الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

التسمم في الصين يستعيد فضيحة «رميديا» في إسرائيل... لا مفرّ من شراء منتجات «مشبوهة»

شفاعمرو (الضفة الغربية) – وليد ياسين الحياة - 09/10/08//
تسمم الأطفال الصينيين جراء تناولهم الحليب الملوث بمادة الملامين، أعاد إلى الأذهان في إسرائيل تفاصيل فضيحة شركة «رميديا» الاسرائيلية لإنتاج الحليب النباتي للأطفال، وقد تفجرت، في 2003، عندما كشف فحص مخبري ان الحليب الذي يُصنّع وفق امتياز ألماني وتسوقه الشركة الإسرائيلية في إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، كان يفتقد إلى «فيتامين B1»، الأمر الذي اعتبر مخالفة خطيرة لقوانين الإنتاج الغذائي.
وبحسب نتائج التحقيقات التي أجريت في حينه، تسبب إخراج الفيتامين «بي 1» من حليب «رميديا» بإصابة نحو 17 طفلاً يهودياً وعربياً بمرض نادر يقارب الشلل الدماغي، أدى إلى وفاة ثلاثة منهم. وهو الأمر الذي أثار ضجة كبرى في إسرائيل، والى تحرك واسع على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، بل وصل إلى حد خروج أصوات يهودية، اتهمت الألمان بتعمّد إحداث خلل في التركيبة، بهدف نشر مرض نادر، «واستمرار ما بدأه النازيون تجاه اليهود قبيل الحرب العالمية الثانية وإبانها».
في ذلك الحين، ادعى المستوردون الإسرائيليون ان شركة «هومانا» الالمانية التي تصنع الحليب لإسرائيل تضطر للسير بحسب تعليمات رجال الدين اليهود الذين يطالبون بأن يكون المنتوج مصنعاً وفق تعاليم الدين اليهودي، وأنهم بهذا التغيير أسقطوا الفيتامين. وحسبوا أن هذا التغيير لا يحتاج إلى مصادقة خاصة من وزارة الصحة. لكن هذا الادعاء لم يخمد حال الهلع. ورفعت دعاوى قضائية كبدت «رميديا» خسائر فادحة، كادت تقضي على مستقبلها في السوق.
وعلى رغم انكار علاقتها في الموضوع ورفض تحملها المسؤولية في البداية، سارعت شركة «هومانا» الالمانية إلى إنقاذ الشركة الاسرائيلية من محنتها وتراجعت عن روايتها السابقة، لتعلن انها تتحمل المسؤولية كاملة، عما سمته «الخطأ» بإدخال كميات قليلة من الفيتامين «بي 1» إلى الحليب، لا تتفق مع الكميات المسجلة على الحاوية. وفُتح في كل من إسرائيل والمانيا، في حينه، تحقيق جنائي قاد إلى اعتقال مسؤولين في الشركتين.
وعلى رغم أن إسرائيل من الدول المتشددة في تطبيق القوانين التي تتعلق بصحة مواطنيها في شكل خاص، «ضُبطت عارية» في قضية «رميديا» وجاهدت لمعالجة الموضوع على وجه السرعة، من خلال اتخاذ اجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الفضيحة، من جهة، واصدار أوامر بتشديد الفحوص على المواد الغذائية الخاصة بالاطفال، قبل المصادقة على تسويقها.
وأعلن وزير الصحة الاسرائيلي آنذاك، داني نيفيه، عن فحص مكونات غذاء الاطفال في شكل مشابه تماماً للفحوص التي تجرى لمركّبات الأدوية. وأصدر اوامره بإجراء فحوص كيماوية ومخبرية لكل المواد الغذائية الخاصة بالاطفال. كما توجه إلى نظرائه الاوروبيين برسالة حذر فيها من تكرار الامر في المستقبل، حتى اذا كان ذلك في شكل متعمد!
ولم تكن المواد الغذائية الخاصة بالاطفال تخضع للفحوص المخبرية قبل تلك الحادثة، وكان يكفي التدقيق الإداري بالمعطيات التي يقدّمها المستوردون. وبعد قضية «رميديا» فُرض فحص لكل المركبات الغذائية، على طول خط الإنتاج، من بداية تصنيعها حتى وصولها إلى السوق.
يشار إلى انه قبل مضي نصف عام على قرار الوزير نيفيه، فوجئت الاوساط الطبية الاسرائيلية بصدور قرار آخر عن الوزارة يقضي برفع عبارة «بمصادقة وزارة الصحة» عن المنتجات الغذائية، بخاصة غذاء الاطفال المصنّع. وجاء ذلك القرار بناء على توصية لجنة «فاينرو» التي حققت في ابعاد فضيحة «رميديا» وتوصلت إلى سلسلة من الاخفاقات في سياسة مراقبة المواد الغذائية في إسرائيل.
واستُبدلت العبارة باخرى تقول إن هذا الغذاء يتفق مع هذه الشروط او تلك، او انه تم فحص عينة منه... وما شابه.
إلاّ أن الأوساط الطبية هاجمت القرار واتهمت وزارة الصحة بالتنصل من المسؤولية، لأن غذاء الاطفال ليس مجرد غذاء لسد الجوع، وانما يحتوي مكونات تساعد على نمو الطفل في شكل سليم، ولذلك فإن أي خلل في تركيبة هذا الغذاء، او نقصان أي نسبة من الفيتامين قد ينطوي على أخطار جسيمة، بحسب جهات طبية.
واليوم، يجري فحص مقاييس المواد الغذائية في إسرائيل بحسب مستوى الخطورة الكامن في طريقة تركيب العنصر الغذائي ونوعية الجمهور الذي يستهلكه، والسجل التاريخي للمستورد او المنتج. ويُمنع في اسرائيل تسويق أي منتج غذائي مصنع لا يحمل تسجيلاً لتاريخ التصنيع والصلاحية.
وتلعب وسائل الاعلام الاسرائيلية دور «الحارس الامين» في هذه القضية، وهي لا تتوانى عن تفجير أي قضية تتعلق بمواد غذائية فاسدة او لا تتفق مع المقاييس المحددة. ويبث التلفزيون الاسرائيلي برنامجاً اسبوعياً خاصاً للتوعية ومراقبة المواد الغذائية، اسمه «كول بوتيك». وقبل شهرين كشف هذا البرنامج فضيحة لا تقل خطورة عن فضيحة «رميديا»، وتتعلق بانتشار الفئران والجرذان في شبكة مطاعم شهيرة للوجبات السريعة، ما ألحق خسائر فادحة بالشركة. وقبل فترة وجيزة، فضح شركة عربية للتسويق، واتهم أصحابها بتزوير تاريخ انتهاء صلاحية المنتجات الغذائية المعلبة، وبيعها للمستهلكين باسعار مغرية.
لكن، يبدو ان المواطن الذي لا تسمح له حاله بشراء المواد الغذائية باسعار مرتفعة من الاسواق التجارية الخاضعة للرقابة الشديدة، لا يأبه بمثل هذه التحذيرات. والايام الماضية التي سبقت عيد الفطر اثبتت ذلك، اذ شوهد آلاف المواطنين في فرع للشركة التجارية المذكورة يشترون منتجاتها الغذائية حتى تلك المشتبه بتزييف تاريخ صلاحيتها.

ليست هناك تعليقات: