الخميس، 26 أبريل 2007

قنبلة صوتية في صف ومدرسون يخشون الشكوى

حيفا – وليد ياسين الحياة - 26/04/07//
بينما كان المعلم «س» في المدرسة الإعدادية بمدينة الطيرة (فلسطين 48)، يوضّب أوراقه في نهايـة الدوام، سُمع دوي انفجار فـي المدرسة. فهرع إلى المكان ليكتشف أن طالباً فجر قنبـلة صوتية داخل أحد الصفـوف. وقــرر تفتيش حقائب الطلاب لمعرفة الجاني. لكن أحدهم رفض الانصياع، وحين طالبه المعلم بفتح حقيبته، لكمه الطالب على وجهه فكسر نظارتيه وأصابه بجروح في انفه.
هذه الواقعة هي غيض من فيض ما شكّل عناوين الصحف العربية والعبرية في منطقة 48، خلال العامين المنصرمين، حول اعتداءات طلاب على أساتذتهم، تارة بسبب جدال بين المعلم والتلميذ حول التقيّد بنظام المدرسة وطوراً بسبب نتيجة امتحان، أو بسبب فعل لا صلة له بالتربية وقطاعها، كالواقعة المذكورة.
وتشير تقارير أعدتها نقابات المعلمين وسجلات الشرطة الإسرائيلية، وأبحاث عرضت أمام البرلمان إلى ارتفاع نسبة اعتداءات الطلبة على المعلمين وممتلكاتهم، فيما تعجز الأوساط ذات الصلة عن وضع حد لها. وتشير المعطيات إلى تفاقم الظاهرة في المدارس العربية واليهودية، على حد سواء، ولا تتوقف على جيل معين أو منطقة محددة. فقد ورد في إحدى الصحف منذ مدة وجيزة، أن طالباً لم يتجاوز عمره 13 عاماً، اعتدى على معلمته في إحدى مدارس قرية ترشيحا، شمال فلسطين، وتسبب لها بجروح خطيرة. وتناولت الصحف نبأ اعتداء طالب من منطقة ام الفحم على سيارة معلمه وسيارة أحد العاملين في المدرسة، بعد جدال وقع بينه وبين المعلم.
وذهب طلاب يهود في مستوطنة إسرائيلية بهضبة الجولان، إلى ابعد من ذلك. فقد أضرموا النيران بسيارة معلمتهم ومنزلها، ما كاد يتسبب بكارثة. والقائمة طويلة، كما تقول عضو البرلمان غيلة فنكلشتاين، وتضيف: «لقد اصبح عنوان «العنف ضد المعلمين» متجذراً في المجتمع الإسرائيلي، ويتوج سلسلة طويلة من أعمال التنكيل التي تنتهي أحياناً باعتداء على حقيبة او سيارة المعلم، وفي أحيان أخرى تبلغ حد تهديد حياته».
وترى فنكلشتاين ان المعلمين ومدراء المدارس الذين يعايشون احداث العنف المستشري في ممؤسساتهم، باتوا على يقين من أن العنف سيدمّر الجهاز التعليمي».
المسؤولون في نقابة المعلمين يقولون إن القانون الاسرائيلي جرّد المعلمين من صلاحية الدفاع عن النفس، ولم يعد المعلم يشعر بدعم قانوني يخوله حتى التدخل لفض اشتباك بين طالبين.
ويقول الاستاذ «م» من مدينة ام الفحم: «اعتقد ان العامل الأساس للعنف ضد المعلمين ينجم عن قوانين وزارة التعليم التي تدلل الطالب وتفرض القيود على المعلم. ويرى ان المعلم «بات يواجه مشكلة جدية في ضوء تقاعس الإدارة، وحتى المدير، عن المساندة بسبب الخوف من فقدان المنصب».
وفي استطلاع جديد في اسرائيل، يتبين أن الاعتداءات على المعلمين ارتفعت بنسبة 54 في المئة، لكن نقابة المعلمين تعتقد ان النسبة تزيد عن ذلك. وتقول نائبة المدير العام للنقابة، عوفرة دونيسكي، إن المعلمين يترددون في تقديم شكاوى إلى الشرطة بسبب تخوفهم من العواقب والتبعات.
وتتهم النقابة وزارة المعارف والشرطة بنقص الإجراءات والخطوات الكفيلة بردع الطلاب والكف من تهديداتهم. وتطرح معطيات تعتبرها خطيرة، يتبين منها ان نصف المعلمين في المجتمع اليهودي، وربع المعلمين في المجتمع العربي كانوا ضحايا العنف الطلابي. وقال 10 في المئة من المعليمن في القطاعين إنهم تعرضوا إلى تهديدات عبر الهاتف، و 12 في المئة إن سياراتهم تعرضت للاعتداء، وأفاد نحو 17 في المئة من المعلمين اليهود، و 6 في المئة من المعلمين العرب بأنهم تعرضوا إلى اعتداء جسدي.
وترى رئيسة قسم الشبيبة في الشرطة، سوزي بن باروخ، ان نسبة الملفات التي تم فتحها ضد الطلاب ليست كبيرة اذا ما قورنت بعدد المدارس. وتلقي بن باروخ باللائمة على المعلمين «لانهم يترددون في تقديم الشكاوى إلى الشرطة».
أحد المسؤولين في شرطة لواء الناصـرة يـكشف ان الأضرار التي يـحـدثـها الطلاب في مدارسهم غــالبــاً ما تعـالجها إدارة المدرسة، ولكـن في حـالة التـسبب بأضـرار جسيمة، تـفتـح الشرطة ملفـاً جنائـيـاً لمعالجـة الموضوع قضائياً.
وفي حديث مع بعض الطلاب، يتبين انهم ينقسمون بين مؤيد ومعارض للعنف. ولم يجاهر بعضهم باستعداده للتعرض إلى معلمه.
وقالت احدى الطالبات إن الطالب الذي يعتدي على معلمه يفتقد إلى الرجولة والانسانية، وتنظر بالمعيار ذاته إلى المعلم الذي يعتدي على طالبه، بينما ترفض زميلتها العنف، ولكنها لم تستبعد ان ترد على معلم أهانها بالمثل، او حتى احضار ذويها للرد عليه!
ويرى بعض المربين في حوادث الاعتداء عليهم دوساً على كرامتهم ومكانتهم، التي دعا اليها الشاعر احمد شوقي حين قال: «قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا، كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا». ويقول احد المعلمين: «في العصر الحالي، بات علينا تبني رد الشاعر ابراهيم طوقان على نظيره أحمد شوقي حين قال: «لو جرَّب التعليمَ شوقي ساعةً، لقضى الحياة كآبةً وعويلا».

ليست هناك تعليقات: