الاثنين، 2 أبريل 2007

تركوا بيئتهم الطبيعية ويعيشون حالة اغتراب ... الروس في اسرائيل يزرعون الرعب... والسلطات تقر بعجزها

حيفا – وليد ياسين الحياة - 02/04/07//
اوقف الشاب الفلسطيني عمر سيارته أمام احد منازل بلدة كريات يام في شمال إسرائيل، وترجل منها لوداع صديقته الروسية بعد سهرة أمضاها، هو وشقيقه، بصحبتها في مدينة حيفا المجاورة. كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف فجراً، والمنطقة خالية يكتنفها السكون. اقترب عمر من صديقته، ولم يعرف من أين جاءته الضربة التي أفقدته الوعي. في تلك الساعة كانت عصابة من الشبان الروس، من أصل قوقازي، تتربص بعمر وصديقته، وقد عزمت على الانتقام لما تسميه «شرف الطائفة القوقازية»، لان ابنتها قررت مصاحبة عربي، كما قال احد أفراد العصابة خلال التحقيق معه لدى الشرطة. وبحسب ملف الشرطة، ألقى احد أفراد العصابة بحجر كبير على رأس عمر وتسبب له باصابة بالغة في جمجمته، فيما هاجم عدد من أفرادها شقيقه داخل السيارة ونكلوا به بوحشية. في الليلة ذاتها التي تعرض فيها عمر وشقيقه إلى الاعتداء الدموي، كان محيط احد الملاهي الليلة في مدينة حيفا مسرحاً لعدوان آخر تعرض له شاب عربي، ايضاً. في مساء ذلك اليوم تعرض الشاب إلى استفزاز من مجموعة من الشبان الروس، الذين سكب احدهم كأس الشراب على رأسه، وبعد مواجهة كلامية بين الطرفين غادر الشاب العربي المكان وتوجه إلى سيارته، فلحقه الشبان الروس وانقض احدهم عليه وضربه بمعول على رأسه.
هذا النوع من الاعتداءات لم يعد حدثاً عابراً أو شاذاً بالنسبة للشرطة الإسرائيلية التي اكتظت طاولات محققيها بعشرات الملفات التي تعالج اعتداءات نفذتها عصابات من الشبان الروس، وكان ضحاياها شبان عرب ويهود، على حد سواء. ففي عشرات المدن الإسرائيلية التي استوطنها المهاجرون الروس تفشت ظاهرة العصابات والمافيا التي باتت تزرع الرعب في نفوس المواطنين وتشكل مصدر قلق لسلطات القانون التي تعترف بعجزها عن مواجهة هذه الآفة.
مدينة بيتح تكفا، في وسط إسرائيل، هي إحدى المدن التي يعيش سكانها حالة ذعر متواصل جراء أعمال العنف والشغب التي تنفذها عصابة من الشبان الروس. في الأشهر الأخيرة تعرضت بعض الكنس اليهودية في المدينة إلى أعمال تدنيس متكررة، شملت تمزيق الكتب الدينية وتحطيم الأثاث ورسم صلبان معقوفة على جدرانها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي مركز الشرطة تم تسجيل عشرات حالات اعتداء تعرض لها مواطنون في ساعات الليل من عصابات للشبان الروس في ضواحي المدينة، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بشكاوى قدمتها فتيات بعد تعرضهن إلى تحرشات جنسية وأعمال اغتصاب في الحدائق العامة والأزقة المظلمة.
مديرة مركز الشباب المتعدد المجالات في بيتح تكفا، بيلة ألكساندروف، المسؤولة عن معالجة مشاكل الشبان المهاجرين، تقول إن أفراد هذه العصابات، وبعضهم من المهاجرين غير اليهود، لا يندمجون في المجتمع الروسي داخل إسرائيل، من جهة، ولا يتقبلهم المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى. أما إيلي زرحين، مدير الجمعية الإسرائيلية لرعاية أولاد المهاجرين فيقول إن الحديث يجري عن شبان يشعرون بالغضب على إسرائيل. فمن جهة، كما يقول، «تشعر غالبية هؤلاء الشبان بعلاقة رمزية تربطهم باليهودية، ولم يؤخذ برأيهم حين قررت عائلاتهم الهجرة بهم إلى إسرائيل، وفوق هذا كله، يجدون أنفسهم في عزلة داخل إسرائيل ولا يتمتعون بمكانة اجتماعية منظمة».
ويقر أحد المسؤولين الإسرائيليين في وزارة استيعاب المهاجرين بفشل إسرائيل باستيعاب المهاجرين، خصوصاً الروس والأثيوبيين، وهو، بحسب رأيه، احد المسببات الأساسية لتفشي ظواهر العنف بين شبان هاتين المجموعتين لا سيما الروس. «وعدناهم بأنهار من السمن والعسل في ارض الميعاد فتركوا عالمهم ومحيطهم الاجتماعي والبيئي الطبيعي، وجاؤوا إلى هنا، ليجدوا أنفسهم يتسولون على قارعات الطرق، أو تبيع بناتهم أجسادهن مقابل حفنة شواقل لاقتناء رغيف خبز».
نتاليا، روسية في العشرينات من عمرها هاجرت مع عائلتها إلى إسرائيل في خضم حملة الهجرة الكبيرة في أواخر الثمانينات. والدها كان مدرساً في كلية الموسيقى في ليننغراد، ووالدتها كانت ممرضة، أما هي وشقيقها فكانا صغيرين ولم يعرفا ما الذي ينتظرهما في إسرائيل. اليوم تعمل نتاليا راقصة تعر في أحد الملاهي الليلية في حيفا بعد أن فقدت الأمل بمتابعة دراستها الجامعية بسبب حالة الفقر التي تعيشها عائلتها، وهو ما دفع بشقيقها إلى عالم الاجرام. تقول: «والدي انتقل من عالم الموسيقى إلى تنظيف الشوارع، ووالدتي تعمل في تنظيف البيوت، لقد كذبوا علينا حين أغرونا بالمال وأخرجونا من بلادنا. في المدرسة شعرت بحالة اغتراب دائمة، رفاقي كانوا ينظرون إلي مثلما ينظر المجتمع الإسرائيلي برمته إلى الفتيات الروسيات، كزانيات وفتيات متعة، حين أنهيت دراستي الثانوية لم يكن أمامي إلا البحث عن أي عمل لضمان لقمة العيش، ولم أجد إلا البارات والملاهي الليلية. أما شقيقي فقد وجد نفسه بين مجموعة من أترابه الروس الذين شكلوا عصابة تسرق لتعيش، وهو اليوم في السجن».
وفي نقاش أجراه الكنيست الإسرائيلي أخيراً حول تفشي العنف والجريمة في إسرائيل، قال المفتش العام للشرطة موشيه كرادي انه بين عامي 1996 و2006 سجل ارتفاع حاد لنسبة الجريمة في أوساط الشبان الروس. وبحسب تقارير لضباط الأحداث في الشرطة تشهد المدن الإسرائيلية ليلة الجمعة - السبت من كل أسبوع، عشرات أعمال العنف، غالباً ما تكون للشبان الروس علاقة بها. ويقول أحد الضباط إن مناطق بات يام وريشون لتسيون والرملة ونتانيا، في وسط إسرائيل، تشهد تنامي ظاهرة الجريمة بين الفتيات الروسيات. ويستدل من أحد تقارير الشرطة ان من بين تسع حالات عنف عالجتها الشرطة، كانت الفتيات الروسيات متورطات في سبع منها. وقالت إحدى المسؤولات في قسم مكافحة الجريمة في الشرطة إن معطيات جمعت في العام 2000، تشير إلى تورط أبناء المهاجرين الروس في 18 في المئة من الجرائم التي حدثت في ذلك العام، على رغم أن نسبة الشبان الروس بلغت في حينه 12 في المئة من نسبة الشبان في إسرائيل. وارتفعت نسبة الجريمة التي تقودها عصابات الشبان الروس في شكل مطرد خلال السنوات الأخيرة، وتجاوزت 23 في المئة، بحسب آخر تقارير الشرطة، بينما يستدل من تقرير لمعهد «جوينت يروكدايل» أن نسبة الجريمة في مخالفات الأخلاق والسموم تصل إلى 28 في المئة بين الشبان الروس، وترتفع إلى 71 في المئة في مخالفات السرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، فيما تصل إلى 77 في المئة بين الشبان الأثيوبيين.
وعلى رغم محاولات بعضهم التقليل من حدة الظاهرة، ورفضهم تسميتها بالجريمة المنظمة أو المافيا، يقرون بوجود دلائل تؤكد الانحدار نحو عالم الجريمة المنظمة.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود اولمرت، اقر في خطاب ألقاه العام المنصرم بتفشي الجريمة المنظمة في إسرائيل، قائلاً: «آن الأوان لاستخدام مصطلح «جريمة منظمة» وأنا أقول للشرطة إنها تملك تصريحاً ودعماً كاملاً مني في محاربة هذه الآفة».
أما الشرطة ذاتها فتقر بعجزها عن مكافحة الجريمة، وفي تعقيبه على تصريح اولمرت، قال احد الضباط: «اشك بمقدرتنا على تلبية طلب رئيس الحكومة».

ليست هناك تعليقات: