الخميس، 12 أبريل 2007

نساء فلسطين يطالبن بحقهن في الميراث

باقة الغربية – وليد ياسين الحياة - 12/04/07//
من ندوات جمعية «نساء وآفاق» (الحياة)لم تعتد ماري وإيمان (اسمان وهميان لأختين غير متزوجتين من الناصرة) مثل تلك الدعوة إلى تناول العشاء على مائدة شقيقهما. فهو لم يستضفهما من قبل. ولم تعرفا سر هذه «المحبة» المفاجئة. بعد العشاء، توجه إليهما الشقيق متمنّياً عليهما تلبية «طلب صغير، هو توقيعكما على تنازلكما لي عن الأرض. والمحامي ينتظرنا في الغرفة الثانية». و«أمام هذه الطريقة المخجلة»، كما تقولان، لم يكن أمامهما إلا التوقيع على صك التنازل... ولم ترياه منذ ذلك الحين.
هذه الحكاية وغيرها من الحكايات المخزية لأساليب انتزاع حق المرأة في الميراث، ترويها سيدات فلسطينيات من منطقة 48 لجمعية «نساء وآفاق»، نُشرت في إطار حملة نظمتها الجمعية لضمان حق النساء في الميراث.
وهي أول حملة لهذه الجمعية التي تنشط في مجال العمل النسوي، وتمهّد لواقع يمكّن النساء الفلسطينيات من تحقيق ذواتهن. ولكنها تشكل تحدياً من نوع جديد للمجتمع العربي الفلسطيني، الذي تعاني فيه المرأة من تقاليد وأعراف اجتماعية مجحفة تسلبها حقوقها المشروعة.
في قرية باقة الغربية في الضفة الغربية، تعيش المحامية سائدة محسن بيادسة، رئيسة جمعية «نساء وآفاق»، وفيها، مثل ما في غيرها من القرى والمدن الفلسطينية، تشكل قضية حق المرأة في الميراث مصدر قلق لكثيرات وكثيرين. وهي طُرحت مراراً، خلال لقاءات لناشطات الجمعية مع جمهور النساء، كما تقول بيادسة. وتروي: «كنا دائماً نستمع إلى أطروحات تثير قضايا اجتماعية، ويجدر بنا تناولها، من خلال عملنا. وكانت قضية انتزاع حق المرأة في الميراث من القضايا الحساسة التي طُرحت علينا. فهذا الحق تتفق عليه المعتقدات الدينية ولا يحقّ لأحد انتزاعه».
وتشير بيادسة إلى أن الهدف من الحملة تعميق الوعي لدى النساء، على حقهن الشرعي في الإرث، واستنفار الرأي العام وإطلاق نقاش، «نأمل في أن يفضي إلى التخلّص من هذا العرف المجحف». وستتوجّه الجمعية في حملتها إلى كل الأطراف المعنية في المجتمع، كي يأخذ كل فرد دوره في توعية النساء وتوجيههن. ولا تستثني بيادسة دور المحامين والقضاة الشرعيين في بث الوعي المطلوب.
والاستطلاع الذي أجرته الجمعية يُظهر أن معظم المحامين الذين شملهم، كشفوا أن 95 في المئة من طلبات حصر الإرث، التي تقدم إلى المحاكم الشرعية، يتقدّم بها ذكور، وفي 90 في المئة من الحالات، تتنازل النساء عن حقهن في الميراث. وتسأل بيادسة زملاءها: «لماذا لا تراجَع المرأة في أمر التنازل عن الميراث للتحقق مما إذا كان تحت تأثير الضغط، والتأكّد من أنه لن يؤثر في أوضاعها الاجتماعية مستقبلاً. وترى أن من واجب المحامين والقضاة التوقف عند كل حالة وفحصها في صورة جوهرية.
ويُستدل من هذا الاستطلاع، أيضاً، أن 75 في المئة من مجمل المشاركين فيه، من رجال ونساء، يرون وجود علاقة بين توريث المرأة وارتقاء مكانتها الاجتماعية.
ولجمعية نساء وآفاق ما تعتمد عليه في حملتها في المجال الديني. فالمراجع الإسلامية والمسيحية، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الدرزي، كلها تؤكد حق المرأة في الميراث. وقد جاء في الآية 7 من سورة النساء في القرآن الكريم: «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا». وفي الآية 11: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف».
وتقضي المراجع المسيحية بأن المرجعية في قضايا الإرث هي القانون المدني أو قانون الوراثة في البلد المعني. والقانون الساري المفعول، في منطقة 48، يقرّ المساواة بين الذكور والاناث في الميراث. وينص قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية في المادة 168، على أن في حال الوفاة من غير وصية توزع التركة بحسب الفريضة الشرعية، التي تؤكد حق النساء في الإرث في شكل متساو مع الذكر.
ومع ذلك، يظهر من استطلاع الجمعية أن 38 في المئة فقط، عبّروا عن نيتهم توريث أولادهم حسب الشرع والقانون. وفي التوزيع الطائفي، يتبين أن 50 في المئة من المسلمين يؤيدون هذا التوجه، في مقابل 17.5 في المئة من المسيحيين و11 في المئة من الدروز.
وتعلن بيادسة أن حملة الجمعية حظيت بتأييد واسع من هيئات المجتمع الفلسطيني وفئاته، ومن رجال الدين، «وهذا أمر مهم»، كما تقول. وهي تعتقد بأن الهدف الأساس لهذه الحملة هو على قاب قوسين أو أدنى من النجاح، «فقد حققت، الحوار المتوخى وأثارت مناقشات في كثير من البيوت، وساعدت النساء على المطالبة بحقهن». وتضيف: «على رغم أننا لم ننشط في شكل واسع في مدينة القدس، سمعت نساء بحملتنا وقررن القيام بخطوة لضمان حقوق بناتهن في التركة. وهن أبلغن الجمعية بأنهن سيقسّمن أملاكهن بين أبنائهن وبناتهن بإنصاف». وعبّرت أخريات عن أن الحملة ساعدتهن على فهم الصورة الحقيقية، بعد أن كنّ يجهلن أن قسطاً من الإرث هو من حقّهن، أسوة بالذكور.
وتتوجّه بيادسة إلى المرأة الفلسطينية في كل مكان، بالقول: «حين تطالبين بنصيبك من الإرث فأنت لا تجلبين عاراً على أهلك، كما يظن بعضهم، ولا تطالبين بمقاسمة إخوتك في أموالهم، بل تأخذين حقاً شرَّعه الله».
الأديب محمد علي طه يعتبر الحملة مشروعاً مفيداً لإعادة الحقوق إلى أصحابها، ويقول: «بلغ الصلف والإرهاب الذكوري مداه الأبعد عندما ربّى مجتمعنا «العصري» بناته ونساءه على فرضية انه على رغم الحق الشرعي، دينياً ومدنياً، في الميراث، فإن مطالبتهن به «فعلة نكراء خارجة عن التقاليد». وهو يرى أن قبول النساء ولو ظاهرياً، بأن أخذ النصيب من الميراث «عيب» أو «عار» أو «قلة حياء»، شجَّع الجشع عند كثير من الرجال ودفعهم إلى معاقبة اخواتهن إذا طالبن بهذا الحق».

ليست هناك تعليقات: