الثلاثاء، 25 سبتمبر 2007

مونودراما تروي قصة والده يجسّدها أياد شيتي ... ناظم الشريدي يختصر حياة ثوار فلسطينيين في «حرية»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 25/09/07//
... «حرية» هو الاسم الذي أطلقة المخرج الفلسطيني ناظم الشريدي، من مدينة أم الفحم (فلسطين 48)، على المونودراما المسرحية التي تروي قصة والده محمد يوسف الشريدي، الذي رحل في المملكة العربية السعودية أثناء سفره لأداء العمرة، قبل 15 سنة، فووري الثرى في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.
و»حرية» هو الاسم الذي كان المرحوم قد أطلقه على إحدى بناته، تيمناً بأغنية محمد عبد الوهاب «أحب عيشة الحرية» التي كان يردّدها الشريدي في زنازين السجون الإسرائيلية التي أمضى فيها قرابة عقد من عمره، بسبب نضاله، كما يقول نجله المخرج ناظم الشريدي، مضيفاً ان والده اختار له اسم ناظم تيمناً بالشاعر التركي ناظم حكمت، واختار لشقيقته الثانية اسم فالنتينا، تيمناً برائدة الفضاء السوفياتية فالنتينا تيريشكوفا. بدأ الشريدي الأسبوع الماضي عرض «حرية» على خشبة المسارح العربية في منطقة 48، بعد قرابة شهر من العرض الأول الذي أقيم على خشبة المسرح في مدينته أم الفحم، أثناء مراسم إحياء مرور 15 سنة على رحيل والده.
وكان من المقرر أن تشارك «حرية» في مهرجان «مسرحيد» الذي أقيم في مدينة عكا على الساحل الفلسطيني الشهر المنصرم، لكن المخرج شريدي والممثل المسرحي إياد شيتي، فوجئا بقرار تحييدها من المسابقة الرسمية، لأسباب لم يرافقها أي توضيح من جانب إدارة المهرجان. لكن هذا الغموض سرعان ما يتلاشى إذا ما عرفنا تاريخ الشخصية الوطنية التي يتناولها هذا العمل.
فمحمد يوسف الشريدي اللاجئ من قرية اللجون الفلسطينية المهجرة، كان ثائراً عنيداً، عمل تحت قيادة عز الدين القسام ومن ثم في فصائل الثوار الفحماويين أمثال يوسف الحمدان، وعلي الفارس، الذين أشعلوا فتيل الثورة في أم الفحم واللجون ووادي عارة ضد الانتداب البريطاني والهجرة الصهيونية إلى فلسطين. ولم تهدأ شوكة الشريدي بعد النكبة، فخاض طوال فترة الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على الأقلية الفلسطينية في منطقة 48، نضالاً عنيداً في صفوف الحزب الشيوعي ضد التمييز والاضطهاد القوميين واعتقل مراراً في الزنازين الإسرائيلية، فعذب، لكــنه لــم يتــراجع. من هــنا لا نــعتقد بــأن قــرار تحييد المسرحية من مهرجان ترعاه وزارة إسرائيلية يعتبر أمراً غامضاً، بل نجده مستهجناً بخاصــة إذا ما عــرفنا ان القائمين على هذا المهرجان، وبينهم مســرحيون فلســطينيون من الداخل، تــغاضوا عــن هــذا القــرار وواصــلوا مــهرجــانــهم مــن دون إطــلاق أي صــوت معــارض!
في «حرية» يتابع الشريدي تفاصيل المعاناة التي عاشها والده والآثار التي خلفتها في أسرته، اعتماداً على أقوال شهود جمعها من رفاق والده وأسرته، وتفاصيل عاشها شخصياً في طفولته. ويقول أن «الهدف من هذا العمل هو تعريف الأجيال الصاعدة بهذا الموروث النضالي الملحمي لأبـــي فــي شكـــل خــاص، ولمـــسيرة ســنوات الجمــر التــي عاشــها شــعبنا الفلسطيني عموماً بدءاً من عهد الأتراك، مرورًا بالانــتداب البــريطاني ووصولاً لنكــبة فلســطين ومــن ثم مــلاحــقة إســــرائيل الشــيوعيين الأحرار وزجهم في السجون أبان الحــكم العسكري فــي الخمســينات والســتينات، والتــي دفــع أبــي ثمــنها ثماني سنوات ونــصف ســنة من عــمره في الــــسجون الإســرائيلية».
الممثل الحيفاوي إياد الشيتي حمل على كاهله عبئاً ثقيلاً بموافقته على القيام ببطولة المسرحية وحيداً، حيث اضطر إلى تقديم 25 شخصية مختلفة رافقت سيرة حياة المناضل الفحماوي، يقول «كان الأمر صعباً خصوصاً في ما يتعلق بالتمييز بين كل شخصية والتحوّل من شخصية الى أخرى بانسياب ومن دون فواصل». ومن المــصاعب الــتي واجهها، إتــقان لــهجة أهل المثلث التي تختلف كثــيراً عــن لــهجته الحــيفاوية. وقد واجه صعوبة واضحة في نطق حرف الكاف، الذي ينطقه أهل المثلث «تشاف». ويعتبر ان لغة المسرحية كانت بمثابة تحدّ ودراسة له. المسألة الأخرى التي يقول انه استصعبها في العمل تكمن في حقيقة ان بعض الشخصيات التي يتناولها العمل ما زالت على قيد الحياة وان الشخصية الرئيسة هي شخصية والد المخرج والكاتب ويجب الامتناع عن ارتكاب أي خطأ قد يمس بهذه الشخصيات.
بالنسبة إلى إياد شكّل هذا العمل تحدياً كبيراً «ومراهنة على كل ما أملك من موهبة». لــكن إيــاد بــموهبته المميزة نجح في أداء الــشخصية على رغــم كل المــصــاعب التــــي واجــهها.

السبت، 8 سبتمبر 2007

قصص سلام الراسي على مسرح الميدان في حيفا ... «حكي قرايا وحكي سرايا» من صلب تراث بلاد الشام

حيفا – وليد ياسين الحياة - 08/09/07//
«حكي قرايا وحكي سرايا»، هو المؤلف الثالث من سلسلة الأدب الشعبي التي كتبها الاديب اللبناني الراحل سلام الراسي، نقلاً عن حكايات وقصص جمعها من ذاكرة الناس، وقدمها إلى القراء على ألسنة «أبطاله» الشعبيين، من العامل والفلاح والمعاز والإسكافي والناطور والمختار ورجل الدين والسياسة.
استحضر الراسي تلك الشخصيات من المحيط القريب، من بلدته ابل السقي (جنوب لبنان) وغيرها من بلدات الريف اللبناني. لكن تلك الحكايات لم تكن لبنانية فحسب، بل جمعت تراث أرض الشام كلها. لذلك نجد الفلسطيني يتجسد في كثير من ذاك التراث، وربما، كان هذا التلاحم هو الذي دفع الفنان الفلسطيني الشاب ميلاد عازر، ابن قرية الرامة الجليلية القريبة من الحدود اللبنانية، إلى اعداد عمل مسرحي يستحضر الراسي وحكايات القرايا والسرايا على مسرح الميدان في مدينة حيفا.
غالبية الأمثال والحكايا الشعبية التي اعتمدها عازر يرددها الفلسطينيون ويحفظونها من جيل إلى جيل. وليس صدفة أن احدى الممثلات في العرض ، حنان حلو، قالت أنها استعانت بشخصية جدتها وصديقاتها في تجسيد الشخصيتين اللتين قدمتهما في المسرحية: شخصية «شكرية» وشخصية «أم منصور» التي تنتظر عودة زوجها من السفر الطويل. فالجدات عايشن ردحاً زمنياً من الفترة التي تتناولها أحداث المسرحية وهن خير شاهدات على تلك الايام.
يمثل أبطال المسرحية مختلف الشرائح التي نقل الراسي عنها، ما جمعه من «حكي القرايا وحكي السرايا». أبو جميل وأم منصور وأبو طشطش وأم طشطش وعساف الجلالاتي ولطيفة والعم مخول وأبو كايد والخوري الياس، ورجب شاويش وحسن أفندي وغيرهم، كلها شخصيات تتلاقى على مسرح قرية صغيرة في جنوب لبنان فترة الحرب العالمية الأولى واستبداد النظام العثماني.
يتمحور الحدث في المسرحية حول شخصية عسّاف، صانع سروج الحمير والزوج الشاب العاجز والمحب لزوجته، الذي يتهرّب من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني بعد دفعه رشوة الى الحاكم التركي وحصوله مقابلها على شهادة الجنون. ولكي لا يقع عساف في ايدي رجال النظام العثماني، ينتحل شخصية الزير سالم ويمتطي جواداً وهمياً ويلف ارجاء القرية في رحلة هدفها اقناع اهلها، وبينهم زوجته لطيفة، بجنونه.
خلال الرحلة يتعرف المشاهد على حياة أهل القرية وصراعاتهم وشخصياتهم وأفكارهم بكل مركباتها: الحب، الحسد، الكرم، وغير ذلك من تقاليد ومشاعر وعادات تعكس فلسفة الحياة الريفية.
سار مُعد ومخرج المسرحية نبيل عازر في عمله هذا على الخطى الكوميدية التي انعكست في كثير من الحكايات والامثال التي وثقتها مجموعة الراسي التراثية، فجاءت المسرحية في قالب كوميدي رسم صورة واسعة للعلاقات الاجتماعية بين أهل القرية.
استطاع عازر ان ينقلنا بعمله، إلى أجواء القرية بمفهومها الشعبي، لكن بالغ في بعض المشاهد، كالمشهد الافتتاحي الذي يكثر فيه الصراخ والشجار بين أبطال المسرحية (أهل القرية) كما لو ان ذلك هو الجو المميز للحياة القروية.
ونجح في جعل المتلقي يعايش فترة زمنية محددة، ذات ارتباط بالتراث الشعبي لمنطقة الشام. لكنه على رغم ان المسرحية يفترض ان تعرض من خلال شخصيتها المركزية صراع الفقراء مع السلطة الجائرة، ونقل «حكي القرايا وحكي السرايا» بواقعه المعيشي، الا ان هذه الحلقة كانت ضعيفة في النص الدرامي، ولم تظهر بوضوح للمشاهد، وبدلاً منها ظهر التركيز واضحاً على مقارنة مثيرة للسخرية بين حياة القرويين البسطاء وفلسفة الساسة، التي مثلها المجنون وزوجته.
ولم ينجح حنا شماس (عساف) في كثير من المواقف بإقناع المتلقي بمفاهيمه السياسية وظهر ممثلاً لفئة بسيطة اكثر من كونها فئة قادرة على التوجيه والقيادة في المعركة ضد التجنيد القسري الذي فرضه النظام العثماني على اهل الشام.
وكانت هناك شخصيات اخرى لم تقنع المتلقي بأدوارها، اللهم الا اضحاكه من الشخصيات التي تمثلها، ما قاد بالتالي إلى افراغ النص المسرحي في كثير من المواقف، من مضمون هادف وانحصاره في طرفة او حكاية مثيرة للسخرية.
على رغم ذلك، يمكن القول ان تجربة «حكي قرايا وحكي سرايا» تجسد محاولة اخرى من المسرح الفلسطيني داخل منطقة 48 لتقريب الجمهور من ذاته وواقعه. وهي، وان لم تكن بمستوى اعمال سابقة قدمها مسرح الميدان، الذي يعتبر اول مسرح محترف في منطقة 48، تبقى تجربة ذات طابع آخر في العمل المسرحي المحلي، من ابرز سماتها البحث عن عمل يأتي من المحيط الذي يعيشه المتلقي، من الشارع والزقاق والبيدر، وليس من حلبات غريبة او بعيدة من واقعنا اليومي، وهو ما شاهدناه في كثير من الاعمال التي قدمتها مسارح فلسطينية محلية، لجأت إلى نصوص اجنبية وحاولت تقريبها إلى واقعنا فنجحت حيناً واخفقت احياناً.

الخميس، 6 سبتمبر 2007

المنهاج التعليمي الفلسطيني الجديد... «إلى النور»!

حيفا – وليد ياسين الحياة - 06/09/07//
مع انطلاق العام الدراسي الجديد تبدأ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تطبيق ما يُعرف بـ «الخطة الخماسية الثانية» (2007-2011)، ويفترض ان تكون قد استكملت المنهاج الفلسطيني الذي يعتبره رجال التربية من أهم الإنجازات التي تحققت خلال فترة زمنية قصيرة، على رغم كل التحديات وعدم الاستقرار الذي يشهده المجتمع الفلسطيني.
وتأتي الخماسية الثانية مكملة لـ «الخماسية التطويرية الأولى» (2001- 2005) التي وضعتها الوزارة بعد تسلمها مسؤولية التعليم الفلسطيني عام 1994. وإذا كانت الخماسية الأولى قد جاءت لتطوير القطاع التعليمي وبناء ما تم تدميره من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات التعليمية، فقد جاءت الخماسية الثانية للانتقال بالتعليم الفلسطيني إلى مرحلة التخطيط الشامل والربط بين الحاجات التربوية وحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر رجال التربية والتعليم في الضفة الغربية وقطاع غزة، الخماسية الثانية «فرصة لتطبيق مفهوم التخطيط الاستراتيجي الذي تم تبنيه في العام 2000»، ويسعون إلى تحقيق ذلك بعيداً من الانقسام الذي يشهده الشارع الفلسطيني بفعل الصراع بين «فتح» و «حماس».
وكانت القاعدة الأساسية للخماسية الأولى تمحورت حول ضمان التعليم كحق إنساني، واعتباره أساساً للمواطنة وأداة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية.
وتعتبر الوزارة ان تلك الخطة حققت العديد من الإنجازات التربوية كبناء المنهاج الفلسطيني الذي يُعبّر عن احتياجات الطلبة ومتطلبات مجتمعهم ويوحّد النظام التعليمي، ويحلّ مسألة الازدواجية في الضفة وغزة، وساهم في زيادة عدد المدارس وتقليص معدل التسرب. وتهدف الخماسية الثانية إلى تحقيق التطور النوعي بما ينسجم مع احتياجات الواقع الفلسطيني ومعطيات عصر التكنولوجيا.
ويولي رجال التربية والتعليم الفلسطيني أهمية بالغة لتطبيق المنهاج الفلسطيني الذي «يركز على تنمية القيم والاتجاهات وكشف الذات الإبداعية للطالب من خلال تنويع الأساليب واستخدام الوسائل التعليمية المساندة»، على حد قولهم. وتعتبر الوزارة ان المنهاج يعدّ «أساساً مهمّاً لبناء السيادة الوطنية للشعب الفلسطيني، كي يأخذ مكانه بين الشعوب».
ويرى مسؤولون في وزارة التربية أن المنهاج الفلسطيني يرعى التطورات التربوية الحديثة من خلال إدخال تعليم اللغة الإنكليزية وتدريس التكنولوجيا والصحة والبيئة في المراحل الأساسية وإدخال منهاج التربية المدنية لتعريف المواطن بحقوقه وواجباته.
إلاّ أن جزءاً من المعلمين الفلسطينيين يرون أن لا بد من ادخال مادة تنمي المهارات الدراسية، على المناهج الجديدة، من أجل الطلاب الذين يعانون ضعفاً في هذه المهارات. وتـصف المعلمة هيفاء الأسعد المنهاج التعليمي بـ «الأسد ملك الغاب إلاّ أنه عاجز عن الحركة بسبب تقييده في قفص». وتضيف: «قُيّد المنهاج الفلسطيني بعدد الحصص التدريسية القليل».
وتدعم ذلك المدرسة سلام ياسين التي ترى ان «اكتظاظ المنهاج لا يتيح للتلميذ التدرب على المهارة في شكل كافٍ». من جهته المدرس سمير النجار يعتقد ان المنهاج الفلسطيني «أهمل جوانب مهمة كاستخدام الوسائل التعليمية التكنولوجية التي تفتقر إليها المدارس الفلسطينية». ويضيف ان الكتاب لن يحقق الطموح المتوخى «إذا لم يتم تزويد مدارسنا بأدوات التكنولوجيا الحديثة».
ويرى مسؤولون تربويون ان للأهل دوراً في مساعدة أولادهم على فهم المنهاج التدريسي، ويدعو هؤلاء إلى عقد لقاءات مع الأهالي لتأهيلهم من أجل المساعدة في تعليم أبنائهم ومحاولة التغلب على الصعوبات، إلاّ أن هذا الرأي لا يلقى ترحيباً واسعاً في صفوف جهات تربوية أخرى تؤكد أن المنهاج الجديد «عصي على الفهم».
أما وزارة التربية فترى ان الخطة الدراسية هي دليل المعلم ويستطيع من خلالها انهاء المادة التعليمية في شكل يضمن استيعابها من قبل الطلاب لئلا يقعوا فريسة للإحباط والملل والتسرب المدرسي.