الاثنين، 20 أغسطس 2007

لقاء يجمع الأضداد للسنة السادسة ... إسرائيليون وفلسطينيون «في الطريق إلى المصالحة»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 20/08/07//
في زمان يعجز فيه قادة العالم عن تحقيق التقارب بين الإسرائيليين وجيرانهم الفلسطينيين، ويشتد الصراع وسط قرع طبول الحرب التي لا تهدأ، تحاول مجموعة من الشبان الإسرائيليين والفلسطينيين، تدعمهم جهات دولية، لتحقيق هذا التقارب ولو لأيام قليلة، على مقربة من مدينة القدس، التي تشكل أكثر نقاط الصراع سخونة في الشرق الأوسط.
المكان: كرم الزيتون في دير اللطرون على مداخل مدينة القدس، والحدث: مهرجان «في الطريق إلى المصالحة»، وهي عبارة قد تضلل سامعها أو يتجاوزها باعتبارها باتت ممجوجة لكثرة تكرارها، لكن محاولة لسبر أغوار الحدث تقودك إلى تلك المجموعة من البشر التي أخذت على عاتقها محاولة البحث عن طريق للتفاهم، «علها تشكل رسالة تقول للقادة انه يمكن التعايش جنباً إلى جنب»، حسب ما يقول الملحن غابرييل مئير (41 سنة)، الشريك المؤسس من الجانب الاسرائيلي لهذه المجموعة.
للوهلة الأولى، قد تخطئ الظن حين تنظر إلى تلك المجموعة الكبيرة من الناس التي احتضنها كرم الزيتون وتعتقد انك في مهرجان آخر من مهرجانات الترفيه التي يكثر عقدها هذه الأيام، كما يمكن للشعار الذي يتوج هذا الحدث «إسرائيليون، فلسطينيون وأردنيون يلتقون وجهاً لوجه، لثلاثة أيام من الحوار والورش والموسيقى والحياة المشتركة» ان يضللك أيضاً، ويجعلك تعتقد ان الحديث يدور عن نشاط آخر لمجموعة يسارية، لكن حين تصل إلى المكان وتتعرف على الوجوه من قرب تختلف النظرة، بل تكاد لا تصدق ما تشاهده بعينيك: فلسطينيون يرزحون تحت نير الاحتلال ويقاتلونه، يجلسون جنباً إلى جنب، مع إسرائيليين يخدمون في الجيش الذي يضطهدهم، ويستمع احدهم إلى رواية الآخر، لا بل تصاب بالدهشة حين تجد بين الإسرائيليين مجموعة كبيرة من المستوطنين الذين يقيمون بالقوة على أرض الفلسطينيين ولا يتورعون عن اللجوء إلى السلاح واستخدام أقذر الأساليب لسلبهم أرضهم وحقهم بالحياة.
فكرة «المصالحة» ولدت خلال لقاء جمع بين الفلسطيني الياس جبور، من مدينة شفاعمرو في الجليل، والملحن الاسرائيلي، من أصل أرجنتيني، غابرييل مئير. في اللقاء الأول الذي عقد قبل ست سنوات في إحدى البلدات اليهودية في الجليل، شارك قرابة 150 مواطناً عربياً ويهودياً. لكن هذا العدد تضاعف عشرات المرات في المهرجانات الثلاثة الأخيرة، وحسب معطيات المسؤولين في الجمعية تراوح العدد بين خمسة وستة آلاف شخص جاؤوا من إسرائيل، عرباً ويهوداً، ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، وانضم إليهم عدد قليل من الأردنيين.

ولا تتوقف المشاركة على أبناء المنطقة الذين يواجهون الصراع مباشرة، فهم وكما في كل عام، يحظون بمساندة قيادات روحية ودينية من الهند والتيبت وايرلندا والسنغال ومناطق أخرى في العالم تنتشر فيها مثل هذه المجموعات، ويبرز بين الحضور سنوياً ممثل زعيم التيبت الدالاي لاما. أما البرنامج فمتنوع تنوع الشركاء، فإلى جانب ورشات الحوار وتعلم الشعر العربي والعبري والروحانيات تجد حلقات الموسيقى والغناء والرقص التي تمزج بين الشرق والغرب، والى جانب ذلك خيمة للصلوات تجمع المؤمنين من مختلف الديانات. ومن الورش المهمة التي ركز عليها المبادرون، ورشة لإسرائيليين وفلسطينيين شاركوا في «دائرة العنف» وقرروا الانتقال إلى النضال غير العنيف والحوار. كما كانت هناك ورشة تحدث فيها جنود خدموا في جيش الاحتلال وقرروا كسر حاجز الصمت وكشف ما يحدث في المناطق المحتلة، إضافة إلى ورشات حول ارتباط الإنسان بالأرض، كرست لمعاناة عرب النقب. ويركز المبادرون على جيل المستقبل فينظمون حلقات ولقاءات خاصة لأولاد الشعبين، «لأن هؤلاء يشكلون الثمرة التي نعتمد عليها» يقول ايهاب بلحة (38 سنة) الذي يشغل منصب مدير الجمعية.
ويؤكد غابرييل «ان المصالحة» لا تعني ان الصراع قد انتهى وان الاحتلال زال، لكنها محاولة تقول للجميع ان من يريد السلام يمكنه الوصول إليه، ولتحقيق ذلك يجب الجلوس مع الخصم، من يخالفك الرأي والتفكير، ومحاولة الوصول إلى مجال متكامل من التفاهم والأمن بعيداً من العنف».
ويضيف: «كلنا بشر، والإنسان يبقى إنساناً، وهو ما يجمعنا في هذا المكان. هنا تجد عائلات فلسطينية قتل أولادها بنيران إسرائيلية، والى جانبها تجد عائلات إسرائيلية قتل أولادها بنيران فلسطينية، تجد شباناً فلسطينيين طاردهم الجيش الاسرائيلي وقمعهم إلى جانب إسرائيليين خدموا سابقاً في الجيش وجاءوا إلى هنا بعد خلع بزاتهم العسكرية لسماع الطرف الآخر».
ويرى غابرييل ان هذا اللقاء يهدف، أيضاً، إلى «التعرف على ثقافة الآخر ومحاولة فتح شباك للتقارب وتجهيز الشعبين للتعايش»، وهذا في رأيه لن يتحقق «إذا لم يفهم الاسرائيلي ما تعنيه النكبة بالنسبة الى الفلسطيني، ولم يفهم الفلسطيني ما مر به اليهود خلال الحقبة النازية».
لتحقيق هذا الهدف يبادر المنظمون إلى لقاءات بين مجموعات شبابية فلسطينية وإسرائيلية مغلقة، في مناطق نائية، بعيداً من الاعلام والأحداث. وكان اللقاء الأخير لهذه المجموعة عقد في آذار الماضي في صحراء النقب، مدة خمسة أيام، حاول خلالها المنظمون إحداث تغيير في الآراء المسبقة لكل طرف وتحقيق التقارب «على طريق بناء قيادات شابة تساهم في تغيير الأوضاع» كما يقول ايهاب. ويضيف: «أنا اعرف ان الأمور ليست سهلة وان قطف الثمار لن يتم بين ليلة وضحاها، لكن علامات التأثر التي شاهدناها على وجوه الشبان وهم يستمعون إلى بعضهم البعض، منحتنا الأمل بأن هذه الثمرة ستنضج على رغم ان انفتاح الشبان لم يكن متكاملاً». وبرأي إيهاب، فان «الأحداث الأخيرة بين «فتح» و «حماس» في قطاع غزة وسقوط القتلى، زاد من عدد الفلسطينيين الراغبين بالتوصل إلى حل للصراع وتحقيق التفاهم مع الإسرائيليين». لكن نسبة الفلسطينيين الذين شاركوا في لقاء هذا العام، كانت ضئيلة إذا ما قورنت مع العدد الكلي للمشاركين، 350 شخصاً من أصل 6000، بحسب معطيات المنظمين. ويرجع ايهاب السبب إلى رفض سلطات الاحتلال منح تأشيرات دخول لقسم من المدعوين الفلسطينيين.
وعن هوية الفئات المشاركة في هذا اللقاء، يقول ايهاب: «نحن لسنا مجموعة سياسية، بل أناس نرغب بالحوار بين الجميع، لذلك تجد هنا أوساطاً تنتمي إلى «فتح» و «حماس» من الجانب الفلسطيني، ومقابلها جهات تنتمي إلى المستوطنين واليمين واليسار بل والفئات الإسرائيلية المتزمتة كحركة «كهانا»!
العنوان الذي توج به المبادرون دعوتهم الى هذا اللقاء الذي عقد أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس (13 و14 و15 آب) تحدث عن مشاركة أردنية في اللقاء، لكن ايهاب يقر بأن المشاركة الأردنية ما زالت ضئيلة «نعرف ان هناك حساسية وإشكالية في الأردن لكن هناك مجموعة تؤمن بالحوار بين البشر، وفي الوقت ذاته تهمها القضايا العالقة بين الشعبين كالقدس وحق العودة وغيرهما».
هي السنة السادسة على التوالي التي يعقد فيها لقاء «المصالحة»، وعلى رغم أنها «مصالحة» موقتة، ولا تترك أي أثر في نفوس أصحاب القرار، إلا أنها، برأي ايهاب، «محاولة لرسم الطريق، وإفهام القادة إمكانية تحقيق التغيير».

ليست هناك تعليقات: