج لمكافحة ظاهرة الانتحار وبرامج مكافحة العنف والسموم، وكذلك تخصيص موازنات لإجراء أبحاث متواصلة حول الظاهرة وسبل مكافحتها.

ليست هناك تعليقات: