الخميس، 9 أغسطس 2007

صيف الأطفال الفلسطينيين لـ «جمع حفنة من الشواقل»

حيفا - وليد ياسين الحياة - 09/08/07//
لم يخطر في بال ياسمين أبداً أنها ستتمنى العودة إلى مدرستها في أوج العطلة الصيفية، فالعطلة بالنسبة اليها هذا العام، «كانت مملة وليتها لم تأت»، تقول وتنظر إلى صديقتها ناريمان، وكأنها تحضها على الإدلاء برأيها. إلاّ أن ياسمين لا تجد صدى لموقفها من العطلة لدى صديقتها التي تعتبر ان العطلة مطلوبة «كي نستريح ونستعيد قوانا ونجهز أنفسنا للسنة المقبلة».
ياسمين وناريمان (15 سنة)، زميلتان في الصف الدراسي نفسه، وجارتان في احد أحياء قرية عبلين في جليل فلسطين (منطقة 48). وتكاد الفتاتان لا تفترقان إلا عند النوم، وصداقتهما المتينة لا تمنع التفاوت في موقفيهما من العطلة الصيفية، الذين ينبعان من تفاوت الأحوال المادية لعائلتيهما. وتقول ياسمين المتحدّرة من عائلة محدودة الدخل: «والدي يعتبر الخروج إلى المطاعم تبذيراً، ويرفض إرسالنا إلى المخيمات الصيفية أو حتى أخذنا إلى البحر». أما وضع ناريمان فيختلف كثيراً، وتقول: «والدي يعتبر العطلة فرصة مناسبة للاستمتاع مع الأسرة، فنذهب إلى المطاعم، والسينما، والأسبوع المقبل سنسافر إلى شرم الشيخ». ولا تنتبه ابنة العائلة الميسورة إلى وقع كلامها على صديقتها الفقيرة، التي تشيح بوجهها جانباً، وتنسحب إلى منزلها.
الحال المادية والاجتماعية للعائلات لا تعتبر مؤشراً الى الطريقة التي يقضي بها الأطفال عطلتهم. وفي معظم مدن وقرى الـ 48 تبادر حركات شبابية وسلطات محلية إلى تنظيم مخيمات صيفية أو رحلات للأولاد في العطلة الصيفية، وبالطبع تحاول هذه الهيئات تحديد أسعار مدروسة تفسح المجال لأكبر عدد من الأولاد للمشاركة فيها. إلاّ أن بعض الأولاد لا يشعرون بالرضا عن التحاقهم بالمخيمات.
ويقول امجد (6 سنوات): «في السنوات الماضية كان المخيم أحسن، كنا نلعب، نرسم، نغني، نشاهد مسرحيات، أما اليوم فمن أول يوم وحتى أخر يوم نقضي الوقت في بركة السباحة، أنا أحب الذهاب إلى البركة لكنني لا استفيد منها».
وتوافقه شيرين رضا، المدربة في احد المخيمات، قائلة: «لقد طلبنا من السلطة المحلية مساعدتنا على تجنيد فعاليات يومية للأولاد بالإضافة إلى السباحة، لكنهم رفضوا». وبرأيها «فإن الإقبال على المخيمات الصيفية يشهد تراجعاً لغياب البرامج الترفيهية».
وتبرز مخيمات ذات طابع تثقيفي وتعليمي، كمخيمات اللغة الانكليزية، إلاّ أنها غالباً ما تكون من نصيب أولاد الأغنياء، لأن الأسعار التي يطلبونها تفوق أحياناً الحد الأدنى للأجور، الذي ترزح تحته عشرات العائلات الفلسطينية.
ولا يختلف موقف الأولاد في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة عن موقف اخوانهم في منطقة 48. فهناك أيضاً، تجد من يريد انتهاء العطلة الصيفية فوراً والعودة إلى المدارس، بسبب الضائقة الاقتصادية، من جهة، وبسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة داخليا، من جهة أخرى. «في المدرسة على الأقل نكتسب المعرفة ونجد ما نلهو به، أما في العطلة، فالأوضاع «زفت» ولا نفعل شيئاً، بل نخاف الخروج من البيت»، تقول صفاء (7 سنوات) من جنين. ويتمنى أطفال آخرون أن تطول العطلة الصيفية، لأجل «أن نكسب المزيد من المال» يقول علاء، من مدينة نابلس، الذي ينتظر العطلة الصيفية ليعمل ويجمع بعض الشواقل لمساعدة أسرته.
ويرى الدكتور عبد المحسن خالدي، المتخصص في العلوم الاجتماعية، ان الاختلاف في آراء الأولاد يعكس صورة للوضع القائم في فلسطين بمناطقها الجغرافية الثلاث: «هناك عائلات غنية يعيش أولادها حالات بذخ كبيرة، وهناك عائلات مسحوقة تكاد لا تجد ثمناً للرغيف». ويوضح: «من الطبيعي ان تسمع عن طفل يستمتع ويريد استمرار العطلة، في مقابل آخر يريد استمرار العطلة ولكن لجمع المال. هذه هي الصورة في مجتمع يفتقد التعاضد والتكافل الاجتماعي».
ويرى الدكتور خالدي «يفترض بالأسرة الفلسطينية، ككل الأسر في العالم، ان تستغل العطلة الصيفية لإحداث التقارب بين أفراد الأسرة والحفاظ على البيئة الدافئة للعائلة، لكن الأوضاع، اقتصادياً وأمنياً لا تساعد على ذلك».

ليست هناك تعليقات: